سيؤلمك شيءٌ ما دائماً
الصّغار الذين انتظروا لون الشجر أن ينطفئ، ليخفقوا في الضفة الثانية، بثيابهم النظيفة ووجوههم التي لم يعبرها خطُّ الدّمع الأسود
كانوا قد قطعوا الطريق، حين بقيتَ أنت على ضفتك، تمسح الدِّماء عن عينك، عن بؤبؤك الذي مازال متسعاً
لأنّ في حدقته أطفالاً على نفس ضفتك، قطعوا الطريق، ثم قطعوا أوردتك، لأنّهم لم يملكوا أجنحةً بدل الحقائب، وحقائبهم كانت ثقيلةً بالوصايا، الوصايا التي امّحت من أصابعهم، أصابعهم التي لوّحت للطائرة قبل أن…
سيؤلمك شيءٌ ما دائماً
لأنّ الصّغار على ضفتك
حين لأوّل مرةّ سيمتلكون فيها أجنحةً، سيتركون لك جثثهم، لتدفنها
وتحمل على ظهرك حقائبهم، ووزر الله…
…
سيؤلمك شيءٌ ما دائماً
لأنّك لمّا علّقت شهادتك على الحائط انهدّ البيت، ولمّا زرعت فلّةً على السطح أحرقوا البلاد
ولمّا ناديت صديقك “يا رفيقي” سمعك الحديد
سار على جلد الشّوارع، ووسم خطواتك بالسَّلاسل
في أي دربٍ سرتَ، سيعرفون أنّ مكبّلاً جرجر حزنه
ومرّ من هنا…
لمّا ربّيت عصفوراً قتل القناص أباك، ولمّا عانقت حبيبتك، جلدوها مئة جلدة
حبيبتك لا تنسى يديك..
يداك صارت سياطاً على ظهرها
كم كانت مؤلمةً.. يداك!..
…
سيؤلمك شيءٌ ما دائماً
لأنّ العساكر على الحاجز رموك بالثلج وضحكوا، وكنت تكرههم
لأنّك رأيتهم ذات صباحٍ يقتسمون قطعة شوكولا صغيرة، وكنت تكرههم
كان بعضهم في الثامنة عشرة، وكنت تكرههم
لأنّك رأيتهم في التَّوابيت، وكنت تكرههم
وفي القبور، وكنت تكرههم
ولما رأيتهم في عيون الأمهات… كرهت نفسك.
…
سيؤلمك شيءٌ ما دائماً
في فراشك الدافئ أقدامك باردة، وفي أوراقك الجديدة اسمك مبتور
اسمك النَّاقص على شفاههم دائماً
ورغم الابتسامة على وجهك، أبداً سيسألونك عن حزنك.
في البار لن تكتشف مشروبك المفضّل، لن تعرف السمّ المناسب لتموت
في الأغاني لو ضربوا الطبول لن ترقص
لن ترقص فعلاً
سيتحرك جسدك كأعمى بُهِت للتَّوّ بالظلام
أما روحك
روحك المربوطة إلى عوسج الذكريات
إن حركتها الأغاني
تتمزّق…
…
سيؤلمك شيءٌ ما دائماً
الباريسيات بشعرهن القصير وخصورهن الضامرة، إن فكّرن بالأطفال
ينجبن قطة..
وأنت كلّما فكّرت بأمّك تذكرت بطنها المنتفخ، عروق أقدامها الزرقاء، وكفّها الخشنة
ثلاثةٌ من أخوتك أجهضتهم على الطرقات، وبكت، لأنّ بذرة والدك لم تعرّش في أحشائها
لأنّها لم تلده ثلاث مراتٍ أخرى..
أمّك التي انتفخت بأبيك دائماً، وحين أتى الخريف، سقط عنها…
أبوك البرجوازي
وأمّك البروليتاريا
….
سيؤلمك شيءٌ ما دائماً
لأنّ الجدران المحكمة لكمت قبضاتك
وأظافرك التي أطلتها دهوراً كُسِرت أمام الإسمنت الأوروبي المسلّح..
مهما حركت فمك كسمكةٍ، لن يسمعك في الماء المتجمّد أحد.
مهما قلت “je suis” وتضامنت مع كلّ الضحايا، سيطلقون النار عليك
ويحدِّقون بجثتك
ستكون ميتاً لكنّك ستهرب، حتى لا تُتَّهم بقتل نفسك..
وبينما يعود شبحك إلى بيته المهجور
يقف كارل ماركس أمام جثتك، يسحب قدميه الثقيلتين من رأسك، ومن الصّحف اليومية، من متاجر الكتب، وأفواه المثقفين…
يزحف على بطنه ويتمتّم : “سلعٌ.. سلعٌ.. سلع”، ثم يفكّر بشمس تحرقه بسلامٍ في أمريكا اللاتينية…
أما أنت
فـ كمحاربٍ قديم اكتشف بغتةً سيفه الصدئ، تهرع إلى حضن امرأةٍ، تتكوّر فيه كبركة دمٍّ وتجهش:
“مقهور..
مقهورٌ يا حبيبتي ..
مقهور”…