حين تعانق صبّاراً

للفلسطيني نبيل عناني

ديمة يوسف

كاتبة من فلسطين

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

01/04/2017

تصوير: اسماء الغول

ديمة يوسف

كاتبة من فلسطين

ديمة يوسف

حاصلة على إجازة في اللغة العربية، ودبلوم في التأهيل التربوي، عملت كمدرسة للغة العربية في دمشق.

عدوٌّ يسرق وسادة جدّ​​ك، فيُحكَم عليك أن تكمل أحلامك في العراء.

والعراء لا يعني دائماً أن تعدّ​ ​النجوم، بل أن تعدّ الهزائم اللامعة في لحمك كالدبابيس، وتتمنى لو أنّ “الصبّار” لا يحتمل العطش هكذا… 

لو أنّ شوكه يقتله، لو أنّ شوقك يقتلك. 

أتعرف كيف يكون الأمر حين تعانق صبّاراً طوال الوقت؟ 

لا؟​​

إذن، كان عليك أن تولد في مخيّم..

 

أنا ابنة مخيّم، ولا أملك سبباً لبؤسي أعمق من ذلك.

أعرف الجدران أكثر من الشجر، والأزقة التي تفيض بالبشر أكثر من الجداول، أحبُّ الزعران الطيبين أكثر من أولاد الأكابر، أولاد حارتي الزعران الذين كانوا يقطعون الشوارع بسبب مشاجراتهم في النهار، وفي الليل يبكون على أكتاف بعضهم، في سهراتهم الطويلة قرب المقابر..

رأيت الناس تغرق في عرقها على أبواب الأونروا الزرقاء قبل أن  تغرق في البحر، زرتُ قبور الشهداء في الأعياد قبل الأراجيح، حفظتُ “لا تصالح” قبل الأبجدية، أحبّبت “ظريف الطول” قبل أن أعثر عليه، وآمنتُ بالشهداء قبل الله…

 

أنا ابنة مخيم

ولا يمنع ارتجافي في البرد إلا الكوفيّة، على أيّ كتفٍ كانت…

أشبّه الحبّ بالانتفاضة، أصدقائي بجيش الإنقاذ

حضن حبيبي بـ “حقّ العودة”..

أشبّه جوارب إخوتي الضائعة بأعلام الفصائل

أشبّه الأسود، والأخضر، والأحمر

بقلبي..

 

إليكم شجرة العائلة:

جدّ أبي استشهد برصاصةٍ في جبهته

جدّي ورث عنه جبهته العالية

أبي ورث عنه الرصاصة

وأنا ورثت النزيف عنهم جميعاً..

في المدرسة  لم أعرف أبداً كيف أجمع قطبة وراء قطبة على كنفةٍ بيضاء، لأتعلّم كيف يضاعف الحرير فتنته على طرف ثوبٍ فلسطيني، كيف تتضاعف الفتنة مراتٍ حين يلفّها جسد امرأةٍ من طينٍ ممسوسٍ بالنور..

هكذا كنت أراه: ثوب طويل منسدل، ليصيب الأرض بالأنوثة كلّما لامسها، ليبتلّ في طبريا ويغبرّ في النقب، ويعمّد في القدس..

لكن يدي كانت ترتجف كلّما تذكرت أنّ امرأة هنا ستسير وترفع ثوبها بحزنٍ

امرأة هنا.. ستخشى أن يبلى ثوبها أو عمرها، وهي تسير في شوارع المخيّم…

يدي ترتجف، أما الإبرة فتعرف كيف لا تترك بياض الكنفة  فارغاً، حتى لو طرزته بالدماء…

 

تعالوا أحكي لكم عنا:

عن الأظافر على خدود الأولاد لأن الحقَّ قوة

عن “خيّا” التي تكفي لتجمع جسدين في دورة دموية 

عن جوازات سفرنا اللقيطة، المتبرّأ منها في كل البلاد

عن الهامش الذي صنع مجده باللعنات

عن الضيوف الذين في كل الثورات القادمة سيسيؤون الأدب..

عن غضب الله علينا، عن غضب الله فينا

عن الشجرة المقطوعة، والجذر الذي مازال يتوّغل، والماء بعيد..

نكره الحرب، لكنّ عدد الخيول في دمائنا، يفوق عدد الحمائم

نكره الجرح، لكنّه عيننا الوحيدة التي يحدّق فيها مَن يخشى النظر في فيض الذاكرة…

نحن حمّى الهوية، هل من كمّادةٍ باردةٍ لا تأتي برعشة الحنين؟

نحن سفوح الألم، هل من يدٍ طيبة ترمي بنا من هناك؟

 

أنا ابنة مخيم​​

ونحن نقول “خُبز” ونضمّ الحرف الأول، كمَن يضمّ جياع الأرض إلى صدره

ونحبُّ الملوخية ناعمة..

أمهاتنا يحتجن أن يفرمن شيئاً بالسّكاكين ​​الحادّة، انتقاماً من رحم الأرض لأجلنا

لأنّ هنالك صبّاراً يدعى “وطن”، ولا يكفّ عن عناق أبنائهن بشدّةٍ، طوال الوقت…

الكاتب: ديمة يوسف

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع