يذكر أن جويتيسولو رحل عن عالمنا في يونيو الماضي، واختار أن يدفن في مدينة العرائش المغربية بعد أن قضى أكثر من 20 عامًا في البلد العربي من طنجة إلى مراكش، وهو القرار الذي اتخذه في تسعينيات القرن الماضي بعد أن وجد نفسه منجذبًا للثقافة العربية الإسلامية، ما دفعه لقراءة التاريخ الإسباني والأندلسي دراسة نقدية أفاد منها المستعربون الإسبان، وتحول جويتيسولو من خلالها إلى “صوت عربي” في إسبانيا وأوروبا.
الكتاب يضم مقالات تتناول مفهوم السلطة وتسلطها بدءًا من الاتحاد السوفياتي ومرورًا بإسبانيا الفرانكوية وانتهاءً بالعالم العربي، في مقارنات ذكية لتشابه طرق الاستبداد واستخدامه لنفس الأدوات، وكأن التاريخ يعيد نفسه. تناول السلطة فرض أيضًا تناول الرقابة، سواء رقابة الكتب والصحف أو رقابة الأفراد أنفسهم، وهي فرضيات فرضيات طرحها الإسباني الشهير مدللًا عليها بنماذج متعدد.
لكن خوان جويتيسولو كروائي وناقد أدبي، يطرح في الكتاب أيضًا تصوراته الفنية للأدب، من خلال مقالات تناول فيها التكنوسرد من ناحية، وارتباط الأدب، خاصة الرواية، بالسلطة ودهاليز السياسة، وهو في ذلك يقدم تحليلًا لرواية «الزيني بركات» للكاتب المصري الراحل جمال الغيطاني، ليخرج منها إلى قبضات السلطة المتعسفة وفرضها للرقابة على الأفراد.
وكمهتم بالشأن العربي، أو كعربي كما كان يحب أن يقول، تابع جويتيسولو الثورات العربية منذ انتفاضتها الأولى في تونس، وزار ميدان التحرير بالقاهرة عقب شهور من نشوب ثورة 25 يناير، وفي الكتاب يقدم رؤيته لهذه الثورات ويتنبأ بمآلات لم نستطع تجنبها، وتحليلًا ليس كرجل أوروبي ينظر إلى الشرق، بل كرجل تشبع بالثقافة العربية حتى صار ابنًا متبنى لها.