يتكرر السّؤال من جديد عند كل مرة علينا أن نرصد المشهد الموسيقيّ الفلسطينيّ: ما هي الموسيقى التي تقع ضمن خانة الموسيقى الفلسطينيّة؟ كيف يمكن تعريف ذلك؟ هل لأن الموسيقى أو الأغنية أُنتجت في حدود فلسطين الحقيقيّة؟ أو تلك التي ينتمي أصحابها إلى الهويّة الفلسطينيّة؟ بالبلاد لا بجوازات السّفر طبعًا، وبالأخص فلسطينيّي الأراضي المحتلّة عام 1948 والشّتات. وماذا عن الفِرق التي تنتج موسيقى وأغانٍ جماعيّة وينتمي أحد أعضائها إلى الهويّة الفلسطينيّة؟
شخصيًا، لست من مناصري تعريف الأغنية أو الموسيقى وفقًا لهويّات جغرافيّة، لكن في السّياق الفلسطينيّ، بالفن والثقافة كما حقول أخرى، تبقى الخصوصيّة هي السياق التاريخيّ والسياسيّ المستمريْن، في ظلّ الاستعمار منذ عام 1948، حيث أن الأغنية والموسيقى، بكل ما يمكن أن يحمل المعنى من كليشيه -وليحمل ذلك- هي أداة من أدوات المقاومة التي اخترعها البشر عمومًا: الأغنية والموسيقى، وإن تحدثت الأغنية عن الشجرة بجانب البيت، أي لم تحتوِ كلامًا سياسيًا أو وطنيًا مباشرًا، هي شكل من أشكال الوجود، البقاء والمقاومة الفعّالة والمتطورة مع الزّمن.
من خلال هذه المادة، سأرصد أهم المحطّات في المشهد الموسيقيّ الفلسطينيّ، في فلسطين الجغرافية والشّتات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما أعرّفه بالموسيقى الفلسطينيّة نابع من معرفتي بالموسيقيّين/ات و/أو كيفما يعرّفون أنفسهم في محافل عديدة.
الألبومات الموسيقيّة
خلال العام 2017، كان الإنتاج الموسيقيّ على مستوى الألبومات الموسيقيّة قليلًا مقارنة بأعوام سابقة، امتدادًا للمعيقات المستمرة للإنتاج الموسيقيّ عالميًا، وكذلك فلسطينيًا. من الألبومات التي أُصدرت كان ألبوم “حبكة” لكاميليا جبران وسارة ومورسيا، ألبوم “زبد” لثنائي “سبيل”؛ أحمد الخطيب ويوسف حبيش، ألبوم “صدفة” لدينا الشّلة، ألبوم “موسيقى للحواجز” لكامل بدارنة، ألبوم “شامات” لربى شمشوم، وهو بمثابة ألبومها الموسيقيّ الأوّل، ألبوم “تغيير” (Change) لفرقة “جميلة والأبطال الآخرون”، وجميلة يوسف هي فلسطينيّة ألمانيّة مواليد برلين، ألبومين لمغني الراب “مقاطعة”، جاد عبّاس، وهما “لا لسان له” و“غبار”، ألبوم “عَ الطريق” لفرقة “غزل” وألبوم “الإخفاء” للفلسطيني تامر أبو غزالة، والمصرييْن مريم صالح وموريس لوقا.
وفي خانة موسيقى وأغاني الأطفال، أصدرت رنين حنّا ألبومها “قلبي غابة”، وهو مشروع غنائيّ مصوّر للأطفال، من كلمات رنين حنّا ومجد كيّال وألحان فرج سليمان، والذي ضمّ أيضًا رسومات للفنان التونسيّ رؤوف الكراي.
