رفقاً بالمسرح…مسرحنا

"أوثيلو وديزديمونا" للفرنسي أدولف ويز (١٨٣٨- ما بعد ١٩٠٠)

رمان

No designation provided

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

24/02/2017

تصوير: اسماء الغول

رمان

No designation provided

رمان

حفّزني مقال سليم البيك “أورسون ويلز وعلاقتي القلقة بالمسرح” المنشور برمان، على الكتابة مجدداً عن المسرح، لا كمعني بالمسرح، دراستي ومكان عملي النظري والعملي، بل كمتسائل عن أسباب نشوء ثنائية جديدة تضع المسرح والسينما على طرفي نقيض، كيف نقرأ المسرح والسينما كثنائية تضاد؟ وماذا سيترتب على ذلك من فهم للمسرح، دوره وماهيته؟

يسعى البيك إلى الإجابة عن “تفسير علاقته القلقة بالمسرح”، بمعنى آخر “لماذا لا أرغب بالذهاب إلى المسرح؟”، السؤال ليس حبيس ذات البيك قط، هو سؤال مجتمعي عريض في المجتمعات العربية. نغالي في القول إن المسرح هو طقس حاضر في مجتمعاتنا العربية يقوم به الجميع. وإذا كان كذلك في الخمسينات والستينات من القرن العشرين فهو أفلَ بقدوم الديكتاتوريات العسكرية المتجذرة إلى يومنا هذا في المنطقة العربية، ليس كإنتاج إبداعي، إذ أنتجت المنطقة العربية كتّاب مسرح ومخرجين مسرحيين عالمين، كان لهم صفحتهم في كتاب المسرح العالمي، بل أفلَ كطقس تجمع في حضرة أنظمة رهاب التجمع، وغاب عن المناهج الدراسية العربية ـ المشرقية خصوصاً ــ كفن رائد كالشعر والقص المتجذرين بالعربية. وهكذا، اقتصر جمهور المسرح لعقود على العاملين فيه ومن حولهم ولفيف النخبة المعترفة بالمسرح كفن، وأزيحَ ــ من حولنا فقط ــ المسرح عن منصة الفنون لمصلحة الدراما التلفزيونية التي تفشت منتصف التسعينات وما بعد، ولمصلحة فن الشاشة الأكبر (السينما) التي غدت في متناول اليد في عصر الاندفاع التكنولوجي، وأصبحت بلادنا المحدودة بدور سينما المعدودة على أصابع اليد تعجُ بالأشرطة ومن بعدها الـCD  و DVD المتاحة للجميع، ما سهّل للقاصي والداني الاطلاع على السينما العالمية والاستزادة من عيونها في طريقه لبناء ثقافة سينمائية واسعة مقابل ثقافة مسرحية محدودة بالعوامل السوسيولوجية آنفة الذكر.

لكن محاولة إيجاد تفسير الابتعاد عن المسرح بالسينما محفوفة بالمخاطر، أولها البداهة التي ذكرها البيك في مقاله عن أنه في السينما  “ما هو، بنيوياً، غير موجود في المسرح”، ولو أن الفنين ينضويان تحت فنون الفرجة، والمنهج الذي يتبعه جل ممثلي السينما في المحاكاة والواقعية النفسية ضارباً في جذره عند المنظّر المسرحي قسطنطين ستانسلافسكي ومنهجه في إعداد الممثل، إلا أنهما في الوقت ذاته يختلفان في التاريخ وتطور البناء وآليات العمل، ولكل واحدٍ منهم عالمه الواسع، فللمسرح فروع تتسع لتشمل كل فنون الأداء القائمة على خشبته، وللسينما عالمها الواسع المتنوع بين الروائي والوثائقي، القصير والطويل، القديم والمُحدث. لذلك، كانت قراءة الواحد بالآخر منهم ممكنة وفي ذات الوقت خطيرة وقد تودي إلى تعميمات، منها مشابهة النص المسرحي بسيناريو الفيلم والخروج بنتيجة مفادها أن كل النصوص المسرحية “كُتبت لتُؤدى على الخشبة لا لتُقرأ”، حالها حال السيناريو المُعد للتصوير أمام الكاميرا لا ليُقرأ كأدب، وذلك مصيب في صيروة العمل المسرحي من الكتابة إلى العرض، لكنه ينفي أيضاً “الأدب المسرحي” كأدب (وهذا ما يميزه عن السيناريو) لا كعرض، والأمثلة النصية على ذلك تطول من مولد التراجيديا فجر التاريخ مع سوفوكل وأسخيلوس ويوربيدس، مروراً بشكسبير وغوته، وانتهاءً عند تشيخوف، وبيكت وبريخت، فالنص المسرحي قبل انتقاله إلى حيز العرض هو أدب، و”أوديب ملكاً” بُني عليها ما بني كنص أدبي لسوفوكليس كما هي عرض مسرحي قدم آلاف المرات.

قبل آلاف السنين، انفصل المسرح عن الطقس الديونوزوسي، خرج سيثبس الممثل الأول، واستحالت “أوديب ملكا، وأنتيغون، وأجاممنون…” إلى دراما تقدم أمام جمهور بعد أن كانت أساطير وحكايا شعبية، من وقتها أرسى الفيلسوف اليوناني أرسطو طاليس مبادئ أساسية في آلية عمل هذا الفن، كان على رأسها مفهوم التطهير، وهي العملية القائمة في النفس جراء فعل الفرجة، أي تطهر المتلقي من المشاعر التي يراها، وهنا لم يقصد أرسطو ــ وكل التنظير المسرحي الذي تبعه لليوم ــ أن التطهير يطال جميع الحضور دفعة واحدة، بل لكل فرد من الحضور تطهيره الخاص، ولا يعني الحضور الجماعي لعمل ما ــ وهو الحاصل في صالة السينما أيضاً ــ أن “تلقي المسرحية لا يكون إلا جماعياً”، فوجودك كفرد بين مجموعة الحضور لا يلغي تمايزك عن الآخرين، وكيف للتلقي أن يكون جماعياً لمسرحية فرنسية يتلقاها العربي والإنكليزي والفرنسي …الخ، في نفس العرض. التلقي ليس واحداً، ولا يمكنه أن يكون كذلك، والذي ذكره ويلز واستشهد فيه البيك بأن “مشاهدة الفيلم شخصي لأن ليس هنالك ما يُسمّى جمهور الفيلم، من المستحيل إدراك هذا الجمهور” ينطبق على المسرح أيضاً، فمن المحال إدراك جمهور مسرحية “عطيل” ــ التي أخرجها للسينما ويلز ــ منذ تقديمها للمرة الأولى في القرن السادس عشر وصولا إلى إخراجات هذا العام لها.  

تبقى مسألة الحب والتفاضل بين فن وآخر مسألة ذاتية بحتة، بيد أن ما أثاره البيك في تساؤله عن “علاقته القلقة بالمسرح” حريٌ أن يحرّض ليس المسرحيين فقط، بل كل العاملين في الشأن الثقافي، على البحث في علل أسئلة مشروعة كهذه، والنظر بين ثنايا مسرحنا الذي يجاهد اليوم لينفض عنه أثر الديكتاتوريات العربية التي أحالته بقبضتها من فعل فني حي ضارب في تاريخ الإنسانية إلى فنٍ نافل عند الكثيرين.

الكاتب: رمان

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع