تتناول هذه الدراسة ما تصفه بـ “التناقض” في الموقف لدى الحزب الشيوعي في إسرائيل إزاء التطورات التي عاشتها فلسطين خلال أعوام ما قبل النكبة ثم ما بعدها، وخصوصاً أن المسألة القومية بالنسبة إلى الحزب كانت متناقضة ومتوترة بسبب بنيته الأيديولوجية ومشكلة الأصلاني والاستعماري، والقومي والطبقي، والوطني والخارجي، وهي أمور تسببت، في فترات، بانقسامات واستقطابات وانشقاقات، على أساس قومي (يهودي وعربي).
وهذا التناقض، وفق الكاتبة، يظهر جلياً في مواقف مثقفي الحزب، فمثلاً، بينما يصف توفيق زيّاد (١) في إحدى قصائده الصهيونيين بالمعتدين الذي سيذوبون “مثلما الثلج يذوب”، يتغنى مئير فيلنر (٢) بمساهمة أعضاء الحزب في الحرب إلى جانب “جيش الدفاع الإسرائيلي”، وبمساهمته (الحزب) في الترويج في أوروبا الشرقية لإسرائيل، وفي جلب المهاجرين اليهود من أوروبا.
زيّاد:
وطني مهما نسوا
مر عليه
ألف فاتح
ثم ذابوا… مثلما الثلج يذوب
فيلنر:
“لقد ضحّى رفاقنا اليهود بحياتهم في صفوف “جيش الدفاع الإسرائيلي”، وسقط رفاق عرب وهم يقاتلون قتالاً سرّياً في عمق العدو. وقد جنّد حزبنا مساعدة مصيرية متنوعة من أوروبا الشرقية، خلال فترة الحصار على القدس، وخلال أيام غوش عتسيون وياد مردخاي، كما جنّدنا الهجرة اليهودية المقاتلة، وغيرها من المساعدات لجيش الدفاع الاسرائيلي.”
مقدمة
تظهر القراءة التاريخية السريعة لتطور علاقة الحزب الشيوعي (٣) في فلسطين بالمسألة القومية الفلسطينية -سواء قبل النكبة أو بعدها- أن تاريخ الحزب حافل بالتناقضات والتوترات، ما يعني أن علاقة الحزب بالمسألة القومية -خاصة في السنوات الأولى لإقامة الدولة اليهودية- لا يمكن أن يتم تصنيفها وفق مقولات تقييميه جاهزة؛ كالقول بوجود دور فاعل وعلاقة عضوية إيجابية بين الحزب والمسألة القوميّة، أو على العكس؛ القول بوجود علاقة سلبية اغترابية، إن لم نقل متنكرة ومناوئة للقضية القومية الفلسطينية واستحقاقاتها السياسية. فعلى سبيل المثال، كان الحزب في سنوات الخمسينيات والستينيات الدفيئة والحاضنة التي تم في ظلّها إنتاج وبلورة خطاب “المقاومة” الذي يمجّد الوطن ويحرض على الصمود والبقاء، وقد صاغ عبر مفرداته هوية قومية واضحة المعالم لـ”أنا” جمعي أصلاني في مقابل محتل صهيوني عابر، وكان مثقّفوه من الشعراء في طليعة من أعادوا إنتاج الهوية الفلسطينية بعد النكبة، وصاغوا مفرداتها ورموزها الأساسية المجدولة بلغة الأرض والصمود والنضال والمقاومة، مقابل بناء الآخر بوصفه محتلّاً ومستعمراً ومارقاً سيذوب -“مثلما الثلج يذوب” بتعبير توفيق زياد- كما عشرات الغزاة من قبله، وذلك ما تجلّى بوضوح في كتابات محمود درويش، وسميح القاسم، وسالم جبران، وغيرهم ممن أسماهم غسان كنفاني “شعراء المقاومة”. كانت أهمية دور المثقف الشاعر في الحزب الشيوعي تتمثّل في دوره الطليعي على مستوى وطني فلسطيني يتعدى دوره المحلي في الداخل، فقد تحوّل شعره إلى مركّب أساسي مشكّل للهوية الفلسطينية العامة، ولُحّنت قصائده وتحوّلت إلى جزء من أهازيج الثورة الفلسطينية التي تعبر عن “روح الشعب” ((Ethos الفلسطيني، ويتضامن معها اللاجئ والفدائي، مثلما يتضامن معها ابن الناصرة وغزة.
لكن دور الحزب لم يكن أحادي الوجهة، وحمل أيضاً أنماطاً وممارسات مخالفة، وأحياناً متناقضة مع دور المثقف الوطني الطليعي، فقد وقّع الحزب الشيوعي، ممثلاً بماير فلنر، على وثيقة الاستقلال التي ورد فيها أن الموقعين “هم ممثلو اليشوف اليهودي والحركة الصهيوينه”، وتمّ فيها أيضاً التأكيد على الأهداف الصهيونية المتمثلة بإقامة “الدولة اليهودية في أرض إسرائيل، وإعادة هذا الحق للحق التاريخي لليهود في فلسطين، وفتح الأبواب أمام الهجرة اليهودية وجمع الشتات) (٤). بعد ذلك، وافق الحزب على الهجرة اليهودية بين عامي 1948 و1950، واعتبرها حاجة وجودية للدولة، وطالب في عام 1949، وعلى لسان العديد من قياداته، بتجنيد العرب، ثم وافق على “قانون العودة” الإسرائيلي عام 1954 (للمزيد انظر جورج كرزم 1993، احمد سعدي 2010). لم يتعلق الأمر بموقف الشيوعيون اليهود فحسب، كما يمكن أن يشير البعض، إذ قبل ذلك، وتحديداً في تموز من عام 1948، عندما كانت المعارك في أوجها، عملت عصبة التحرر، التي كان جل أعضائها من العرب، على توزيع مناشير تدعو إلى انسحاب الجيوش العربية من فلسطين، وقد جاء في أحدها: “يا جنود مصر عودوا، والأقطار الشقيقة عودوا إلى أوطانكم ووجّهوا بنادقكم إلى صدور المستعمرين وأذنابهم“ (٥)، ولاحقاً وزّعت العصبة المناشير التي تدعو إلى مقاومة الوجود العسكري للجيوش العربية في الجليل، واعتبار هذه الجيوش أداة للرجعية العربية (سعدي 2010)، كما كانت العصبة في طليعة من سهّل التعاون بين ممثلي الحكم العسكري والعرب في المناطق التي احتلتها عصابات “الهاغاناة”، حتى تلك المعدّة للدولة العربية كما صيغت في خطة التقسيم ، كما سأبين لاحقاً.
إذن، كيف يمكن أن نفهم تلك المواقف المتناقضة للشيوعيون في فلسطين؟ هل يشير ذلك إلى ازدواجية مواقف الحزب فيما يتعلق بالمسألة القومية؟ أم أن هذه المواقف هي تعبير عن مراحل تطور مختلفة لموقف الحزب تبعاً لتغيرات تاريخية وسياسية؟ أم هي تناقضات ترتبط بالتوترات والتباينات الداخلية في الحزب وتركيبته؟ وإن كان الأمر كذلك، وهو ما يفترضه هذا البحث، فهل يمكن القول أصلاً بوجود موقف ثابت للحزب من المسألة القومية؟ أم أن الموجود هو مجموعة من المواقف المتغيرة تبعاً للسياقات التاريخية وصراعات القوة التي تحيطها من جهة؛ وبحقل الإنتاج الذي تتموقع فيه من جهة ثانية، وهو ما يعني وجود تمايز بين المواقف التي تشي بها الكتابات الأدبية وتلك التي تتشكل في الحقل السياسي الرسمي؟
للإجابة على تلك الأسئلة، ومن أجل توضيح علاقة الحزب بالمسأله القومية؛ فقد اخترت التركيز على فترة مميزة ومُشَكّله في تاريخ العمل الشيوعي في فلسطين، وهي الفترة الممتدة منذ الانشقاق الأول وإقامة عصبة التحرر عام 1943، وحتى الانشقاق الثاني ما بين “راكاح” و”ماكي” عام 1965، وقد اخترت هذه المرحلة كونها تشكّل مرحلة حاسمة في تطور الحزب؛ وحقبة تكثّفت فيها التوترات داخله فيما يتعلق بالتعامل مع المسألة القومية في فلسطين، كما أنها تتيح تقصّي أثر العوامل الخارجية على صيرورة الحزب وعلى مواقفه، لا سيما أنه عاش خلالها مرحلة الارتباط الحزبي مع ”الكومنترن” (٦)، كما عاش مرحلة التحرر منه، وعاش مرحلة النضال من أجل الدولة العلمانية الفلسطينية ورفض التقسيم، ومرحلة التنديد برفض التقسيم والتحريض لقبوله، كما عاش مرحلة ما قبل النكبة وما بعدها، وواكب خلال ذلك سنوات التناغم مع الدولة وسنوات الصراع والمواجهة معها، لمّا دعم، بدايةً، إقامة الدولة الإسرائيلية وتماهى معها، ثم سلّط سهام نقده ضدها.
تفترض هذه الورقة أن علاقة الحزب بالمسألة القومية متناقضة ومتوترة، وذلك مردّه إلى ارتباطها الوثيق بمجموعة من الصدوع والتوترات البنيوية المشكّلة للحزب، وأهمها التوتر بين الأصلاني والاستعماري، والتوتر بين القومي والطبقي، والتوتر بين الوطني والخارجي.
وتتجلى العلاقة المتوترة للحزب بالمسألة القومية، على نحو خاص، بوجود خطابات وممارسات متناقضة حيناً، ومتوترة أحياناً فيما يرتبط بالعلاقة بالمسألة القومية الفلسطينية، وبفكرة الدولة اليهودية، وبقرار التقسيم (181). كما تتجلى هذه التناقضات في خطاب الحزب السياسي فيما يتعلق بمسألة المواطنة في الدولة الإسرائيلية، في مقابل خطاب مثقفيه في موضوعات الأرض والوطن والمكان. وفي هذا السياق، يمكن أن نشير إلى خطابين أساسين متوترين، على الأقل، يعبّران عن الخطاب المتمايز للحزب مع المسألة القومية، تبعاً للسياق التاريخي والعوامل المتغيرة التي تشكل في ظلها: الأول سياسي/مدني/دولاني ساد في السنوات الأولى لإقامة الدولة، وتموقع في حقلها السياسي بوصفه جزءاً منها، إذ ارتكز على مفاهيم الطبقية والأممية والمواطنة والمساواة والعدالة الاقتصادية، وتميّز في بداياته بالتماهي مع الدولة وسياساتها، وجاء في الفترة التي ساد فيها الاعتقاد بأن إسرائيل من الممكن أن تكون جزءاً من “قوى التقدم” التي تقف في صف الاتحاد السوفيتي، وهو ما بدأ بالتغير مع وضوح الخيار الإسرائيلي بالانحياز إلى المعسكر “الإمبريالي”، بلغة الحزب الشيوعي، وهو التحول الذي سيشكل عمليًاً لحظة فارقة في تاريخ الحزب، وفي تحوّله من حالة التماهي إلى الاغتراب؛ ثم المعارضة الراديكالية للسياسية الإسرائيلية وخياراتها “الإمبريالية”. حالة الاغتراب تلك تحوّلت إلى حاضنة ملائمة لنمو خطاب ثقافي قومي يرتكز على مفاهيم الوطن والأرض والصمود والتحرر، ويتموقع من حيث ثيماته وطروحاته ليس فقط خارج حدود السياق الإسرائيلي؛ بل في مواجهته، وهو متناسق ومتمازج إلى حد بعيد مع الخطاب الثقافي الوطني الفلسطيني العام ومتكامل معه. من المهم التنوية هنا إلى أن ظهور الخطاب القومي لم يؤد إلى غياب الخطاب المدني، لكنه هيمن عليه إلى حد بعيد، حتى تحول إلى “الموروث” الأساسي للحزب في علاقته مع جمهوره العربي. كما تجدر الإشارة إلى أن التمييز هنا هو بين شكلين من الخطاب، وليس بين وكيلين له، وذلك بسبب التمازج الكبير بين المثقف والسياسي، ووجود تماهٍ كبير بين الاثنين، وهو ما يصح على إميل حبيبي، وتوفيق زيّاد، وإميل توما، وسالم جبران، ومحمود درويش، وسميح القاسم، حتى وإن طغى الثقافي في مراحل لاحقة على السياسي أو العكس .
١- المحددات البنيوية الداخلية
أ- تناقض الأصلاني والاستعماري
يشكّل التناقض بين الأصلاني والاستعماري إشكالية بنيوية مؤسسة للحزب الشيوعي الفلسطيني أولاً، والإسرائيلي لاحقاً، وقد تركت أثرها على سيرورته التاريخية، وعلاقته بالمسألة القومية. فعلى عكس باقي الأحزاب العربية التي تأسست في ظل الانتداب البريطاني، وكانت نتاجاً عضوياً للمجتمع الفلسطيني ودينامياته الاجتماعية الداخلية؛ أقيم الحزب الشيوعي على يد مجموعة من المهاجرين الجدد الذين قدموا إلى فلسطين ضمن موجات المهاجرين من اليهود الأوروبيين، ولم يلتحق في صفوفه الفلسطينيون إلا لاحقاً. أنتج هذا الوضع واقعاً إشكالياً ومتناقضاً، إذ إن المهاجرين اليهود، وبغض النظر عن مواقفهم الراديكالية، كانوا بمجرد هجرتهم إلى فلسطين يتحولون عمليّاً إلى شركاء في المشروع الاستعماري الصهيوني الذي وضع مسألة الهجرة إلى فلسطين على رأس أولوياته وممارسته، على اعتبار أن الاستعار يتميّز عن ممارسات القوة الأخرى، كالاحتلال والإمبريالية والغزو، بأن تحقيقه لا يتم إلا من خلال ممارسة الهجرة الاستيطانية التي تنفّذ عبر عملية انتقال مجموعات سكانية كبيرة إلى أماكن جديدة، وفرضها لسيادتها على المناطق هذه (1999 Patrick Wolfe, 2006,) والاستيطان فيها بهدف البقاء الدائم وليس العابر، (Wolfe 2006, 1999, Varacini 2010 , Sayigh 2012 1965) ما يعني أن فعل الهجرة الاستيطانية هو الأساس المميّز والناظم للمشروع الاستعماري، والذي لا ينتفي أو يتغير بفعل الممارسة السياسية المتمايزة لفئة المستوطنين.
تاريخيّاً، تأسس الحزب الشيوعي في فلسطين عام 1919 على يد مجموعة من الأعضاء اليهود الذين انفصلوا عن حزب العمل الاشتراكي اليهودي (الذي كان مرتبطاً، بدوره، بالاتحاد العمالي اليهودي “بوعالي تسيون”)، ولم يرغبوا في الانضمام إلى “أحدوت هعافودا – الذي تشكل بدورة عن تحالف بوعالي تسيون بقيادة بن غوريون وشخصيات غير حزبية اشتراكية بقيادة برل كتسنلسون”. كان الحزب، بتشكيلته الأولى، يدور عمليّاً في فلك الصهيونية الاشتراكية، وشُكّل بدايةً بوصفه “حزب عمال اشتراكي عبري”، واشترك في لجنة تأسيس “الهستدروت” تحت اسم “حزب عمال صهيون اليساريين”. وكما يشير الباحث موسى البديري (2012: 70)، فقد كان الحزب في بداياته: “يسعى إلى أن يوفّق بين التمسك بالصهيونية وعضوية الكومنترن، بينما أراد الكومنترن أن يتحول الحزب إلى منظمة محلية تمثّل سكان البلاد الأصليين”. انسلخ الحزب رسميّاً عن الصهيونية في 1923، بعد أن تم اشتراط انضمامه إلى الشيوعية العالمية (الكومنترن) بتبنّي سياسة التعريب، وتغيير اسمه وقطع علاقته بالصهيونية الاشتراكية (الشريف 1980، ص 88-97 وص 153-159). وفي التاسع من تموز 1923، أُعلن رسميّاً عن تشكيل “الحزب الشيوعي الفلسطيني”، وذلك بعد أن أعلنت قيادته موافقتها على شروط الانتساب إلى منظمة “الكومنترن” العالمية، قبل أن ينضمّ الحزب إليها فعلياً في عام 1924. لاحقاً تم تبنّي سياسة التعريب رسمياً في مؤتمر الحزب الشيوعي السابع، الذي عقد سنة 1930، وقد تطرق بولس فرح في مذكراته، التي جاءت في كتابه “من العثمانية إلى الدولة العبرية”، إلى سياسة التعريب التي جاءت، وفق ما ذكر، إثر “إلحاح الكومنترن بإفساح المجال أمام الرفاق العرب للقيام بدور أكثر أهمية من دورهم قبل التعريب”، وقد ورد في شهادته قوله: “مقررات المؤتمر (السابع) وصلتنا وشرحها لنا الرفاق اليهود، وجاء معهم رفيق عربي أمّي، وأظنه كان إشارة منهم إلى التعريب، يعرف اللغة الأيديشية أكثر من العربية، ويقلد اليهود بلباسهم وطريقة معيشتهم، وحتى في لثغة الغنج المحببة إلى النساء العبريات” (فرح 1985 ص71). تشي هذه الشهادة، من جهة، بالتوتر القومي الذي كان قائماً بين أعضاء الحزب، لكنها من جهة أخرى، تشي أيضاً بمحاولات الأعضاء اليهود تمرير تعريب شكلي للحزب (الحواري 2014). تبعاً لذلك، يمضي فرح بالحديث عن الحضور الطاغي لصدع الاستعمار/القومي في الحزب، وتأثيره على سيرورته بعد تبنّي التعريب، قائلاً : “كان من المفروض على الحزب الشيوعي الفلسطيني، عندما تبنّى سياسة التعريب، ألا يقوم بتسليم زمام القيادة إلى الرفاق العرب فحسب؛ بل أن ينتهج سياسة تلبي مطالب الحركة الوطنية، وبالتالي الاعتراف الضمني بأن الثقل الثوري المعادي الاستعمار هو في جانب الحركة الوطنية”. لكن هذه السياسة كانت تتعثر برفض أقسام من الرفاق اليهود قبول هذا النهج، ولذلك لم يتحقق لها النجاح الكامل. الكوادر اليهودية لم تكن مفهومة قبل أن تكون مقبولة من الشعب العربي، لا لأنها يهودية فسحب؛ بل لأنها كانت تنتمي قومياً وشعبياً إلى أعداء الشعب العربي؛ إلى الكولونيالية الصهيونية لأنها جزء منها… إذا كان الشيوعيون اليهود مخلصين في شيوعيتهم؛ فلماذا جاؤوا إلى البلاد؟” (فرح، 1985ص80).
لكن في الوقت الذي كانت فيه الأجواء هادئة نسبياً وغير متفجرة؛ كان الصدع القومي-استعماري قابلاً للإدارة في الحزب، ثم سرعان ما يتحول إلى عامل حاسم في تحديد خيارات الأعضاء قومياً في الأحداث المفصلية، وحين انفجار مواجهات على أساس قومي. برز ذلك بشكل واضح، مثلاً، في “انحياز” أعضاء الحزب اليهود الذين هيمنوا عليه إلى جانب “الييشوف” في أحداث 1929 “ثورة البراق” (جورج كرزم 1993: 7 سليمان بشير، 1977: 275). وفي هذا السياق، كتب برجر الذي أصبح سكرتير الحزب المؤقت بعد هذه الأحداث: “قبل نهاية ذلك اليوم الذي بدأت فيه حوادث 1929، تمكنّا من إصدار الأوامر إلى رفاقنا (بسبب وجود خطر المذابح، فإنه من واجب أعضاء الحزب الانضمام إلى الهاغاناه في الأحياء المعرضة للخطر)” كما يشير بعض الباحثين “قام أعضاء الحزب بحراسة الأحياء اليهودية في تلك الليلة. وفي ساعة متأخرة من الليل ذهب بعض الرفاق إلى يتسحاق بن تسفي الذي قاد عملية الدفاع وأخبروه أن أعضاء الحزب يريدون الاشتراك في الدفاع عن الأحياء اليهودية. كما وضعوا تحت تصرفه (مخزن سلاح) الحزب“ (جورج كرزم 1993: 7 سليمان بشير، 1977: 275) . أدى هذا الانحياز إلى اتهام الكومنترن للحزب بالتقاعس وقام على اثر ذلك بالتشديد على ضرورة تعريب قيادة الحزب وهو ما تم بالفعل. وفي مؤتمر الحزب السابع الذي عقد عام 1930، اتُخذ قرار بتعيين سكرتير عربي للحزب ونفذ الأمر عام 1934 بتعيين رضوان الحلو ليكون أول سكرتير عربي للحزب (جورج كرزم 1993: 7، سليمان بشير1977: 276 ).
بالتوازي مع خطوات التعريب، كان الحزب يقترب، أكثر فأكثر، من “النضال الوطني الفلسطيني”، وكان من أبرز الشواهد على ذلك دعمه لثورة 1936، التي اعتبرها نضالاً مشروعاً. وفي بيان أصدره في العاشر من حزيران 1936، أعلن أن “الاحتلال البريطاني–الصهيوني بات يتطلب مقاومة سريعة وفعّالة، وإلا فإن الشعب العربي، في حال استمرار سياسة النهب الصهيونية، سيفقد بلاده فلسطين إلى الأبد” (كرزم 1993، 8). لكن هذه المواقف لم تكن محلّ ترحيب من عدد من القيادات اليهودية في الحزب، حتى وصل الاستقطاب أوجه بين المستوطنين اليهود وبين الفلسطينيين في عام 1942، وأدى إلى انقسام الحزب عمودياً بين حزب يهودي، بقيادة حانوخ بسوسا، ويضم شموئيل ميكونس وماير فلنر وبين خروج الأعضاء العرب وتشكيل “عصبة التحرر”. عقد الشطر اليهودي مؤتمر الحزب الثامن في آب 1942، واعترف بالحزب رسمياً في 1944، وحصل في العام ذاته على رخصة إصدار جريدته الحزبية “كول هعام”، ولاحقاً غيّر الحزب اسمه إلى “الحزب الشيوعي الأرض ــــــــــ إسرائيلي.” تبنّى هذا الحزب تعابير “أرض إسرائيل” و”عرب أرض إسرائيل”، بدلاً من تعابير فلسطين وشعب فلسطين (كرزم 1993:9-10).
أظهر تمفصل مواقف الحزب قومياً وأفقياً عمق الصدع بين الاستعماري والأصلاني، واستحالة تغليب الطبقي في ظل وجود مشروع استعماري لجماعة قومية تتحول من مجرد هامش إلى قوة مركزية تهدد وجود فئة السكان الأصلانيين. إزاء ذلك، كان لا بدّ من أن يقابل وجود المشروع الاستيطاني بالرفض من أهل البلاد، وكان من إرهاصات ذلك أن يتمّ عملياً رفض “الشرعنة”، أيّاً كانت ديباجتها، لمثل هذه المشاريع الاستعمارية ورغم محاولات الحزب أن يأخذ طابعاً أقرب إلى أهل البلاد (تحت تسمية التعريب وبضغط الكومنترن)، وأن يتبنى خطاباً “تقدمياً وطبقياً عابراً للقوميات”؛ إلا أنه لم ينجح في ذلك، إذ رفض أعضاء الحزب اليهود مسار التعريب، فيما رفض العرب مسار “الصهينة”، وكان أن انتهى الأمر بأن تحول الحزب إلى تنظيم مشحون بالتوترات والصراعات القومية، وإلى مرآة لصراع محتدم بين مشروع استعماري وآخر وطني أصلاني يتجاذب كل طرف فيه الحزب إلى اتجاهه، حتى انشقاق الحزب عمودياً، ليصبح هنالك حزب شيوعي للمستعمر هو “الحزب الشيوعي الأرض ــــــــــ إسرائيلي”، وآخر لأبناء البلاد؛ هو “عصبة التحرر”. وبينما انتصر الحزب اليهودي للصهيونية، وانضمّ أعضاؤه إلى صفوف المقاتلين اليهود في 1948؛ انتصر أعضاء عصبة التحرر لأبناء شعبهم وقضيتهم، ليفشل الحزب عملياً في تحويل الهوية الطبقية إلى هوية جامعة وبديله للهوية القومية.
ب- الهوية القومية مقابل الهوية الطبقية
يتميز المنظور الماركسي، الذي يشكل رافد الحزب الشيوعي الأيديولوجي، برؤيته القائمة على أن المحرك الطبقي هو أساس الصراعات، وأن النزعة القومية هي نزعة ثانوية حيناً، أو برجوازية حيناً آخر. هذا المنظور يتناقض، عملياً، مع المنظور القومي الذي يفترض بأن الهوية القومية تشكل المبدأ المؤسس للمطالبة بحق تقرير المصير للجماعة.
مع قطع العلاقة مع الصهيونية بعد 1923، وتبنّي سياسة التعريب، سعى أعضاء الحزب اليهود لاستقطاب العرب إلى صفوفهم، فقد تمّ عام 1924، وبالتعاون مع إيليا زكا (٨) إصدار “مجلة حيفا”، التي سبق أن صدر منها عدد واحد عام 1921، لتكون عملياً أول مجلة عربية يسارية تصدر في فلسطين وتشكل منبراً للحزب ولأفكاره الشيوعية، (ماهر الشريف، 2004 ص397. محمد سليمان 2011، ص27)
تلاحق بعد ذلك إصدار العديد من المجلات والنشرات التي طبعت ووزعت بسرّية شديدة، وعبّرت عن رؤية الحزب الشيوعية، وكان أهمها، بحسب الباحث ماهر الشريف (2004:397)، “مجلة حيفا”، وصحيفة “المنبّه”، ومجلة “إلى الأمام”، وصحيفة “الجبهة الشعبية”، بالإضافة إلى عدد آخر من الدوريات التي كانت تصدرها منظمات الحزب الرديفة، مثل “اتحاد الشباب” الشيوعي، أو منظماته المساعدة مثل “جمعية المساعدة الحمراء”، و”الكتلة العمالية” المعروفة بـ “الفركتسيا“.
شكّلت تلك المنشورات منبراً مهمّاً لصياغة ونشر خطاب جديد يقوم على مفهمة الصراع في فلسطين على أساس الفروقات الطبقية وليس القومية، واعتبار الفروقات الأخيرة غطاءً للصراع الطبقي الأصلي. من هنا، اعتبر خطاب الشيوعيين أن النضال الصحيح ينبغي أن يكون في الدفاع عن المصالح المشتركة للعمال، والوقوف في وجه “الأفندية، والإنكليز، والصهيونيين، والبرجوازية الصهيونية، والرجعية المحلية” (الشريف،٢٠٠٤، ص ٣٩٧). وفي هذا السياق، عدّد الحزب، في الذكرى العاشرة لتأسيسة، أهم نجاحاته التي تضيء على أهدافه أيضا: “اليوم كلّ عامل وفلاح في فلسطين يعرف بأن الحزب الشيوعي الفلسطيني يريد تحرير البلاد من الاستعمار الإنكليزي، ويريد تحرير العمال من استغلالهم الشديد، ويريد أن يشتغل العمّال ثماني ساعات وتكون أجرتهم طيبة، ويريد أن يُحرّر الفلاحون من ثقل الأعشار والويركو والعربون وتقسيم أراضي الأغنياء بين الفلاحين.” (في ماهر الشريف ٢٠١١ ). (٩)
وضع الحزب الشيوعي الفلاح الفلسطيني والعمال العرب واليهود في خانة “فوق قومية” واحدة في مواجهة القوى الاستعمارية والبرجوازية، وشدّد على وحدة المصير للطبقات العاملة، بغض النظر عن الدين والإثنية، ولذلك لم يعرّف الحزب “الأجنبيَ” على أسس قومية؛ بل على أساس العلاقة مع المشروع التحرري. وفي هذا السياق، نُشرت في جريدة “المنبه”، في 30 آذار 1926، مقالة تحمل كثيراً من الأخطاء اللغوية -مما يشي بأن كاتبها ربّما ليس عربياً- تحت عنوان: “ونحن نقول دائماً من هو الأجنبي ومن هو المضر بالوطن”، وجاء في سياقه: “إن الأجنبي هو من حضر إلى هذه البلاد للاستعباد والظلم، والوطني هو الذي يحارب لأجل حرّية شعوب الفقيرة وتخليصهم من نير الاستعمار”،(ماهر الشريف 2011 ) (١٠) وهو ما يعني أن الموقف من “الأجنبي” يتحدد تبعًا للمواقف التي يتّخذها الأخير؛ وليس وفقًا لانتمائه الإثني. لكن تبني هذه المواقف من قبل حزب أقيم على يد مجموعة من المستوطنين-المهاجرين كان يحيل إلى خطاب إشكالي من وجهة نظر السكان الفلسطينيين، وهو ما اتّضح، مثلاً، في قضية تنظيم العرب، خلال تلك الفترة، في المنظمات العمّالية ذات الطابع الصهيوني، كـالهستدروت، وفي تردّد الحزب حيال اتخاذ مواقف واضحة من قضية الهجرة التي كانت تهدّد الوجود الفلسطيني -وهو ما حدث بالفعل- فضلاً عن وقوف الشيوعيون اليهود، في نهاية المطاف، إلى جانب اليهود الصهاينة في لحظة الحسم عشيّة حرب 1948.
ودعا الحزب، من خلال مجلة حيفا مثلاً، العمال العرب واليهود إلى التنظم في نقابات مشتركة، داعياً العمال العرب إلى الانضمام إلى النقابات التابعة للهستدروت، والنضال من داخلها مع العمال “الثوريين” اليهود ضد “أعدائهم الطبقيين” المشتركين. (ماهر الشريف 2011) وبالفعل فقد انضم العديد من العمال العرب، وبتشجيع من الحزب، إلى نقابة عمال سكة الحديد في حيفا، التي كانت تتبع للهستدروت. غير أن هذا الانضمام أثار موجة غضب واسعة في صفوف القيادات الفلسطينية الوطنية، فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ نشرت جريدة “فلسطين” مقالاً بعنوان “الروح الخبيثة”، حذّرت فيه العمال العرب من الاشتراك مع عمال اليهود في اعتصاباتهم(١١)، أو في أي عمل من أعمالهم، لأنهم بذلك يضرون بالقضية العربية ويطعنون القومية في الصميم، الأمر الذي يدفع أبناء بلدهم إلى نعتهم بـ”الخائنين” (ماهر الشريف، 2004). وقد أدّت موجه المعارضه تلك بالعمال العرب إلى الانسحاب لاحقاً من النقابة التابعة للهستدروت وإقامة نقابة خاصة بهم (الشريف 2004)
لكن في ظلّ تصاعد المشروع الصهيوني الاستعماري، وتنامي المقاومة الفلسطينية ضده وضدّ الانتداب سويّة؛ كان يتعمّق الصدع الداخلي في الحزب بين فئتي المهاجرين-المستوطنين اليهود، والفلسطينيين من أبناء البلاد، ويتزايد معه انجذاب التيار اليهودي في اتجاه الصهيونية، مقابل انجذاب التيار العربي في اتجاه الحركة الوطنية الفلسطينية. وصل هذا الصراع ذروته في أيار 1943، وتمّ على أثره انشقاق الأعضاء العرب، وعلى رأسهم إميل حبيبي، وبولص فرح، وإميل توما، وتوفيق طوبي، وإقامة “عصبة التحرر” في عام 1944، فيما استمرّ اليهود، بقيادة شموئيل ميكونس، وماير فلنر، واستر فيلنسكا، في العمل تحت اسم الحزب الشيوعي في فلسطين، بل وانخرطوا لاحقاً في صفوف المليشيات اليهودية الصهيونية في حربها ضد الفلسطينيين.
كان الانشقاق بمثابة لحظة حقيقة للشيوعيين العرب واليهود، فقد ظهر عمليّاً أنه، وفي لحظة الحسم، تراجع العامل الطبقي ولم يبق إلا البعد القومي. وبروح كارل شميدت، تم الفصل بين العدو والصديق على أساس عمودي، وتبعاً للهوية القومية فقط دون أي اعتبار للبعد الطبقي أو غيره. ورغم أن الانشقاق ارتبط موضعيّاً بالموقف من التجند للفرقة اليهودية التي أقيمت للمحاربة في إطار الجيش البريطاني ضد ألمانيا ودول المحور خلال الحرب العالمية الثانية، وكان من المبادرين إلى تشكيلها موشيه شاريت، إلا أن الانشقاق ما كان ليتحقق لولا توفّر عامل حاسم؛ وهو قرار الاتحاد السوفيتي في أيار 1943 بحلّ “الكومنترن” كبادرة حسن نية تجاه حلفائه في الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي حرّر عملياً الأحزاب الشيوعية، مؤقتاً، من هيمنة موسكو التنظيمية والفكرية.
ورغم أن الشيوعيين العرب رفعوا من خلال عصبة التحرر شعار محاربة الانتداب والصهيونية، والسعي نحو إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية تضمّ العرب واليهود؛ إلا أن العصبة اقتصرت على الأعضاء العرب. وكانت العصبة بمثابة حاضنة وطنية فلسطينية مميّزة يطغى عليها طابع يساري تقدمي إنساني، وتتبنى خطاباً مساواتيّاً، وقد انضم إليها ممثلو الفئات المتوسطة والمثقفون وممثلون عن النقابات العمالية والأندية (إبراهيم حجازين 2006)
تبنّى أعضاء العصبة مواقف مناهضة لمشاريع التقسيم (١٢)، والتي بدأت تُطرح بعد تقرير لجنة بيل عام 1937 لـ”حلّ الصراع” بين اليهود والفلسطينيين. وفي المذكّرة التي أرسلها مكتب سكرتارية العصبة سنة 1945 إلى رئيس الوزراء البريطاني، كليمنت أتلي، جاء أن: “التقسيم هو أخطر حلّ يجرّ البلاد إلى المصائب والاضطرابات الداخلية”. وتشرح المذكّرة أن حلّ الوضع يكون عبر إنشاء دولة واحدة ديمقراطية تساوي عمليّاً بين السكان على أساس مواطناتي، وليس على أساس أثني. وورد فيها أيضاً: “نحن لا نعتقد بضرورة أن ينشأ هناك تناقض بين الحقوق الديمقراطية للسكان اليهود في فلسطين وبين الأماني القومية للشعب العربي فيها؛ بل نحن لا نعتبر الحالة الراهنة حالة طبيعية. إن ما قاد إلى هذا الوضع هي السياسة الاعتدائية الاحتلالية للصهيونيين، وما تحمله من أخطار تهدد الشعب العربي، وهي السياسة الرجعية التي انتهجتها الإدارة المحلية.“
ويعكس هذا التوجّه، عمليّاً، تبنّي عصبة التحرر نموذج “القومية المدنية” التي تتعامل مع السكان اليهود والعرب في فلسطين بوصفهم شركاء ممكنين في “جماعة مواطناتية غير إثنية” تشكّل أساس الدولة الديمقراطية. ويتعارض نموذج القومية المدنية ذاك مع نموذج القومية الإثنية الحصرية للفلسطينيين العرب الذي تبنته القيادات التقليدية في حينها، بقيادة المفتي العام للقدس، الحاج أمين الحسيني. وفي ظل رفض “الحل الإثني”، عاد سكرتير العصبة، إميل توما، وأكد في تموز 1947، خلال مؤتمر صحافي عقده في القدس، رفض مشروع إقامة “الدولة اليهودية” في فلسطين بوصفه مشروعاً” لضرب حركة التحرر العربية في المنطقة.“
غير أن تقاطع مجموعة من العوامل الخارجية المستجدة أدى لاحقاً إلى تغيّر موقف أعضاء العصبة، وإلى قبول قرار التقسيم 181. وأظهر هذا التغير، عمليّاً، عمق العلاقة بين اتخاذ المواقف من قضايا قومية ومحلية بمتغيرات خارجية لها حساباتها الاستراتيجية الخاصة، وعلى رأسها، في هذه الحالة، الدخول في حقبة الحرب الباردة، واحتدام التنافس على النفوذ بين أمريكا والاتحاد السوفيتي. لقد أدت الحسابات الاستراتيجية التي خطّها الاتحاد السوفيتي إلى انقلاب جذري في موقف العصبة، وإلى التحول من المعارضة إلى الموافقة على التقسيم، وإلى لعب دور حاسم في دعم إقامة إسرائيل كما يعتقد على الأقل بن غوريون. الذي قال خلال مقابلة أجريت في العام 1970، في نطاق البرنامج التلفزيوني الحواري “موكيد”، ونشر ترجمتها مركز مدار، وجاء فيها أن دولة الاتحاد السوفييتي هي التي كانت أول من بادر في حينه إلى تقديم الاقتراح الى الأمم المتحدة بشأن وجوب قيام “دولة يهودية” في فلسطين الانتدابية، فقد أشار بن غوريون، في هذا الصدد، إلى أن “الدولة الوحيدة التي ساندتنا ووقفت إلى جانبنا في اللحظة الحاسمة الكبرى هي روسيا.“ (عياش،2016، ص 141).
يمكن القول، إذن، إن الاتحاد السوفيتي راهن على أن دولة يهودية في فلسطين، تتبنّى أغلب الحركات والأحزاب فيها توجّهاً اشتراكيّاً، من الممكن أن تكون حليفة له. ويمكن أن نستنتج هذا الرهان من رسالة التحذير التي بعث بها المبعوث السوفييتي في العراق أ. سلطانوف إلى رؤسائه، وأنذرهم فيها من عواقب موقفهم (والتي سأتطرق لها في البند اللاحق) (داوود تلحمي 2012). من المهم هنا التشديد على أن إعادة إلحاق الأحزاب الشيوعية عامة، والشيوعيين في فلسطين خاصة، بالمواقف السوفييتية، جاء في ظل إعادة تفعيل “الكومنترن” بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتجديد الارتباط التنظيمي والفكري بينه وبين الأحزاب الشيوعية في العالم، بما يشمل فلسطين.
كان هذا القسم الأول من الدراسة المنشورة في مجلة الدراسات الفلسطينية، عدد ١١٢، خريف ٢٠١٧.
لقراءة القسم الثاني.
الهوامش