ميشيل فوكو: الهجرات السكانية أصبحت حالة مؤلمة ومأساوية بما يرافقها من موت وقتل (1979)

رمان الثقافية

مجلة ثقافية فلسطينية

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

29/03/2017

تصوير: اسماء الغول

رمان الثقافية

مجلة ثقافية فلسطينية

رمان الثقافية

ترجمة: رهام أحمد محمد

منذ كتاباته الأولى، عُني الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926-1984) بالإبستمولجيا/ نظرية المعرفة، وهو أول من اجترح مصطلح “الأركيلوجيا/حفريات المعرفة” من خلال حفرياته الفلسفية التي عملت على كشف الشبكات السلطوية التي تنضوي عليها حقول المعرفة. حطم ثنائية “عقل/جنون” في كتابه “تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي”، وتتبع مؤسسات السلطة الأشد، وكشف عن ماهيتها وآليات عملها، كما في كتابه “المراقبة والعاقبة (تاريخ ولادة السجن)”، وتناول في كتابه “تاريخ الجنسانية” الجنس كموضوع معرفي باحثاً فيه عن الشبكات السلطوية التي تحكمه وتهيمن عليه، كما عمل على نُظم المعرفة وحدد أنساق عملها في كتابه المعروف “الكلمات والأشياء”. 

لم يقف فوكو ــ وهو الفيلسوف المشاغب في كل ميادين المعرفة ــ على الحياد من القضايا السياسية التي عاصرها، سواء الحرب العالمية الثانية، أو في القضية الجزائرية وغيرها من القضايا السياسية التي كانت راهنة آنذاك. من ذلك، التفاته إلى قضية اللاجئين كمسألة إنسانية تعني أي مفكر في الشأن الإنساني العام. قضية اللاجئين التي كانت موضوع أحد حواراته التي أجراها في اليابان حينما ذهب إليها أستاذاً زائراً في منتصف سبعينيات القرن الماضي، إن حديث أستاذ الكوليج دو فرانس الآتي، وبرغم ابتعاده عنا بالزمن، مازال حاضراً في ظل ما يعيشه اللاجئون الفلسطينيون والسوريون من مآسي يناقش جذرها ميشيل فوكو هنا، برغم اختلاف هوية اللاجئين بين اليوم والأمس… 

 

ه. أونو: برأيك، ما هو مصدر مشكلة اللاجئين الفيتناميين؟

ميشيل فوكو: لقد تعرضت فيتنام للاحتلال منذ أكثر من قرن بشكل مستمر من قبل قوى عسكرية مثل فرنسا واليابان والولايات المتحدة. والآن قام الفيتنام الجنوبي باحتلال الفيتنام الشمالي (وذلك قبل أن يتوحد شمال الفيتنام وجنوبه في دولة واحدة). بالطبع احتلال الجنوب للشمال يختلف عن تلك الاحتلالات السابقة، ولكن لا ينبغي أن ننسى أن السلطة في مكان في جنوب فيتنام تمارس من الشمال.

خلال هذه السلسلة من الاحتلالات على مدى قرن من الزمن، تطورت الصراعات المفرطة بين السكان. وكان عدد كبير من السكان قد تعامل مع المحتل. ويمكن أن نضع في فئة المتعاونين التجار الذين كانوا يتاجرون مع المستعمرين، أو موظفي الخدمة المدنية الإقليمية الذين عملوا في ظل الاحتلال. لذلك، وبسبب تلك العداوات التاريخية وجد جزء من السكان أنفسهم ملومين ومتخلى عنهم، وأصبح الشعور بالتناقض كبيراً بين الحاجة السابقة لدعم توحيد فيتنام والشرط الحالي لمعالجة قضية اللاجئين التي كانت نتيجة لتلك الحاجة، أي الحاجة لتوحيد فيتنام. فالدولة ليس لديها الحق في أن تقرر حياة أو موت شعوبها أو شعوب الدول الأخرى، لأن حق الموت والحياة غير مشروط، وإن تدخل الدولة في حق الحياة والموت يعني معارضة قصف فيتنام من قبل الولايات المتحدة ومعارضة وسائل مساعدة اللاجئين الحالية.

على ما يبدو فإن مشكلة اللاجئين الكمبوديين ليست نفس مشكلة اللاجئين الفيتناميين. ما رأيك؟

ما حدث في كمبوديا لم يسبق له مثيل على الإطلاق في التاريخ الحديث، فالحكومة قتلت شعبها على نطاق لم نشهده سابقاً. وما تبقى من السكان الذين نجوا وجدوا أنفسهم تحت سيطرة الجيش الذي استخدم القوة المدمرة والعنيفة، لذلك الوضع يختلف بين كمبوديا وفيتنام.

من ناحية أخرى، فإن حركات التضامن التي يتم تنظيمها في جميع أنحاء العالم للاجئين من جنوب شرق آسيا، لا تأخذ الاختلافات في المواقف التاريخية والسياسية بعين الاعتبار، هذا لا يعني أن نبقى غير مبالين بالتحليلات التاريخية والسياسية لقضية اللاجئين، ولكن في حالات الطوارئ ما ينبغي القيام به هو إنقاذ الناس الذين يعيشون تحت الخطر. لأنه حتى هذه اللحظة هناك 40000 فيتنامي نزحوا إلى سواحل الهند الصينية أو يشغلون الشاطئ في الجزر وهم على حافة الموت. وهناك حوالي 40000 كمبودي أجبروا على العودة من تايلند تجاه خطر مميت. وهناك ما لا يقل عن 80000 شخص يعيشون مع الموت بشكل يومي. وليس هناك أي حوار عن الصعوبات السياسية والاقتصادية التي تأتي مع مساعدات اللاجئين يمكن أن يبرر تخلي الدولة عن تلك الكائنات البشرية التي تقف على أبواب الموت.

في عام 1938 وعام 1939، هرب اليهود من ألمانيا ووسط أوروبا، ولكن لأن معظم البلدان لم تستقبلهم لقى الكثيرون منهم حتفهم. وقد مرت أربعون سنة منذ ذلك الحين، هل من الممكن أن نرسل مرة أخرى 100000 شخص ليلقوا حتفهم بنفس الطريقة؟ بعبارة أخرى، هل من الممكن إيجاد حل عالمي للمشكلة، للدول التي تخلق اللاجئين، لا سيما فيتنام، هل يجب عليهم تغيير سياستهم وكيف، برأيك هل من الممكن تحقيق هذا الحل العام؟

في حالة كمبوديا، فإن الوضع أكثر مأساوية مما كان عليه في فيتنام، ولكن هناك أمل في التوصل إلى حل في المستقبل القريب. يمكننا أن نتصور أن تشكيل حكومة يوافق عليها الشعب الكمبودي من شأنه أن يؤدي إلى حل. ولكن بالنسبة لفيتنام فالمشكلة أكثر تعقيداً لأنه قد تم بالفعل تأسيس سلطة سياسية، ولكن هذه السلطة تستثني جزءاً من السكان الذين لا ترغب بهم على أي حال. وبهذه الحالة دفعت الدولة هؤلاء الناس للسعي وراء فرصة مؤكدة للبقاء على قيد الحياة من خلال الهجرة عن طريق البحر بدلاً من البقاء في فيتنام. ولذلك، فمن الواضح أنه من الضروري ممارسة ضغوط على فيتنام لتغيير هذا الوضع. ولكن ماذا تعني “ممارسة الضغط”؟

في جنيف، في مؤتمر الأمم المتحدة حول اللاجئين، مارست الدول المشاركة الضغط على فيتنام على شكل توصيات ومشورات، ثم قدمت الحكومة الفيتنامية القليل من التنازلات. بدلاً من التخلي عن أولئك الذين يرغبون في الرحيل إلى ظروف غير مؤكدة أو قد تشكل خطر على حياتهم، اقترحت الحكومة الفيتنامية بناء مراكز عبور لجميع المهاجرين المحتملين، لأنهم سيبقون هناك لأسابيع أو لأشهر ومن الممكن لسنوات حتى يتمكنوا من العثور على البلد المضيف. لكن هذا الاقتراح يبدو غير لائق وشبيه بمعسكرات الاعتقال.

تكررت قضية اللاجئين عدة مرات في الماضي، ولكن هل هناك جانب تاريخي جديد في حالة فيتنام، ماذا يمكن أن يكون؟

في القرن العشرين، حدثت جرائم إبادة جماعية واضطهاد عرقي بشكل متكرر. وأعتقد أنه في المستقبل القريب، ستتجلى هذه الظواهر بأشكال جديدة. أولاً، لأنه على مدى السنوات القليلة الماضية ازداد عدد الدول الديكتاتورية بدلاً من أن يتضاءل، حيث أصبح التعبير السياسي أمراً مستحيلاً في بلدهم، ولأنهم لا يملكون القوة اللازمة للمقاومة، وبهذه الحالة الناس سوف تقمع من قبل الدكتاتوريات وسيختارون الهروب إلى الجحيم.

ثانياً، في المستعمرات السابقة، احتفظت الدول بالحدود الاستعمارية كما كانت، حيث الأعراق واللغات والأديان مختلطة، وهذه الظاهرة تخلق توترات خطيرة في تلك البلدان ومن المحتمل أن تنفجر ويحدث جراءها نزوحاً جماعياً، كما سيؤدي انهيار أجهزة الدولة لعداوات بين السكان.

ثالثاً، القوى الاقتصادية المتطورة التي تحتاج إلى عمالة من دول العالم الثالث والدول النامية استوردت المهاجرين من البرتغال والجزائر وأفريقيا بشكل عام. ولكن الآن البلدان لم تعد بحاجة إلى هذه القوى العاملة بسبب التطور التكنولوجي، وتسعى لإعادة إرسال أولئك المهاجرين إلى بلادهم. كل هذه المشاكل أدت إلى هجرة مئات الآلاف والملايين من الناس. إن الهجرات السكانية أصبحت حالة مؤلمة ومأساوية بما يرافقها حتماً من موت وقتل. وأخشى أن ما يحدث في فيتنام ليس أثراً من الماضي، إنما أيضاً ينذر بالمستقبل.

 

نُشرت هذه المقابلة باللغة اليابانية في17 آب عام 1979، تحت عنوان: “مشكلة اللاجئين أصبحت تنذر بهجرة القرن الواحد والعشرين العظيمة” أجراها: ه. أونو 

تمت ترجمتها وإعادة نشرها في صحيفة “الحرية” الفرنسية في 17 أيلول 2015 تحت عنوان: “الإنسان المقموع من قبل النظام الديكتاتوري يختار الهروب إلى الجحيم”.

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع