«100 عام على وعد بلفور» لميسرة صلاح الدين… وعد استعماري

British soldiers at Jerusalem, 1917, Library of Congress

إيهاب محمود الحضري

صحفي مصري

لم يكن وعد بلفور هو الأول من نوعه، إذ اقترح ثيودور هيرتزل في العام 1902 إنشاء دولة لليهود في قبرص أو العريش وقدمه للحكومة البريطانية التي رفضت الاقتراح برئاسة آرثر بلفور، الذي وافق بعد عام واحد على مقترح آخر من جوزيف تشامبرلين لإقامة هذه الدولة شرق إفريقيا وتحديدًا في أوغندا، وتم عرض الاقتراح على المؤتمر اليهودي العالمي الذي استقبله بحماس، غير أنه عُطل ولم ينفذ في النهاية.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

03/11/2017

تصوير: اسماء الغول

إيهاب محمود الحضري

صحفي مصري

إيهاب محمود الحضري

في مجلة الهلال، وصحفي سابق بجريدة أخبار الأدب وكاتب بموقع المدن ومراسل لجريدة الحياة اللندنية

مرّت أمس ١٠٠ عام على الوعد الذي منحه آرثر بلفور، رئيس الوزراء البريطاني، للورد روتشيلد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، إذ مضى التاريخ باضطهاد لليهود لم يكن للفلسطينيين فيه ناقة ولا جمل، حتى جاء العصر الحديث لتقرر إنجلترا أو أوروبا على وجه الدقة، أن سبيل سيطرتها على المنطقة هو زرع دولة إسرائيل، حيث إن قيام دولة يهودية في فلسطين بحماية بريطانية أوروبية سيكون ضامنًا، في المستقبل، لعدم اتحاد مصر والشام في حِلفٍ عربي مُوَحّدٍ يسيطر على نهر النيل وشمال إفريقيا من ناحية، وقناة السويس وآسيا الصغرى من ناحية أخرى، كما حدث في فترة حكم محمد علي، وسَبّبَ قلقًا بالغًا للدول الاستعمارية الكبرى.

وفي كتابه الصادر منذ أيام عن دار ”بيت الياسمين“ بالقاهرة، يرصد الباحث والمترجم المصري ميسرة صلاح الدين تاريخ وعد بلفور الذي منحته بريطانيا لإسرائيل كإحدى النتائج للحرب العالمية الأولى التي غيرت معادلات القوى العالمية، وكان هذا الوعد هو الثالث بعد وعدين آخرين التزمت بهما الحكومة البريطانية.

وفي مقدمة الكتاب يوضح ميسرة صلاح الدين السبب وراء وضع اليهود داخل إطار حاكم، داخل دولة تجمعهم. يشرح: “لا يمكن لبشر أن يعيش إلى الأبد، ولكن الشعوب يمكنها ذلك، الشعوب يمكنها أن تنقل بذرتها ومخزونها الإنساني من جيل لجيل، ومن عقل لعقل، ومن قلب لقلب، ليكرر التاريخ نفسه، ويطوي صفحاته فاتحًا صفحات جديدة تختلف أو تتشابه في الفكرة والمضمون، لتروي قصة الإنسان المختبئ وراءها، والكامن في كل التفاصيل“.

لم يكن وعد بلفور هو الأول من نوعه، إذ اقترح ثيودور هيرتزل في العام 1902 إنشاء دولة لليهود في قبرص أو العريش وقدمه للحكومة البريطانية التي رفضت الاقتراح برئاسة آرثر بلفور، الذي وافق بعد عام واحد على مقترح آخر من جوزيف تشامبرلين لإقامة هذه الدولة شرق إفريقيا وتحديدًا في أوغندا، وتم عرض الاقتراح على المؤتمر اليهودي العالمي الذي استقبله بحماس، غير أنه عُطل ولم ينفذ في النهاية.

أرادت بريطانيا، خلال الحرب العالمية الأولى، أن تنقل الصراع خارج أراضيها وكانت ترى في السلطان العثماني خطرًا يهددها بسبب رغباته في توسيع خلافته وتوطيد أركان الدولة التي كانت قد شاخت وأوشكت على الانهيار، ووجدت بريطانيا في الشريف حسين بن علي حليفًا عربيًا قادرًا على تكوين جيش عربي قوي من شيوخ القبائل لمواجهة السلطان العثماني وعزله، وبعد مراسلات بينه وبين السير مكماهون المبعوث السامي البريطاني في مصر، بدأت في يوليو من العام 1915، وعدته بريطانيا بالاعتراف بدولة عربية مستقلة ولكن بعد اشتراكه إلى جانبها في الحرب ضد تركيا، وكان الجانب العربي باهتًا في الاتفاقية، لم يدرك أبعادها السياسية أو الاستراتيجية ولم يمتلك رؤية شاملة وقتها. يقول ميسرة: “كان الجانب العربي متسرعًا وغير واضح الهدف والخطة ولا يمتلك من الذكاء السياسي ولا المهارات التفاوضية ما يؤهله لعقد اتفاق بهذه الأهمية والخطورة بعد أن عانى لعقود طويلة من وطأة الحكم العثماني وتضور جوعًا وظلمًا، بينما كان الجنب البريطاني شديد الخبرة بالغ الدهاء، مشجعًا فيما يخص الثورة، ضبابيًا فيما يخص التزاماته ووعوده”. وهكذا وافق الشريف حسين وأعلن في يونيو/ حزيران للعام 1916 عن الثورة العربية الكبرى التي قادها ابنه الأمير فيصل ضد الدولة العثمانية، وفي 1917 استغل الجنرال اللنبي تقدم القوات الحجازية واستولى على فلسطين، ثم فكرت بريطانيا في الخطوة الثانية أو الوعد الثاني الذي اتفقت عليه مع غريمتها التاريخية فرنسا، حيث تم توقيع اتفاقية سايكس بيكو بمدينة بطرسبوغ الروسية على أن يتم تقسيم تركة الخلافة العثمانية عقب انتهاء الحرب بين الدول الثلاثة: بريطانيا وفرنسا وروسيا غير أن خروج الأخيرة في الحرب حرمتها من الحصول على نصيبها، وهكذا تم تقسيم الغنائم بين فرنسا وبريطانيا اللتان اتفقتا على وضع القدس تحت الإشراف الدولي، وهو ما كان تمهيدًا لإنشاء الدولة العبرية.

ولكن هل قوبل الوعد بالترحيب اليهودي في العالم؟ وهل امتلكت بريطانيا وقتذاك تصورًا واضحًا للموقف؟ يجيب صلاح الدين: “الحقيقة أن الأمور لم تكن بذلك التفاهم والوئام بين الإنجليز واليهود الذي يبدو للوهلة الأولى عند قراءة الخطاب، فلم يكن موقف السير آرثر بلفور ولا موقف الحكومة البريطانية تجاه اليهود والصهيونية موقفًا واضحًا تمامًا، بل كان موقفًا مُلتبسًا شديدَ التعقيدِ، تحكمه المصالح المتبادلة التي تضعه في إطار أنيق، لكنه ملتهب بشوائب من الشك والريبة والحذر المتبادل“.

في الوقت نفسه كان يتكون تيار متصاعد يسمى الصهيونية المسيحية أو “Anglo Zionist” بقيادة العالم اليهودي البارز حاييم وايزمان، الذي كان على علاقة قوية بالنبلاء الإنجليز، واستطاع أن يؤسس لحلم يهودي/ مسيحي مشترك ذي طابع ديني مستوحى من الكتاب المقدس ونقاط التشابه بين الديانتين المسحية واليهودية، ولم تكن هناك حالة واسعة من الترحيب بالقرار، إذ استقرت طائفة من اليهود على أن خروجهم من دولهم والذهاب إلى فلسطين ليطردوا العرب الراسخين هناك منذ زمن ليس بالأمر السهل ومن المتوقع أن يجر عليهم ويلات كبيرة، وها هو إسحاق بارموشيه اليهودي العراقي يقول في كتابه «الخروج من العراق»: “لقد تركنا العراق كيهود ودخلنا إسرائيل كعراقيين”. هذا هو مناط رعب اليهود وقتذاك؛ أن يفقدوا هويتهم ويضيعوا في التاريخ كما تعودوا وقرأوا في تاريخهم المغرم بالشتات، وعبارة بارموشيه تعبّر بقوة عن حالة من التشتت واضطراب الهوية لم تكن في الحسبان، وبخاصة أنها صادرة من يهودي عاش حياته في بلاد عربية كالعراق، والتي من المفترض أنها قريبة الشبه والعادات من فلسطين.

وعلى الرغم من كل هذه المعوقات والاعتراضات من قِبَلِ اليهود أنفسهم، ومن قبل أطراف من الحكومة البريطانية وأطراف أخرى متعاطفة مع الدولة العثمانية، فقد صدر وعد بلفور في النهاية متناغمًا مع اتفاقية “سايكس- بيكو” التي سبقته.

يحكي ميسرة: “تسارعت وتيرة الأحداث بشكل لافت، فزاد عدد المهاجرين اليهود ليصل إلى 35 ألف نسمة، وهو رقم كبير إذا علمنا أن عدد يهود إنجلترا كان لا يزيد على 300 ألف، وعدد اليهود المنتمين للفكر الصهيوني كان نحو 8 آلاف فرد، ثم استمرت أعداد المهاجرين في الارتفاع بشكل واضح لتصل بنهاية 1930 إلى 320 ألف نسمة، ما غير التركيبة السكانية للمجتمع الفلسطيني الذي كان يمثل فيه اليهود أقلية بنسبة %3 ثم ارتفعت تلك النسبة حتى أصبح اليهود %30 من عدد السكان”.

تلك الهجرات السريعة والمتتالية مثلت مشكلة اجتماعية لليهود أنفسهم لم تكن في الحسبان، فقد كان اليهود الأوروبيون يختلفون تمامًا عن يهود فلسطين الأوائل، وكان من الصعب التفاهم بينهم، فقد كان اليهود الذين سكنوا في فلسطين قبل الهجرات يتحدثون اللغة العربية ويعيشون في رعاية الدولة العثمانية، ويرضخون للأغلبية العربية في العادات والتقاليد، بل كانت طباعهم شرقية كطباع مسلمي ومسيحيي الشرق، وكانت نواياهم تجاه فلسطين ورؤيتهم لها تختلف بشكل جذري عن رؤية اليهودي الأوروبي، بينما كان اليهودي الأوروبي يحمل فكرًا وثقافة غربية وأرستقراطية جديدة، تغلفها أحلامٌ ببناء حياة جديدة، وتأسيس وطن مستقل.

يقول ميسرة: “كان اليهودي الأوروبي يرفض واقع فلسطين الحالي ويسعى لتغييره، وهو في ذلك متسلحٌ بالفكر الاستعماري الأوروبي الذي يرى أن احتلال الشعوب حق طبيعي لأوروبا؛ بسبب تفوقها العلمي والحضاري، ويضاف لهذا الحق الأوروبي الطبيعي حق آخر مكتسب، نتيجة إحساس اليهود بالظلم والاضطهاد والتشتت لسنوات طويلة يدفعهم للبحث عن الثأر والتعويض. وبدأ اليهود المهاجرون في تكوين مستعمرات زراعية تعرف بالكيبوتس، وهو نمط محدد من الاستيطان يهدف في البداية لعدم الاختلاط بالسكان المحليين قدر الإمكان، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في توفير المأكل والمشرب والعلاج، وكان اليهودي المهاجر يُفرض عليه بمجرد أن يصل إلى فلسطين أن يترك وظيفته الأصلية التي كان يعمل بها في أوروبا، وبخاصة لو كان من أصحاب الأعمال الكتابية، وكان يتم تأهيله حتى يتخذ حرفةً جديدة كالزراعة أو السباكة أو البناء، وغيرها من الحرف اليدوية الشاقة التي تناسب هذا المجتمع الناشئ“.

يخلُص ميسرة إلى حقيقة أكيدة في تصوره، وهي أن المستقبل لن يخدم أي الطرفين: فلسطين أو إسرائيل، وأن الحل لابد أن يكون إنسانيًا وليس ذنب فلسطين أن اليهود لم يعرفوا لهم دولة وتشتتوا في التاريخ: “الآن وبعد مرور قرن من الزمان على وعد بلفور، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على إعلان قيام دولة إسرائيل، بات واضحًا أن الطرق التقليدية القديمة لن تحسم ذلك الصراع، وأن القادم لن يكون في صالح العرب، ولن يكون في صالح إسرائيل، إلا بإدارة الموقف بطريقة مختلفة، تعلي من شأن الإنسان وتبعث الأمل في المنطقة، وأن تدرك إسرائيل أن حقوق الفلسطينيين التاريخية واقع حقيقي وليس ذنب الفلسطينيين أن العالم ظل لقرون طويلة يضطهد اليهود ليقوم اليهود بعد أن هيأت لهم الظروف التاريخية قيام دولتهم بممارسة الاضطهاد نفسه على الفلسطينيين وتصور أن الخرافات التاريخية في الاعتقاد يمكن أن تنجح إلي الأبد. لا بد من حلول إنسانية بعيدة عن التعصب مهما كان مصدره، الدين أو التراث الأدبي، حتى تنعم المنطقة بالأمن والسلام الذي لم تنعم به منذ فجر التاريخ”.
 

 

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع