”لسنا يتامى في شتات هذا العالم، مهما كثرت محاولات تهميشنا وتشتيتنا” هذا ما كنا نفكر به حين اجتمعنا، قبل عام، في بيروت مجموعة شباب فلسطينيين، لإطلاق مشروع “بوابة اللاجئين الفلسطينيين”، كان السؤال “ما العمل؟” انطلاقاً مما آلت إليه أوضاع المخيمات الفلسطينية بسورية، وإدراك ما يدور منذ سنوات “أوسلو” الأولى من محاولات محو جوهر القضية الفلسطينية، “قضية اللاجئين والعودة”، وعزل اللاجئين عن مساحة التأثير والفعل في الشأن السياسي الفلسطيني.
يوميات المشهد السوري وانعكاسه على واقع المخيمات من تهجير ونزوح وقتل، كشفت كم كان المخيم واللاجئ يتيمين، عندها أدركنا “كم كنا وحدنا” في ظل غياب أي دور رسمي فلسطيني باتخاذ موقف أخلاقي/سياسي مما يتعرض له اللاجئون، ناهيك عن غياب دور القوى الفلسطينية المنقسمة في حماية الوجود الفلسطيني سواء على مسرح الآلام السوري، أو في مواجهة خيارات البؤس السياسي الفلسطيني وتنازلاته الدائمة.
ومن خلال ما يدور في المخيمات، وما تعاني منه أساساً بوصفها بيئة اجتماعية هشة، ينمو أمل في التغيير والثورة على التهميش المتعمّد بحق أبنائها، ومن هنا حدد موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين منذ انطلاقته قبل عام رؤيته وانحيازه، بمحاولة تسليط الضوء على أخبار اللاجئين والمخيمات، بعد أن صار هذا كله وراء ظهر “منظمة التحرير الفلسطينية” وخارج حساباتها منذ توقيع اتفاق ”أوسلو” لإقامة سلطة محدودة الصلاحيات في الضفة الغربية وقطاع غزة، الخطوة التي بُدِءَ من خلالها بالتخلي عما يزيد عن ستة ملايين لاجئ فلسطيني وتركهم لمصيرهم المجهول.
استهداف المخيم، بما يمثله وما يرمز إليه من شاهد على النكبة، لم يعد خافياً أنه يجري وفق مخططات تسعى لتفتيت هذا الوجود، بهدف تصفيته وإذابته في الوقت الذي تمر فيه المنطقة العربية بورشة من “الحروب بالوكالة” لتسوية الملفات الكبيرة ومنها القضية الفلسطينية ومسائلها العالقة كـ “المخيمات الفلسطينية” و”اللاجئين الفلسطينيين”.
كل ما سبق، كان يمر مرور الكرام في وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية دون حضور يرتقي إلى حجم الاستهداف، ومن هنا كان لازماً إيجاد وسيلة إعلامية تلقي الضوء وتتابع أخبار المخيمات الفلسطينية في سوريا أولاً، بعد أن دُمر أكثر من سبعة مخيمات بين دمار جزئي وكلي من أصل اثني عشر مخيماً، وقضى ما يزيد عن 3542 لاجئ، واعتقل أكثر من 2400 لاجئ موثق لدى “بوابة اللاجئين الفلسطينيين”، فيما هُجّر نحو 120 ألف لاجئ خارج سورية موزعين على دول أوروبا والأردن ولبنان ومصر وتركيا، ونزح 254 ألف لاجئ من مخيماتهم داخل المدن والقرى السورية بحسب إحصاءات وكالة “الأنروا”، من أصل 529 ألف لاجئ كانوا موجودين في سورية.
حال المخيمات الفلسطينية في سوريا تطلب أن ندق جدران الخزان الذي بدأ بالتمدد ليلتهم باقي المخيمات الفلسطينية، لاسيما في لبنان مع بروز محاولات شيطنتها وإضفاء صفة الإرهاب على بعضها بهدف محوها وبالتالي محو الذاكرة الجمعية للناس عن المكان تحت ذريعة محاربة “الإرهاب”.
عام كامل مر، سعينا من خلاله لأن يكون موقع “بوابة اللاجئين الفلسطينيين” مدخل اللاجئين وصوتهم، أينما حلوا وكانوا، انطلاقاً من متابعة أخبارهم ورصد ظروفهم، ومشكلاتهم، بدءاً من سوريا إلى لبنان فمخيمات الضفة المحتلة ورصد ظروفها وأخبارها تحت الاحتلال، وواقع المخيمات في قطاع غزة، والمخيمات في الأردن، مروراً باللاجئين الفلسطينيين حول العالم حيث توزع فريق عملنا، من محررين وصحفيين ومراسلين، أملاً في جمع أخبار هذا الشتات في منصة إعلامية واحدة، ومقاربة أوضاعه، والتركيز على دوره.
الصوت والصورة والكلمة المكتوبة شكلت هوية لمحتوى يمكن أن يتلمّسه جمهور البوابة، الموزع جغرافياً، والمتشابك والمتآلف في نوافذ وأبواب عدة، يغيب فيها السياسي المباشر، ويحضر الأمل، والألم، في حكايات الناس وأخبارهم عن خيام تحولت إلى جدران تغفو عليها صور الشهداء، وأحلام بالحياة.
بفريق عمل متواضع يتكون من شبان وشابات يمتلكون قوة الحلم والإرادة بدأنا نخطو أول خطواتنا، لم نكن الوسيلة الإعلامية الأمثل، لكننا استطعنا لفت النظر إلى قضايا طالما غيّبها التهميش في بيوت وزواريب المخيمات وأمام دوائر المؤسسة التي يُقال إنها الشاهد على عذابات اللاجئين في شوارع المدن العربية والعالمية حيث يتناثر الفلسطينيون في شتاتهم المر، استخدمنا الكلمة المكتوبة حيناً والصورة أحياناً أخرى وصوت الناس الصادق دائماً، وضعنا كل ما ترصده عيننا في منصة بأبواب ونوافذ مختلفة لرسم صورة بانوراميّة عن أوضاع هؤلاء اللاجئين، وقصصهم وتجاربهم، واليوم بعد أن أكملنا عاماً كاملاً، نسعى أن نكون في محاولتنا قد تلمسنا الضوء في نفق تتربص فيه تحديات ومخاطر تمس قضية اللاجئين، أقلها تشتيت أهل المخيم وتدميره.
كان عهدنا بأن نكون صوت اللاجئين، خارج أي اعتبارات سياسية، رافضين التمويل المشروط، عبر السعي الدائم لتكريس استقلاليتنا في خلق منبر هويته جامعة لكل اللاجئين، لحين إغلاق نوافذ النزوح والتشريد والشتات وطي صفحة الاحتلال، بتحقيق العدالة لفلسطين القادمة، وللاجئيها.