المهرجانات والأمسيات الموسيقيّة
من الأسماء الفلسطينيّة التي برزت خلال العام 2017، وامتدادًا لإنتاجه الموسيقيّ المكثّف، هو الموسيقيّ فرج سليمان. في شباط/ فبراير 2017، أصدر ألبومه الثانيّ “كان يا مدينة” بعد ألبومه الأوّل “تسجيل دخول” (2014). وفي آذار/ مارس 2017، قدّم فرج سليمان (بيانو) عرضه الموسيقيّ “حبّ بلا قصّة” في حيفا من تأليفه وتوزيعه، رافقه كلّ من الموسيقيّين الفرنسيّين: كاميل باسيري (ترومبيت)، وباتيست دي شيبونيه (درامز)، وإمانويل فورستر (غيتار باص)، وباستضافة الموسيقيّ حبيب شحادة حنّا (عود). بعدها، قدّم عرضه الموسيقيّ “صندوق ألعاب” في أيلول/ سبتمبر في حيفا، بمرافقة كلّ من الموسيقيّين الفرنسيين؛ جوليان آلور (ترامبيت)، جوليان جونزاليس (اكورديون)، فرانسوا لابيسونيه (باص)، وباتيست دي شيبوني (درامز)، حيث يجهز في هذه الأثناء لإطلاقه ألبومًا موسيقيًا بمثابة الثالث في مسيرته حتى الآن.
من المهرجانات الموسيقيّة الجديدة، والتي انطلقت خلال العام 2017 من مدينة حيفا، هو “مهرجاز”، المهرجان الفلسطينيّ الأوّل البديل لموسيقى الجاز، والذي أقيم ما بين آب/أغسطس وأيلول/ سبتمبر ونُظّم على يد مجموعة مستقلّة من الفلسطينيّين/ات المنخرطين/ات في حقول فنيّة وثقافيّة متنوعة، حيث أقيم في فضاءات مستقلّة أيضًا للمدينة، واستضاف فرق جاز وموسيقيّين من فلسطين والعالم.
وكما كلّ عام، أقيمت المهرجانات الموسيقيّة التي اعتاد عليها الجمهور الفلسطينيّ، منها “مهرجان فلسطين الدوليّ” بنسخته الثامنة والذي أقيم في تمّوز/ يوليو وينظّمه سنويًا “مركز الفنّ الشعبيّ” في رام الله، حيث يقام في مدن فلسطينيّة عديدة، وكان شعاره “الأرض” لهذا العام. بالإضافة إلى مهرجان “وين عَ رام الله” بنسخته التاسعة، والذي أقيم في آب/ أغسطس بتنظيم سنويّ من بلدية رام الله، وحمل هذا العام عنوان “محطّات”، المهرجان بطبيعته لا يقتصر على الموسيقى فقط، لكن للموسيقى مساحة خاصّة فيه، كما استخدام الفضاءات العامّة لتنظيم النشاطات المتعددة. أمّا المهرجان السنويّ الثالث هو “مهرجان القدس”، والذي أقيم في تموّز/ يوليو، وينظّم منذ العام 1996 من قبل “مركز يبوس الثقافيّ” في القدس.
أغاني وموسيقى عبر الإنترنت
منذ أن أصبح الإنترنت فضاءً للتواصل، ولنشر المحتوى والمضامين المتنوعة، صار للموسيقى والأغاني ونشرها حيزًا ضمن ذلك، فقد أصدر، ولا يزال يصدر، العديد من الموسيقيّين/ات والفرق الموسيقيّة، أغانيهم وموسيقاهم عبر قنوات الإنترنت المتنوعة، سواء من خلال منصات الصوت فقط، مثل “ساوند كلاود” أو منصات للصورة والصّوت، مثل “يوتيوب”، الكثير منهم أصدر إنتاجه الموسيقيّ من خلال “فيديو كليب” مصوّر لأغنية أو مقطوعة موسيقيّة.
من الأسماء التي برزت عبر فضاءات الإنترنت، كما حضورها في المهرجانات الفلسطينيّة والعربيّة، كان المغني عمر كمال من مدينة نابلس، والذي أُطلق عليه اسم فرانك سناترا الفلسطينيّ. بالإضافة إلى فرقة “الإنس والجام” وأغنيتها “تراللي” من كلمات سامر الصالحي وألحان إبراهيم نجم (عود). كما وقد أصدر مغني الراب الفلسطينيّ تامر النّفار، من فرقة الراب “دام”، أغنية “جوني ماشي”، ونشرها من خلال فيديو عبر قناة “يوتيوب”، حيث أشار في بداية الفيديو أنه تم تصويره على يد الجمهور.
فضاءات فلسطينيّة
سأخصص هذا المحور للحديث تحديدًا عن الفضاءات الفلسطينيّة في الأراضي المحتلّة عام 1948، لخصوصيتها السياسيّة. مؤخرًا، تحتوي مدينة حيفا على العديد من الفضاءات الثقافيّة والفنيّة المستقلّة، والتي هي بالأساس مقاهي وبارات يعتمد نشاطها على الحضور الثقافيّ والفنيّ الفلسطينيّ في الداخل، بالإضافة إلى مسرح “خشبة” الفلسطينيّ المستقلّ الذي أطلق خلال تشرين الأوّل/ أكتوبر 2017 موسمه الثالث محتضنًا عروضًا مسرحيّة وموسيقيّة وثقافيّة متنوعة.
من ضمن المقاهي والبارات والنوادي الليليّة التي يحضر المشهد الموسيقيّ الفلسطينيّة بتنوعه وصانعيه فيها بقوة هي؛ مقهى “فتّوش” والذي تأسّس في العام 1998 ليخلق ثورة في المشهد الثقافيّ في حيفا، فمنذ تأسيسه كان حاضنًا ثقافيًا لحقول عديدة، ومنها الموسيقى، مواصلًا ذلك بافتتاحه “متجر فتّوش” وبيع ألبومات موسيقيّة فلسطينيّة وعربيّة، كما وتوسيع فضائه وإحضار بيانو إلى المكان، حيث أن “فتوش” يتطوّر دومًا وفقًا لاحتياجات المدينة وأهلها ويساهم في إعادة شكلها الأوّل. من ضمن الفضاءات أيضًا، نادي “كباريت” الليليّ، حيث يعتمد بالأساس على حضور أنواع الموسيقى كلّها فيه، واستضافة موسيقيّين/ات وفرق من فلسطين وخارجها. بالإضافة إلى بار “سين” الموسيقيّ، والذي يعتمد بالأساس على كونه بارًا موسيقيًا وثقافيًا، من خلال إقامة الحفلات الموسيقيّة كما وتنظيم نشاطات ثقافيّة على الهامش.
2017، امتدادًا لما قبله
بلا شك أن حقل الموسيقى هو من أصعب الحقول الإنتاجيّة الفنيّة، سواء في فلسطين أو في العالم، لكن ينجح الموسيقيّون/ات دومًا بتخطي هذه الصعوبات ونشر مقولتهم الموسيقيّة، من كلمة ولحن، إلى العالم. ولا شك أيضًا، أن الإنترنت يساهم اليوم في سهولة هذا النشر، إن صح التعبير، كما أن العديد من الموسيقييّن/ات والفرق الموسيقيّة يعتمدون أوّلًا وأخيرًا على إنتاجها الذّاتيّ في ظلّ سيطرة الماكينات التجاريّة على الموسيقى.
بما يتعلّق بالمشهد الموسيقيّ الفلسطينيّ للعام 2017، فهو استمرار وامتداد للمحيط الموسيقيّ العربيّ كما للمشاهد الموسيقيّة الفلسطينيّة والعربيّة والعالميّة، أهم ما فيه هو تحديه المستمر لمعيقات الإنتاج، وبنفس الوقت، وفي ظلّ المنظومات السياسيّة العالميّة العديدة والاستعماريّة بما يتعلق بخصوصيّة ناسه في فلسطين والشّتات، وضمن التطوّر الطبيعيّ للهويّة المرتبطة بتاريخها والحيّة في حاضرها وسياقها العالميّ وفي ظلّ الانفتاح إلى العالم مع حضور الفضاء الافتراضيّ، ستبقى مقولته: ستواصل الأغنية سرد قصّصنا ونشرها، كما نشاء.