صدمة وتساؤلات، وفي بعض الأحيان تخبط فيما إذا كان الفيلم قد وضع الحقيقة كما هي دون زيادة أو نقصان. وإن كان المُشاهد على علم بتفاصيل العملية، سيعي تماماً أن ما تم ذكره هو الحقيقة، بل تم بث حكايات متعلقة بكل فرد من المشاركين في عملية الاختطاف. من السهل أن تنال عطف المشاهدين، ومن ناحية أخرى تشعر ببعض الاستهزاء من تلك القوة الإسرائيلية التي ترسل طائراتها وجيشاً كاملاً لمواجهة أربعة أشخاص فقط، بينهم المانيان تم التأكيد أنهما لا ينتميان للنازية، وهي أول إشارة في الفيلم الذي يجعلك تشعر أن ثمة شيئاً مختلفا سيتم روايته، لأن هذا التأكيد هو رسالة إلى المشاهدين أن الألمان في هذه العملية لا يحملون الحقد النازي على اليهود، بل كل حكاياتهم أنهم كما يقولون يسعون للعدالة، لتبدأ أحداث الفيلم التي تعود تفاصيلها إلى عام 1976، وتجسيدها عملية اختطاف طائرة إيرفرانس من أثينا إلى مطار عنتيبي في أوغندا وعلى متنها 248 مسافراً من بينهم 102 يهودياً.
مقالات عديدة أكدت أن الفيلم يُظهر القوة العسكرية الإسرائيلية، واهتمامها بكل من يتنفس اليهودية، بخاصة عندما وصل خبر خطف الطائرة إلى اسحق رابين، الذي بادر بسؤال مباشر “كم يهودياً على متن الطائرة؟” وهو السؤال الذي يؤكد على العنصرية، وعندما علم العدد قرر متابعة الأمر، بحضرة شمعون بيريز، المتوعد، على عكس رابين الذي أكد له في أحدى الحوارات بأنّ ”يوماً سيأتي نتفاوض معهم، شئنا أم أبينا“.
لكن واقع أحداث الفيلم لم تظهر تلك القوة، لأن التفوق يكون إذا ما كانت المواجهة بين طرفين قويين، أيّ قوة هذه التي يتبجح بها الإسرائيلي في إرساله قوة عسكرية من طائرات وجيبات وجيش لتواجه أربعة أشخاص فقط لا يحملون سوى أسلحة خفيفة؟
حسنا… الحكاية إذاً، هي خطف طائرة على متنها عدد كبير من اليهود لغاية التفاوض مع الحكومة المحتلة لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، عملية الخطف نفسها تنقل الأحداث إلى منحى مختلف، له علاقة بإبراز وجهات النظر، ولا مبالغة إذا أشرنا إلى أن وجهة النظر الفلسطينية كانت مثيرة للعواطف وهنا أقصد عواطف الغرب، الذين تفاجؤوا بمجموعة مما يطلق عليهم إرهابيين يتمتعون بشكل وسيم إضافة إلى إنسانية حاضرة في مشاهد كثيرة، خاصة عندما قرر أحد الخاطفين أن يطلق سراح الأطفال ويجعلهم يلهون في الهواء الطلق، حينها اقتربت منه الرفيقة الألمانية متعجبة ليجيبها “هؤلاء أطفال لا ذنب لهم ومن حقهم أن يلعبوا” على الرغم من أن هذا الشخص تحديداً فقد عائلته وبينهم أطفالا في قصف جوي إسرائيلي…
ستتركز المشاهد في مكانين… مطار عنتيبي والقاعة الرئيسية فيه، المتواجد فيها عناصر ”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين“، وهم أربع أشخاص، إضافة إلى جميع من كان على متن الطائرة، والمكان الثاني هو المركز الرسمي لرئاسة الوزراء “الاسرائيلية” في تل أبيب والتي تضم عدداً كبيراً، على رأسهم اسحق رابين وشمعون بيريز.
تدور الأحداث بين المكانين، وهي عملياً بين عالمين، ورغبتين، تختلف كل واحدة عن الأخرى. في عنتيبي، تبدأ عملية فصل اليهود عن حملة الجنسيات الأخرى في خطوة لإطلاق سراحهم والاحتفاظ باليهود فقط سواء حملة الجنسية الإسرائيلية أو غيرها لغاية التفاوض، ووضعهم في غرفة مظلمة، وهنا يوجد مقاربة ليست مباشرة بين معاملة الخاطفين لليهود من خلال عزلهم وبما قامت بها النازية من قبل، لكن بعد ذلك تسقط هذه المقاربة في عديد من المشاهد والحوارات.
الغضب الموجود في عيون الخاطفين سواء الفلسطينيين أو الألمان له أسبابه، يتلخص في حوار بين الرفيق الألماني وبين الفلسطيني واسمه جابر الذي يقول له: ”الفرق بيني وبينك، أن لديك وطناً أصبح لك الحق أن تحبه أو تكرهه، أما أنا فأحبه بدون شروط ومستعد لأضحي بروحي من أجله. لديك مكان تعود إليه أما أنا فلا.“ وفي حوارات أخرى، يؤكد: “فتحنا لهم بيوتنا وغدرونا، أنتظر مجيئهم بفارغ الصبر كي أرى قدرتهم على وضع عيونهم بعيني.“ وأيضاً في مجابهة أخرى يؤكد فيها الرفيق الألماني أن إسرائيل ستفاوض ويقول له جابر: ”هؤلاء لا يعرفون إلا لغة القتل، التفاوض يدعونه أمام العالم.“
حتى في طريقة تعامل الخاطفين مع المحتجزين من اليهود، غاب عنها العنف، باستثناء مشهد واحد عندما اكتشفوا أن بين المسافرين جندياً إسرائيلياً، فاقتادوه وانهال الخاطفون الفلسطينيون عليه ضرباً. كل تلك المشاهد وغيرها، وضعت الفيلم في كفة مختلفة عن السائد، لدرجة أن مشاهدين غربيين مؤيّدين للصهيونية غادروا القاعة غاضبين.
في المقابل، وفي المشاهد الآتية من مركز رئاسة الوزراء “الإسرائيلية” الاستعداد إلى الاقتحام، في حضرة إيهام العالم بأن عملية التفاوض مع الخاطفين مستمرة، والحقيقة أنها غير موجودة أساساً، تحديداً وبيريز يخطط للاستعداد العسكري، تلك المشاهد كانت مرتبطة ببداية ونهاية تجسدت من خلال فرقة موسيقية تؤدي رقصاً تعبيرياً على أغنية Echad yi Yodea، من بين الراقصين حبيبة أحد الجنود المكلفين بعملية اقتحام مطار عنتيبي، هذه الراقصة وظيفتها في المشهد أن تستمر بالسقوط، سواء في بداية المشهد الذي استهل فيه الفيلم أو في نهايته التي كانت أيضاً معه.
سبعة أيام كانت كفيلة في هذا الفيلم تحديداً -الذي أخرجه البرازيلي خوسيه باديا، وأدى دور البطولة فيه دانيال برول وروزا موند بايك وبن شنتيزر- أن تظهر القوة العسكرية الإسرائيلية في مقابل قوة لها علاقة بخطف طائرة فقط لإسماع الصوت الفلسطيني وطلباته، أظهرت الخلافات بين وجهات النظر الإسرائيلية نفسها التي تمثلت بين رؤية رابين وبيريز، وأظهرت أيضاً الجانب الإنساني المتعلق بالفلسطيني الذي فقد أرضه وبيته، وأنه ليس أكثر من مطالب حق… نعم هذا ما أظهره الفيلم بكل بساطة، بشكل مباشر تارة وغير مباشر تارة أخرى، لكن المؤكد أن مشهد الإنقاذ الذي تتفاخر به “إسرائيل” والذي انتهى بمقتل المختطفين وثلاث رهائن إلى جانب جنود أوغنديين والضابط جوناثان شقيق رئيس الوزراء ”الإسرائيلي“ بنيامين نتنياهو، هو مشهد يؤكد على أن ”إسرائيل“ ليست سوى صاحبة قوة متمثلة بآلات عسكرية، تواجه أربعة أفراد بينهم فلسطينيان تهمتهم أنهم أصحاب حق، وهو السلاح الذي لن ولم تقدر عليه الصهيونية إلى اللحظة.