نماذج من الشعر الكردي الأنثوي: ملامسة الشعر من حوافه

NAHID HAGIGAT, Kurdish Women in Red, 2015 Hand painted etching from 1970s plate 18 × 20 in 45.7 × 50.8 cm

إبراهيم حسو

شاعر سوري

هنا في هذا العرض، بعض من نماذج لأصوات شعرية أنثوية لها حضور خجول  في الصحافة العربية وتكتب هذه الأصوات القصيدة النثرية وخاصة القصيدة اليومية الشفوية، وربما نشر نماذج من هذه الشريحة تكون فرصة أخرى للفت أنظار القارئ العربي على ثقافة مهدورة تعيش في التخوم المظلمة من الثقافات العالمية، تريد أن تبشّر هذا العالم، ولو من خلال الشعر، بوجود ثقافة وشعرية كردية تنهض من بين أنقاض الحروب الأهلية من جهة ومن حروب طارئة تلفها من الشمال إلى الجنوب:

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

23/01/2018

تصوير: اسماء الغول

إبراهيم حسو

شاعر سوري

إبراهيم حسو

لا يعرف القارئ العربي عن الشعر الكردي إلا ما يقع في يديه من ترجمات هزيلة منشورة في بعض الصحف العربية التي توزع في الخارج من الوطن العربي، لكنه عرف ومنذ  بداية تشكل الشعرية العربية في أواسط الأربعينات أسماء شعرية كبيرة زودت الشعرية العربية بنصوص وكتابات خالدة، كإبداعات أمير الشعراء أحمد شوقي وشيركو بيكس وسليم بركات كما أن هناك أسماء شعرية  شابة سورية تحاول اللحاق بتلك الأسماء وتتطلع إلى مستقبل شعري بعيون واثقة  كلقمان ديركي وحسين بن حمزة وطه خليل وإبراهيم اليوسف وهوشنك أوسي وحسين حبش ومروان علي وعبد الرحمن عفيف ومحمد عفيف حسيني. هؤلاء الذين يكتبون بالعربية والكردية معاً. ومصيبة الشعر الكردي أنه لم يتمكن من تقديم نفسه إلى بقية لغات العالم بما فيها العربية، وإن ترجمت نصوص هنا ونصوص هناك لكن دون أن تكون لهذه النصوص قيمة تاريخية أو شعرية ”خاصة“ يمكن وصفها بنماذج حقيقية ورائدة للشعر الكردي، وكل ذلك لظروف يمكن وصفها بالإقحامية كالظروف السياسية والثقافية الصعبة (كمشكلة اللغة والنشر والفضاء الثقافي المفتوح والحاضن الاجتماعي) ومع هذا ثمة أسماء شعرية ملفتة تظهر في العتمة وتحاول العثور على الطريق الصحيح، لكن بخوف وترقب من هذه الموجة الطارئة التي يسمونها ”الحداثة الجديدة“ دون أن تتمكن هذه الأسماء الوافدة من رفد المشهدية الشعرية بالجديد والجدير بالاحتفال به.

هنا في هذا العرض، بعض من نماذج لأصوات شعرية أنثوية لها حضور خجول  في الصحافة العربية وتكتب هذه الأصوات القصيدة النثرية وخاصة القصيدة اليومية الشفوية، وربما نشر نماذج من هذه الشريحة تكون فرصة أخرى للفت أنظار القارئ العربي على ثقافة مهدورة تعيش في التخوم المظلمة من الثقافات العالمية، تريد أن تبشّر هذا العالم، ولو من خلال الشعر، بوجود ثقافة وشعرية كردية تنهض من بين أنقاض الحروب الأهلية من جهة ومن حروب طارئة تلفها من الشمال إلى الجنوب:              

عن شعرية آخين ولات 
        
إلى وقت قريب كنت أجهل مسألة جد هامة تتعلق بكتابة قصيدة النثر، وربما متابعتي الدقيقة والمتواصلة لما ينشر هنا وهناك من نصوص نثرية سواء في الصحافة الورقية أو الإلكترونية، دلتني على جذع المسألة ألا وهي وجود ما يمكن تسميته بـ ”فوضى النمطية أو النسقية“، ولعل الشاعر النثري اليوم مهتم وبقدر عال بالنمطية والشكل الواحد للنسق الشعري، غافل أو متغافل بتعدد الأنساق والأنماط وبتشكيل الشكل الواحد  للبناء عليه  الاشتغال على موارده ”النصية“، فمعظم الذين يسترسلون في قصيدة النثر تعلموا من نمطية رياض صالح الحسين مع أن رياض لم يكن نمطياً إلا في ديوانه الأول ثم تحول ”بذكاء“ إلى التشكيل الشعري في مجموعتيه الأخيرتين. ولو أعاد القارئ الذكي قراءة رياض من جديد سيلحظ كم كان رياض يتعذب في إضافة تنوعات جديدة إلى نصه وكم كان يعاني أزمة الكلمة والمعنى وكيفية السيطرة على روح النص طيلة ارتباطه بقيمة ”الموضوع“، لكن كأن هذا الأمر سيان عند شاعر قصيدة النثر الحديث فهو شاعر سريع في كل شيء ابتداء من ”الكتابة الشعرية“ نفسها وانتهاء بالنشر الغزير. 

آخين ولات، امرأة شاعرية إلى درجة ليست معقولة وهي تستغل هذه الشاعرية في كتابة الشعر وتلك هي مصيبة الشعر: أن تتحول المشاعر ”العظيمة“ إلى نمط كتابي فيتحول المعنى إلى اللامعنى ويتغير الدال والمدلول في أدوار متناقضة ومتنافرة وتتفكك الأفكار لتصبح هذيانا مهدوراً. أهم ما يهدم النص الحديث هو الشاعرية التي تقوّض البناء الشعري نفسه وتنفيه في بعض الأحيان ، ولو كتب معظم الشعر الحديث بتلك المشاعر فلن يبقى للشعر سوى اسمه، وهذا ما يقودنا إلى الاسترخاء أمام نصوص عالية المشاعر ومنخفضة الشعر. 

آخين ولات تكتب الشعر بسرعة ولا تلتفت وراءها، تبني جملها الشعرية من كلمة وتخرب كذلك جملتها بكلمة. هي غير منصاعة لما تجري في داخلها من ”انكسارات“ بقدر ما هي منصاعة إلى ”مشاعرها“ ولا تكف عن مناداة روحها واشتعالاتها، سريعة في لملمة الأفكار هنا وهناك دون ترتيب ودون ملاحظة، كأنها تهم في بناء مخالف لكل شيء. تريد أن يكون لنصها أكثر من نافذة وأكثر من باب، ولو تمهلت قليلاً في صياغة أو بالأصح ترويض مشاعرها، لكتبت نصاً مغايراً وملفتاً بكل معنى الكلمة، واشتغلت على ”المخيلة“ المبدعة كإحدى منجزات ”العقل“ الشعري لقصيدة النثر.

آخين ولات في نصها ”تفاحةٌ فقط، سقطت من الشجرة، فأحدثت فيّ، كل هذا الضجيج“ تقصدت ”النمط“ الواحد والشكل الواحد والنسق الواحد  والمعنى الواحد والكلمة الواحدة، تقصدت أن نبقى نقرأ شعراً ”عاقلاً“ طالما أن الشعر لا يحتمل الأفكار الكبيرة والمواضيع ”العظيمة“ ولا أدري إن كانت آخين تدرك معنى أن يكون الشعر معقلنا وتهطل منه هذه المشاعر الجرارة: 

 ما جدوى كل هذا الحبر،
 أن يسيل طرياً،
 من ثقبٍ في الجدار؟

شعرية آخين ولات تنبع من كونها تكتب الشعر لتتمتع به وترّفه عن نفسها في أوقات تشعر أنها تهرب منها، تمل بسرعة من تكوين جملة فيها ”صورة شعرية“ فتلتجئ إلى المفردة لتنقذها من ركاكة محتملة بين الكلمة والكلمة، وهذا ينطبق على معظم الشاعرات الكرديات اللواتي يعشن في الخارج، وأظن أن متعة الشعر الذي تكتبه آخين يأتي من تنوعاتها وجمالية صورها وربما أنها في أكثر من نص كانت حريصة على ”البناء الصوري“. وهي غير الشاعرات الأخريات، تحرص على بناء الجملة التي تتألف أكثر من صورة، مثابرة في التحكم بها  وجعل نص مفتوحاً على الجمال:

أزِح عني كل هذا الليل.. 

في كل قراءاتي للشعر الكردي المكتوب بالعربية (النسائي بالتحديد)، أحتفظ بالبريق الذي يغلف بهذه القصائد، وآخين من الشاعرات اللواتي أحتفظ بنصوصهن ضمن حملة تطهير الشعر وتنقيته من كارثة النمطية ”المهيمنة“.

مع تجربة افين شكاكي

انطلاقة افين شكاكي الشعرية لم تبدأ على ما يبدو من كتابها الشعري الأول، فثمة الكثير من العمل الكتابي أنجزته افين في مشوارها الإبداعي، وثمة الكثير من قصائد كانت تلح في الظهور لولا موانع وشؤون حياتية كانت تحول دون أن تنشرها مستقلة على الصفحات البيضاء، وعلى رغم قلة اطلاعي على المنجز الشعري  الكردي النسوي تظل هناك بعض أسماء توجب حضورها وتهيّج بعض الزوابع في مربعات المشهد الشعري الكردي، ومن هذه الأسماء التي لا أبتعد عن قراءتها : خلات أحمد وأسيا خليل ودلشا يوسف وجانا سيدا وبعض أسماء تقترب من الشعر وتبتعد عنه كأوركيش إبراهيم ودارين عمر ونسرين تيلو.
 
وإذا كانت أفين شكاكي قد أخبرت منذ كتابها الأول «قوافل المطر» الذي أنا في صدده، بتكريس قصيدة النثر للإعراب عن كتابتها للشعر فإنها آثرت الأسلوب الخطر الذي لا خاتمة واضحة له، أسلوب قد يمنح سالكيه إلى المساءلة الفنية الدائمة والمساءلة النقدية الجزلة المهلكة، وقد تكون افين من اللواتي لم تحبب البساطة الشعرية في كتابتها، فتكتب كأنها تزّين حياتها بالكلمات مثلما تنظم غرفتها وحوائجها الخاصة، وكأنها على معاهدة سرية مع الصور الشعرية التي تتزاحم وتتكاتف بشكل تؤلب قراءة أخرى ثانية وثالثة لنصوصها وتحفل هذه الصور بحركات وإيماءات لا مناص لمشاهدتها، وهي تتضح هنا وتتشابك هناك.

مقاطع لأفين شكاكي:

في طريق عودتها
من عيد الحبّ

أفرغوا الرصاص في قلب

قصيدتي.

فتمزقت حروفها

نقاطها
وفواصلها
بدأت مدينتي ديرك

في تلك اللحظة كأنها تحتضر
في تلك اللحظة

كانت أسراب من الفراشات 
تحلق في الأفق

تحمل على أكتافها

نعش قصيدة.
سيعلن قلبي

هطول المطر

وتعلن أمسياتي 
نهاية الضجر. 

 مع تجربة جانا سيدا

تتجاوز الشاعر الكردية جانا سيدا لغتها اليومية الطويلة عبر تركيبات حكائية متينة تخفي دائماً معان مفاجئة وانزياحات تأخذ الصفات والنعوت والأفعال وتظهر معان مرادفة عبر الإشارات والضمائر التي تدل على فعل واحد، وهي تعمل على نصها كما يعمل نشّار الخشب في استئصال الشجرة من جذوعها، ليرمي بقية الإطراف والفروع التالفة، لا تجهد جانا في إبراز مفاتن قصيدتها، فتراها دائماً متوقدة في كل مقطع من مقاطعها، تجمّل مفرداتها الشعرية وتحفزّها على الاضطلاع بأكثر من وظيفتها التركيبية لتتسلم وظائف بديلة كأن تلعب على إطعام النص دلالات مغايرة للمفردة  نفسها أو تفسيرات أخرى للكلمة. 

استدلالي على نصوص جانا كان من خلال كتاباتها المتفرقة والمتناثرة المنشورة في الإنترنت ولا أعرف إن نشرت شيئاً من نصوصها ضمن كتاب شعري، و قياساً على ما نشرتها جانا تظل هي الجرس الأفرط  ثقافة والأكثر التحامًا مع ما تكتبه، وهي الشاعرة الكردية الناضجة شعرياً وفكرياً، التي تفتح الحياة على مصراعيها وتنهل منها مادتها الشعرية، وتقبض منها المواضيع الحميمية الأكثر ولوجاً واستدراكاً: 

ستأتي السنين بحنينكَ،

وأصابعك التي من غيم…

ستنبئ بالجفاف،

مثل زورقٍ ورقي،

سيأتي صوتك…

سيصلُ متأخراً!

”عندما نكتب، لا نضع أنوثتنا على رف من رفوف المكتبة…“ بهذه الجملة تخرم جانا سيدا ما هو الأليف والوديع والسمج من حياة الأنثى، هي لا تريد أن تكون الشاعرة ”الأنثى“ وحسب، وتكون هي المقام أو مثوى كتابة جريانية سيلانية لا ضفاف لها ولا مصب، تكتب وتشرع أنوثتها على الضفة المقابلة لقصيدتها، قد تبرز أنوثتها هنا وقد تضمرها هناك، في لعبة شعرية تتخللها الجمال والحياة بكل أوجها: 

سوف لن يرَ أحدٌ، أثرَ السنين على يديك

ولا قامتك التي انحنت يوماً لها.
..
سوف لن يرَ أحدٌ، الحبرَ المسطّر في عينيك

ولا حروف اسمها،

وآثار أسفارها في عروقكَ.

سوف لن يعرف أحدٌ أنها قد عبرتْ قلبك

وأنتَ

سوف لن تنسَ.

مرحى لهذا الصوت الهادئ والسحيق والمخفي والطويل كصوت الشجرة عندما تمرّغها زوبعة ما.. معتوهة …….
1
ذهبتْ،

ظلتْ عيناك متمددتين فوق الوسادة،

أصابعك تهدهد بعضها بين شعري

وقلبك، كان ينبض في يدي.

2

صباحاً، كانت عيناك تبكيان على صدري،

وقلبك حجرٌ في يدي،

حجرٌ صامتُ،

لا يفيق.
3
بعد بستانٍ من الأرق،

استيقظتْ وردةٌ في يدكَ.

4

متعبةٌ مثل يديك

كم أنت رحيمُ في قتلي!!
لون جثةٍ في كفيكَ.

5

ما من زهرةٍ، إلاّ وقطفتها من قامتي.

صحراءٌ أنا اليوم.

وكذا لم تُبقِ لحظةً في عينيّ 

نارين عمر

الشاعرة الكردية نارين عمر في كل كتابة لها سواء تلك المنشورة في الإنترنت أو في الصحافة الورقية، تجهز على أهم عنصر من عناصر البناء في تشكيل النص الشعري وهو التوارد التخيلي وكل ذلك من أجل أن تبسّط  في طرح أفكارها ومشاغلها النفسية. نارين لا تعرف كيف تبدأ وتنتهي بالشعر لهذا فتراها تترك الشعر يسيل دون ضوابط  فنية معرفية، ودون أن تسيطر على الشلالات الجارفة لعواطفها ”الشعرية“ التي تجرف العادي والمتداول والبسيط والهذر والجاهز إلى وديان المجانية والتلقائية المبسّطة التي لا قعر لها. كتابة نارين مغلفة بالمشاهد الإنسانية التي تفيض بأحاسيسها في شكلها القشوري ومغطى بفكر وفلسفة في شكلها الجواني وتلك مقتل إبداعها الشعري : 

..
تسللتُ إلى

مذكراتِ روحكَ

لأجدك…

لحناً أبديا يعزفُ
على أوتارِ روحي بعدما

تسللتْ إليه

همساتُ موسيقى قصيدتي

مشكلة نارين عمر أنها تنقل مشاعرها بأمانة ونجاة لا محدودين، حريصة أن تكتب أفكارها وأساها وأفراحها بصدق لا مثيل له، تخاف من القارئ أن يتهمها بالكاذبة والمخادعة، تخاف من ذاتها أن تسيطر على نصها فتغدو أسيرة نوازعها وهوسها وحرية متناثرة هنا وهناك في الطابق العلوي من مخيلتها، تخاف من أن تصيبها لوثة الشاعرة الثائرة والفوضوية وتكون في خبر كان من خضمها وذاتها: 


في وديان  شعوري

أبكي أشلائي المبعثرةِ

في ترهاتِ الغيب 
قابلتكَ…

سطعَ نجمُ قصيدتي

تناقلتها

مشاعر الشعراء 
شرقاً وغرباً.

المفرح لدى نارين إنها تستعمل مفرداتها وتديرها وفق منظومة لغوية متجددة بحيث تنقل هذه المفردات من حيز إلى حيز لتكون جاهزة ومحفّزة لاستعمالات أخرى جديدة و منشّطة، وهكذا تظهر اللغة بفخامتها وصنوها وتألقها:
 
 أبـكي
تتجمّعُ كلّ حبّاتِ النّدى
في مآقي الشــــــــــجرْ
تعلنُ تضامنها
تسكبُ قطراتٍ تفيضُ نهراً أو نبعاً
ترسمُ الأفئدةُ حلقاتها في شغافِ الألباب
كلها تحسّ بي حتى المنحوتة من حجرْ
المآقي…تعلنُ حدادها
النّفوسُ تصارعُ شغب الضّجر …..

أوركيش إبراهيم
  
تشبه كتابة أوركيش إبراهيم بذلك الطير الذي يبني أعشاشه في أعلى غصن من الشجرة، هذه الكتابة التي تتعرض دائماً للرياح الشمالية الباردة وغبار السنوات العجاف الذي يلفي بحياتنا الإبداعية، كتابة مهيأة  للنسيان السريع ومشنّعة  للتلف الدائم لأنها مقامة على أرض لدنة وجدران من القش أو البلاستيك لا فرق، وخواء يغلقه الكلام العادي والمفردة العادية والصور السريعة الراكضة المرتجعة والتكوين المرتجل الذي لا أس له ولا تربة متينة. 

كتابة أوركيش للشعر هي رد الاعتبار للاستئثار بالمجانية والتلقائية والاستسهالية، وهي مقبرة حقيقية لكل ما هو فاتن في حياتنا الشعرية.

وظللت في مرآتي

وميضا ونبضاً

وزهر الرمان في يديك يتكور

ونبضت بك سماء وأرضاً
حتى غفيا على شريط ذكريات الصور.

وعشقتك ألفاً وقبلتك ألفاً

وناجيتك بكل زهر الرمان

أن تعود لتحيي ياقوت أزهار الرمان. 

إلى جانب هذه الاستسهالية في كتابة نص شعري يتفوق حبٌ ما لكتابة الشعر قابل للعيش والحياة، وصنع ما هو بديع في حياتنا السريعة اللامبالية، ولعل أوركيش رغم تعاملها ”الحانق“ مع نصوصها وعدم مراجعتها أو حتى تنقيحها ”الفائضة“ بالأخطاء اللغوية، تظل هي الشاعرة الكردية الأوفر موهبة والوحيدة التي تنّوع في مواضيعها الشعرية ولديها أفكار وزوايا شعرية مخبوءة، لا تعرف كيف تبديها وبأية منظومة لغوية مناسبة، وهي الأكثر انبساطاً على إدراج معان جديدة ذات مضامين حسّية إنسانية تفوق أحياناً حواسنا التخيلية: 

وردة ذابلة 
من طعن خنجر الزمن الراحل

من خداع الأحبة 
من كذب الأصوليين

من جرح الزمن المبكي

من رياح الأشواق الرافضة

من أحاسيسي الماطرة

من أيامي الحزينة الفياضة

في قلب حبيبي الذي يحتضن كل هذا الويل

الطافي في صفحات أجلي
أيا زهر الرمان

الذي تدلى فوق الجبين

أياقوت أم عقيق يرصع التاج

أم أنه مرآة سعير العين.


ولو أدركت أوركيش إبراهيم أدواتها وحسنت من تعاملها مع اللغة، فإنها تستطيع أن تبني عمارة شعرية شاهقة، وهي قادرة فعلا أن تكون الأكثر تميزاً بين قريناتها في الشعر الكردي إلا أنها تقاسي سوء التجاوب في طرح تلك المواضيع المخبوءة وتتردد في أن تكون هي المبادرة لطرق ذلك الباب الذي حتماً لا يحتاج إلى كلمة السر أو ”افتح يا الشعر“. أبواب الشعر مفتوحة دائماً وعلى كل التجارب الجديدة. 
   
آسيا خليل
  
أعتبر الشاعرة الكردية آسيا خليل الوحيدة التي تستمتع بكتابتها للشعر، هناك ابتهاج عام بين جملها ومفرداتها وبين الفواصل والزوايا اللغوية، تقرأها فتحس بسعادتها تنضح هنا وهناك، تتسرب بين صدوع الكلمات وتصب في الصور الشعرية التي تتدفق بتثاقل ولامبالاة، ثمة حرية مخبوءة ومجبولة بالغبطة تمتلكها آسيا خليل دون أن تعرف، حرية بين أن تكون شاعرة طافحة بالاطمئنان وشاعرة تغرق في أناها وأنينها المتعاليين، لدى آسيا ما هو أكبر من الشعر وأكبر من حبها لكتابة الشعر، أقصد الإحساس بالحرية في قول الشعر والعيش فيه، الحرية في أن تزاول الشعر كما أنها تزاول رياضة المشي العادية اليومية: 

لاهبٌ صلصالُ سديمكَ

ولا جناحَ يَردّ عنكَ القيظَ

لا جناحَ عليك

لا ماء يكفي لتسردَ الأرضَ اليبابْ
لا غرابَ

يُصدِقُكَ البشرى

بعد طولِ النعيبِ
لا ظلّ لموتاكَ سواك

لا وردَ يكفي أضرحتكْ

ولا الغبارُ خفيفاً وَطِئ الرئاتِ التي انفلقتْ.

مديدٌ احتراقي
ولا جناحَ يردّ عنّي الضّيمَ
لا ظلّ لي سواك

إليّ…

لننفخْ على الغبارِ الراقدِ
لي وجهٌ في خيالِ الحجرِ
ليَ الأقراطُ سادرةً في البعدِ

والحليّ الذي طمرتْه الجدةُ

فتناهبتْه يدُ الخطيئةِ

لي سماءٌ أطلّ الرّبّ منها

وأودعني الوصايا
لي بين حنايا النهرينِ آيةٌ تتلى

لا الماءُ ردّ الطعنةَ عن خاصرتي
ولا الآلهةُ ردّتْ عليّ صكّ نشيدي.


تظل آسيا رغم انبهارها بكتابة سليم بركات الشعرية، من الأنماط الشعرية الكردية التي تصوغ الشعر وهي تتقلد قاموساً لغوياً ضخماً ومسلحة بثقافة شعرية مرتفعة تبديها في القصائد الطويلة التي تعول على التوضيح والتبيين في رسم كتابة الأشياء والعناصر الشعرية: 

مُفعمةً بالأسى أعيدُ اجتياحَ الأساطيرِ

لي ابتهالاتٌ جفّتْ على بابِ إنانا

وهوىً في أورْ
وخاتمٌ في يدِ السومريّ

لي في الأعالي زهرةٌ 

يصعدُ لها البابليّ أدراجَ الهيامْ

لي صولجانُ المادِ والكمنجاتُ التي

تتلوني كلّما افتتحَ الجلنارُ خابيةَ الحنينِ

لي رعشةُ التّيهِ في شفتيكَ

كلما شَهقَ كحلٌ في اللواحظِ

 نماذج من الشعر الكردي الأنثوي: 

عصفور ٌ ينقر قدمي
خلات أحمد

دعوتني للمدائح

ولمّا ا لسُكر عالقٌ بأهدابي

ولهفتي تخفق في بياض الفجر

كفاي الصغيرتان

تنقصان من حناء العيد

الأرجوحة تطير فارغة مني

وشجرة الرمان

ستحتفي بحباتها حتى التفتق
**********
صارخٌ هو الصمت

وعصفورٌ ينقر قدمي المستندة لحافة النافذة

وليس من نهب أنتشر فيه

ولا رهافةٍ أنهض منها

إذ يصل الفجر دائماً
خالياً منك ..

تعالَ
ديلان شوقي

نشقّ الدّكنة
ونبادل البعد بالقربِ
نذهب إلى صيد
حلم”مموزين”
لينكسر نوم ذلك الصّمت
تعالَ
كي لا تتساقط أزهارُ الرمّان
كي لا تتهاوى عروس الوردِ
تعالَ
قبل أنْ تزعل النّجوم
ونشيد السماء من حجر أحلامنا
**********
إنْ أتيتَ اللحظةَ
لجعلتُك شاهاً في قلعة” دمدم”
لدفعت عن نظراتك 
البواريد والحبائل
لصرنا غصني لبلاب أزرق وطريّ
مضفورين في بعضهما
قامتي نشوانة وسكرة
شفتاي داليةٍ عالية
شامخة
لو أنّك أتيتَ اللّحظة
لأصبحت موجةً من موجاتِ البحرِ
وأنت ريحه الوهمية .

أحدّثكَ عنها
جانا سيدا

ثانيةً عيناك تتلامعان
ولا يبترُ السّيف شاربَك
أحدّثكَ عنها
الأضواء كلّها في أحشائي
كمثل مصابيح بلدٍ متناعس
ضوءاً تلو ضوءٍ
تنطفئ .
**************
حينَ قبّلتَها
الرّيح كانت أجمل
وأنا صرتُ
خيمةً يتيمةً 
في العراء

في الليلة الأخيرة 
اخين ولات

في تلك الليالي الأخيرةِ
تئنّ جدّاً
تقهقه أكثر 
وتتجرّد من جميع الألوان
تنام قليلاً
ترى الجمّ من الأحلام
كلمات مبتلّة 
تجري من العيون
يبدو درب قافلة
والليل لا ينسلخ عن النّهار
لا أعرف كم من الورودِ
نبتتْ من دمي
وكم من النرجس ذبلت
فقط أعرف
أنّك لم تعد
وفراشات تمضي
من أملي حمراء.

جمر الفصول 
دلشا يوسف

صامتا 
يغلي قلبي في سكون 
مثل القهوة في الركوة 
أتكاثف أكثر فأكثر 
فوق جمر عشقك . 
في أي الفصول 
سوف تترجل من قطار مراميك 
و تكون ضيقا 
على عليائك.

في يدي أفق ماطرة
افين شكاكي 


لجرحي مداخل كثيرة …
تدخل إليها بشفافية دموعي
وتنتظرني على ضفاف جرح
يتوضأ من بوحي المتواصل 
لعينيك زمان أخر
حينما الغيوم تزرع في يدي أفقاً ماطرة
وترسم على جبهتي عشرة أقمار لا تغيب
هناك
على مشارف مدينتك
تتساقط أمطاري المبللة بحنين الحبق
نشوة أناشيدك
تقود قصائدي التي أسرجت على متنها حلمي
للولادة
ملايين من الشجر
تخضر على راحة حرف من قصائدي
لعينيك صوت الفلاسفة
حينما الفجر ينام على جفوني
وتستيقظ بين أصابع دمي
فراشات الحقول 
فراشة واحدة تكفي لأن تصنع ربيعاً
أمواجك تجرح سفوح كلماتي
فاترك لي رعشة القلم
كي تغمد ريحاً بخاصرتي
ويبوح ما تبقى منك

الكاتب: إبراهيم حسو

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع