كلما مررت صدفة أو بلقاء مؤكد مع المخرجة الفلسطينية مي المصري، تسألها عن حال جان شمعون، “كيف حاله؟” هذا السؤال الذي يعتبر أكثر الأسئلة مجاملة، خاصة إذا كنت تعرف حاله وما آل إليه، وقد عانى مؤخراً من مرض الزهايمر.
تحاول بشكل جاد أن تفصل نفسك عن تلك الحقيقة، وتسأل فقط عن حاله، فيكون الجواب “بخير” ولا شيء آخر.
لتنتقل معها إلى أحاديث أخرى يكون الإسهاب فيها على مصراعيه، تعود في لحظة لتحاكي الغائب الحاضر، وتسأل نفسك، هل تمكن الزهايمر فعلاً من أن ينسيه فيلمه الروائي الأول «طيف المدينة»؟ عملياً هذا الفيلم ما هو إلا تجسيد لصرخته الخاصة تجاه كل ما قدمه سابقاً والتي ترجمها في ذلك الفيلم، هل تمكن الزهايمر من أن يلغي «تل الزعتر» و«أنشودة الأحرار»؟ وهي أفلام وثائقية من صناعة يديه وتفكيره وفكره، أسئلة كثيرة تجول في خاطرك كمتابع له، سينمائياً وإنسانياً وفق العلاقة الخاصة التي تربطك به وبأفراد عائلته.
شمعون المدافع الشرس عن فلسطين وحقوقها، وكاميرته التي تعتبر العدو اللدود كل ما له علاقة بـ”إسرائيل”، غاب أمس، وسلم روحه الهائمة على أرجاء وطنه لبنان، تاركاً إرثا من السينما الوثائقية والتسجيلية، جعلته رائداً من صناعها.
غاب قبلها عن الحضور في المحافل، لأنه يدرك تماماً معنى أن يموت الحر واقفاً، هو يعلم في قرارة نفسه أن الزهايمر موت من نوع آخر.
كل فيلم قدمه -والقائمة طويلة- كان يعبر من خلاله عن هواجسه وهواجسنا، كم كان معلماً في تصدير معنى الوطن، وكم كان مؤثراً في ترك فكرة تنمو في عقولنا، هو شمعون السينمائي الذي احتضن مي مصري، التي كانت تلميذته لسنوات سينمائية عديدة، إلى أن ترك لها العنان لتنطلق وحدها وتقدم حكايتها ومشاعرها الخاصة وتترجمها إلى أفلام وثائقية، ومؤخراً قدمت فيلمها الروائي الأول «3000 ليلة».
شمعون من الأسماء التي سيظل حضورها طاغياً، بخاصة إذا كان الحديث عن الوطن بكل أبعاده، وهو الحديث الذي لا يموت أبداً.