«جريمة في رام الله» لعبّاد يحيى

تصوير: شروق شلبي

رمان الثقافية

مجلة ثقافية فلسطينية

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
خمس ممثلات إيطاليات أيقونيّات (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

28/12/2016

تصوير: اسماء الغول

رمان الثقافية

مجلة ثقافية فلسطينية

رمان الثقافية

صدرت عن منشورات المتوسط – ميلانو، رواية جديدة للكاتب والروائي الفلسطيني عبّاد يحيى، حملت عنوان «جريمة في رام الله». وقد صدرت في طبعتين، إحداهما عربية، والثانية فلسطينية.

تحكي الرواية عن جريمة قتل شابة حدثت في نهايات العام ٢٠١٢ في مدينة رام الله، وغدت بؤرة كل شيء. على وقع الجريمة أدرك كل من رؤوف، ونور، ووسام، أنها ستكون أهم حدث في حياتهم، وستدمغ ما قبلها وما بعدها. ثلاث شخصيات شابة من جيل ما بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية، يعيشون مختارين في حيوات متوازية مع كل ما حولهم من مجتمع وسياسية وقضايا كبرى، وحين يحدث التقاطع الوحيد إثر جريمة القتل تبدأ نسخة أخرى مختلفة من حياتهم تتتبعها الرواية بين ماض وحاضر ومستقبل تذوب الحدود بينها.

سألنا في رمّان عبّاد يحيى إن كانت الرواية أدب جريمة وإن كان لذلك مكان اليوم في الأدب الفلسطيني، فقال بأنه ليس متأكداً من كون «جريمة في رام الله»، رواية جريمة أو تنتسب إلى ما يسمى بأدب الجريمة. السؤال أثار فيّ توتراً طفيفاً، يقول، مثل الذي قد ينتابك حين تجد رواية «الغريب» لألبير كامو في أحد متاجر الكتب بين روايات أدب الجريمة. نعم هنالك جريمة قتل وملابسات حولها وبعدها، يضيف، ومسارات زمنية تبدأ منها أو تنتهي إليها، ولكن التمييز الأساس ربما الذي يجعل الرواية رواية جريمة، هو أن سؤال الفاعل والوصول إليه أو استكشافه هو العمود الفقري للرواية، أو ذاك الخيط الناظم الذي تشعر به طوال قراءتك للعمل وتتأكد أن المؤلف مهجوس به أيضا، في «جريمة في رام الله» ليس الأمر على هذه الشاكلة.

وفي الحديث عن غياب أدب للجريمة، أو يرتكز على جريمة، في الأدب الفلسطيني، يقول يحيى بأن هنالك وعياً بالجريمة الكبرى وفاعلها الواضح، أي الاحتلال، وهذه تكاد تكون مقاربة الجريمة العامة في الحالة الفلسطينية، هذه الجريمة أمّ الجرائم ربما، وتستصغر أمامها الجرائم بمعناها التقليدي، هنالك جرائم كثيرة كموضوع في الأدب الفلسطيني صحيح، ولكن أدب الجريمة غير موجود بكثرة أو ربما غير موجود، ثم هل لا يزال هنالك من يهتم بهذه التصنيفات! لا أدري صدقاً، يقول، مثلاً أحب الرواية البوليسية لأنها نشاط ذهني وتدريب شبه كامل على بناء الرواية والانشغال بالبنية وتركيب الحبكات والوعي بما هي رواية اليوم، يضيف مقترحاً بأن نفكر طويلاً كيف كتب أحد أهم مفكرينا العرب، عبد الله العروي، روايات بوليسية بتقصّد كامل، هذا صنف مكتمل فنياً ومعقد وصعب. وربما الأدب الفلسطيني منشغل بالموضوع أكثر من انشغاله بهذا التجريب أو التجديد، وهذا مفهوم ومعقول جداً. سمعت مؤخراً عن رواية جديدة لعدنية شبلي موضوعها جريمة صرفة، ولكن بالحذر نفسه لا نستطيع القول إنها مما يسمى أدب الجريمة.

ينهي يحيى بالقول إن الاحتلال مركب إضافي على المجتمع وحالاته وقضاياه، لا ينفي ذلك الأسئلة الواردة في حالة أي مجتمع بل يضفي عليها عمقاً أكبر، ولذلك وجود الاحتلال يمنح مقاربة جريمة قتل عمقاً أكبر من مقاربتها في حالة أخرى، هذا ربما يظهر في العمل. أخشى أن يكون سياق الحديث عن الرواية بمركزة هائلة للجريمة بمعناها الرائج والمتبادر سريعا للأذهان، غير وفيّ للجريمة بمعناها المركّب كما تقاربها الرواية، يقول. لا شيء يجيب على هذا الأمر مثل قراءة العمل برأيي.

 

ننشر هنا مقطعاً من الرواية خصّه الكاتب للمجلة

رؤوف

اتصل والدي بنبرة مختلفة، يقول إنه في رام الله ويريد رؤيتي. ذهبت إليه، انتظرني قريبًا من مواقف سيارات الأجرة التابعة للقرية. خريطة حركة أبي في رام الله ثابتة ولا يغيرها، ولذلك فهو بالكاد يعرف شيئًا بعيدًا عن دائرته التي لم تتغير منذ شبابه.

شعرت بمرور الوقت حين رأيته، كانت أسابيع قليلة تفصلني عن المرة الأخيرة لزيارته وأمي، إلا أنه بدا أكبر بكثير. وأنا أقترب منه شعرت بوخز في صدري، وفكرت لأول مرة منذ سنوات باحتضانه أو تقبيله إلا أنني وصلت إليه قبل أن أحسم تفكيري، سلمت عليه باليد كما دومًا، وسألته إن كان تناول فطوره فضحك لأنه يعرف أنني أعرف أنه تناوله قبل ساعات، سألته إلى أي مكان يحب أن نذهب، فقال إنه يريد أن يسألني عن شيء بسيط ويمكننا أن نتمشى في الشارع أو داخل موقف سيارات النقل العمومي.

تحدث أبي لدقائق عن الحياة والمسؤولية والحذر والعمل السياسي عديم الجدوى اليوم وعن الوضع الراهن وعن خبرته وخلاصتها، دون أن أفهم مغزى حديثه، فقاطعته مستفسرًا عن سبب هذا الحديث. فقال بهدوء:

–    “احنا بعد اللي صار مع صلاح حابين نتأكد إن الأمور عندك ما فيها مشاكل..”

“من صلاح؟” سألت نفسي، ثم تذكرت أنه يقصد صلاح زميل السكن السابق، أبي لا يعرف شيئا عن انتقالي للسكن وحيدا.

قلت: “ماله صلاح؟”

بدت ملامح الحيرة على أبي وقال: “ما بتعرف!!”

تنبهت إلى أن شيئا مهمًا حصل، وخشيت أن تكون له تبعات على ما يعرف أبي وعائلتي من أحوالي فقلت:

“هو من فترة طلع من الشقة وما رجع”.

بدت علامات استغراب على وجهه بدّدها تنهده بارتياح، وقال متخففًا من حذره ومبررًا قلقه: “احنا بس قلقنا عليك فقلت بحكي معك”.

بدا وكأن الحديث انتهى، ولكنني لم أعرف ما حدث مع صلاح. فقلت: “أنا فعلا ما بعرف شو صار مع صلاح؟”

رد أبي وكأن الأمر لا يحمل أية أهمية: “قالوا بالأخبار إنهم اعتقلوه مع خلية خططت لعمليات كبيرة في إسرائيل..”

عبرت ذهني صورة لصلاح متلذذًا بمشهد جنسي في فيلم شاهدناه معًا، تذكرت الفيلم Butterfly Effect 2 أعجبه المشهد بطريقة غريبة وظل يعيد مشاهدته مرارًا دون ملل.

شاردًا ومنسحبًا إلى ذكرياتي، سلمت على والدي وبدا وكأنه قال إنه اطمأن ولا شيء يزعجه.

مضيت سريعًا إلى المركز أبحث في الانترنت عن اسم صلاح علّني أجد شيئًا عما حصل معه، وفوجئت بأن الأمر أكبر بكثير من تبسيط أبي.

صلاح متهم بقيادة خلية أمنية تنسق مع تنظيم في الخارج، ومنذ سنوات يدخِلون الأموال ويشترون الذخيرة والسلاح ويؤمنون مواقع في مناطق مختلفة من ريف الضفة.

فيديوهات من التلفزة الإسرائيلية عن خطورة الخلية واحتراف أفرادها والخسائر الهائلة التي كان يمكن أن تقع لو نفذت عملياتها.

كلام كبير وخطير. تفجير في ملعب كرة قدم! بل ومحاولات لتجهيز صاروخ يطلق على طائرة في مدرج مطار بن غوريون!!

كنت مذهولًا تمامًا، علاقتي مع صلاح عادية، زملاء سكن بالصدفة، وأعرف عن ذوقه في صدور النساء ومؤخراتهن أكثر من أي شيء آخر، حتى أنني لا أعرف اسمه الثلاثي ولا شيئًا عن حياته. أنا بالكاد أعرفه.

موظف في شركة اتصالات، شاب ككل شباب هذه البلد، شاب مثلي أنا!

هل هذا هو نفسه الذي تضعه الصحافة الإسرائيلية على رأس هرم شبكي مليء بالوجوه المتجهمة؟!

حتى عمره لم أكن أعرفه، يقولون هنا إنه في ٣١ من العمر، وأنا ظننته في أواسط العشرينيات!

فكرت بالاتصال بنائل. لم أكن متأكدًا إن كان رقمه معي أو أنه لا يزال محتفظًا به، فكرت بالذهاب للشقة، ثم ترددت. الجيش داهمها كما تقول الأخبار وصادر الحواسيب.

حاسوب صلاح تحديدًا. هل سيجد فيه الجيش شيئًا سوى الأفلام الجنسية التي يحب صلاح مشاهدتها بصوت مرتفع جدًا!

لن يفارقني صلاح منذ ذاك الصباح، حياتنا كانت متشابهة، الخطة المسبقة لسيرنا كانت متشابهة، كان يمكن أن أكون مكانه.

ما استبد بعقلي وتفكيري هو انشغال صلاح بكل هذه الأشياء الهائلة في وقت توقف فيه الجميع عن فعل شيء، الأحوال هادئة، الناس أنهكوا في السنوات الماضية والكل يتوسل وقتًا مستقطعًا بل ويتلهف عليه. صلاح الذي كان صفحة بيضاء مشرعة، يغيم في ذهني ويغرق في الغموض.

لماذا يقدم صلاح على فعل كهذا؟ لماذا أسأل هذا السؤال كأن كل ما يجري حولي لا يعنيني؟ كم سيقضي صلاح في السجن؟ لماذا يضحي بكل شيء؟ ومن أجل ماذا؟ ثم ما هو “كل شيء” هذا الذي يضحي به صلاح؟

لم تكن هذه الأسئلة لتخطر على بالي وأنا أحيط رقبتي بكوفية التنظيم قبل أشهر في الجامعة، كان كل شيء رخيصًا أمام فعل شيء كالذي فعله صلاح، كان يمكن أن أخطب في الطلاب مبجلًا أمثال صلاح مرفقًا باسمه كل صفات البطولة والشجاعة والعظمة. لماذا لم يعد كل ذلك مفهومًا بالنسبة لي! هل تكفي بضعة أشهر ليتحول أهم فعل في الوجود إلى فعل بلا معنى!

كم مضى عليّ وأنا ألاحق دنيا!

 

عبّاد يحيى

روائي من فلسطين، مقيم في رام الله. باحث في علم الاجتماع، وصحفي يرأس تحرير موقع الترا صوت. صدرت له روايات: “رام الله الشقراء” في ٢٠١٢ عن دار الفيل ثم المركز الثقافي العربي. “القسم ١٤” في ٢٠١٤ عن المركز الثقافي العربي. “هاتف عمومي” في ٢٠١٥ عن الدار الأهلية للتوزيع والنشر.

 

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع