حوار من كتاب « فلاديمير نابوكوف… آراء مُحكمة» (ترجمة)

أحمد أبو الخير

كاتب ومترجم مصرى

من الجلسة السابعة أو الثامنة مع كوبريك أثناء العمل على كتابة السيناريو، تولد لدي انطباع بأنّه فنان، ووفقًا لهذا الانطباع، بنيت عليه آمالي لأري فيلم «لوليتا» فيلماً منطقياً معقولاً في الثالث عشر من يونيو في نيويورك.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

17/03/2018

تصوير: اسماء الغول

أحمد أبو الخير

كاتب ومترجم مصرى

أحمد أبو الخير

نشرت له بعض ترجماته في جريدة أخبار الأدب المصرية، وقصص ومراجعات كتب في مواقع الإلكترونية.

صباح الخامس من يونيو عام 1962، استدعتني الملكة إليزابيث أنا وزوجتي من شيربورج إلى نيويورك لحضور العرض الأول لفيلم «لوليتا». يوم وصولنا أجرى معي ثلاثة أو أربعة صحفيين مقابلات في فندق سانت ريجيس. داخل المفكرة التي أصطحبها معي في جيبي جمّعت فيها على عجل أسماءهم. تمت كِتابة الأسئلة والإجابات من خلال مُلاحظاتي بعد المقابلة مُباشرة.


بصفة خاصة لا يجدك المحاورون شخصية تحفز على الحوار، فلماذا؟

أفتخر بنفسي فأنا شخص ليس لديه قبول لدى العامة. حيث أنني لم أسكر أبدا طيلة حياتي. لا أستخدم أبدًا كلمات الطُلاب المكونة من أربعة أحرف. لم أعمل قط في مكتب أو منجم للفحمِ. لم أنضم أبدًا لأي ناد أو مجموعة. لم يقع تأثير عليّ من قِبل عقيدة أو مذهب أيا كان. لا شيء يُزعجني أكثر من الروايات السياسية والأدب المتشتمل على النوايا الاجتماعية.

ومع ذلك، لا بد أن هناك أشياء تؤثر فيك سواء كانت أشياء تحبها أو تكرهها.


الأمور التي أشمئز منها بسيطة: الغباء، الاضطهاد، الجريمة، الوحشية، الموسيقى الناعمة. الأشياء التي أُحبها هى أكثر ما هواها الإنسان عبر الزمن: الكِتابة واصطياد الفراشات.


تكتب كُل شيء بيدك، أليس كذلك؟


بلي. لا يُمكنني الكِتابة على الآلة الكاتبة.

هل توافق أن تعرض علينا عِينة من مسوداتك المضطربة تلك؟

أخشى أنني لا بد أن أرفض. فقط التفهاء الطموحون وذووا الموهبة المتوسطة يعرضون مسوداتهم غير المكتملة. فالأمر أشبه ما يكون بأن تحوم حول عينات من بُصاق أحدهم.


هل تقرأ العديد من الروايات الحديثة؟ لماذا تضحك؟


أضحك؛ لأنّ الناشِرين ذوي النوايا الحسنة يستمرون في إرسال رسائل من نوعية ” نأمل أن يُعجبك هذا بقدر ما أثار إعجابنا كثيرًا” وما يرسلوه هو نوع واحد من الأدب: روايات محشوة بالبذاءة، كلمات سطحية، مصادفات مريبة. ويبدو على هذه الروايات أنّها  كلها مكتوبة من خلال شخص واحد ونفس الكاتب الذي لا يمكن أن يكون، على الأقل، ظلا لظلي.  

ما رأيك فيما يُسمى بـ “الراوية المضادة” (التي ظهرت) في فرنسا؟


لست مُهتمًا بالمجموعات، الحركات، والمدراس الكِتابية وما إلى ذلك. أنا مهتم فقط بالفنان الفرد. فكرة “الرواية المضادة” ليست حقًا موجودة؛ ولكن يوجد كاتب فرنسي عظيم، روبي جريليت؛ الذي يتم تقليد أعماله بشكل غريب عبر مجموعة من الكُتاب الذين مُنتهاهم الخربشة والمشهورين تجارياً طبقاً لتصنيف مزيف.

ألاحظ أن حديثك متقطع ومليء بالـ امممم و الـ إررر. هل هذه علامة الاقتراب من الشيخوخة؟


على الإطلاق. أنا مُتحدث بائس. مفرداتي تسكن في دهاليز عميقة داخل عقلي وتحتاج إلى ورق لتتملص داخل المنطقة المادية. تبدو البلاغة العفوية بالنسبة لي معجزة. في كثير من الأحيان أعدت كِتابة كُل كلمة قبل نشرها. حيث عمل قلمي الرصاص على الصمود في مواجهة المحايّات.

ماذا عن الظهور على الشاشة؟


حسنًا (دائمًا تبدأ بقول “حسنًا” أمام الشاشة)، بعد الظهور منذ سنتين على الشاشة في لندن، اتهمت من قبل ناقد ساذج بأننى أرتبك وأتجنب الكاميرا. وبالطبع، كُنت قد تدربت على المقابلة بكُل حرص. كتبت بعناية فائقة كُل إجاباتي (ومعظم الأسئلة)، وهذا لأنني مُتحدث بائس، كانت ملاحظاتى (فقدتها في إحدى المرات) مكتوبة على بطاقات فهرسة وقد رُتبت أمامي، في وضع ترقب، بواسطة دعامات بسيطة؛ وبالتالي لا يمكن أن أحدق في الكاميرا أو النظر شزرًا إلى السائل.


ومع ذلك، فأنت ألقيت مُحاضرات كثيرة وعلى نِطاق واسع 


في عام 1940، قبل الشروع في مسيرتي الأكاديمية داخل الولايات المُتحدة، لحسن الحظ حملت عبء كِتابة مائة محاضرة مكونة من حوالي ألفي صفحة عن الأدب الروسي، وبعد ذلك مئة محاضرة عن روائيين عِظام بداية من جين أوستن حتى جميس جويس. وهذا ما أبقاني سعيدًا في وليزلي وكورنيل لمدة العشرين سنة الأكاديمية. على الرغم من أنني (أثناء إلقاء المحاضرات) على منضدة القراءة، كُنت أختلس النظر وطورت وسيلة تسمح لعيني أن تتحرك بخفة لأعلى وأسفل، ولم يكن هناك أي شك داخل عقول الطُلاب اليقظين في أنني كُنت أقرأ لا أتحدث من تلقاء عقلي.


متى بدأت الكِتابة بالإنكليزية؟


كُنت ثنائي اللغة وأنا طفل رضيع (أتحدث الروسية والإنكليزية) وأضفت الفرنسية في سن الخامسة. في فترات الطفولة المُبكرة جميع المُلاحظات التي كَتبتها عن الفراشات، جمعتها ودونتها بالإنكليزية، مع الكثير من المصطلحات المُستعارة من أكثر المجلات المُبهجة، مجلة عالم الحشرات – The Entomologist. حيث نَشرت لي المجلة أول أوراقي عن “فراشات القرم“ عام 1920. في نفس العام ساهمت بقصيدة مكتوبة بالإنكليزية إلى مجلة ترينيتي – Trinity Magazine، في كامبريدج، حيث في هذه الأثناء كُنت لا أزال طالبًا هناك (1919 – 1922). بعد ذلك في كُل من برلين وباريس كتبت قصائدي الروسية، القصص، وثماني روايات. قُرأت هذه الأعمال عبر نسبة معقولة من الثلاثة ملايين من المُهاجرين الروس، وبالطبع كانت أعمالي محظورة نهائيًا ومُحرّمة في روسيا السوفيتية.


في منتصف الثلاثينات ترجمت للنشر بالإنكليزية اثنتين من رواياتي الروسية، اليأس Despair والحجرة المظلمة Camera Obscura (أُعيد تسميتها داخل أمريكا ضحك في الظلام)
الرواية الأولى التي كتبتها مُباشرة بالإنكليزية الحياة الحقيقية لسبستايان نايت The Real Life of Sebastian Knight، في باريس عام 1939. بعدما انتقلت إلى أمريكا عام 1940، ساهمت في كل من مجلة أطلانتك ونيويوركور بقصائد وقصص وهناك كتبت أربع روايات Bend Sinister (1947)، لوليتا  Lolita (1955)، بينين Pnin (1957)، و Pale Fire (1962). وأيضًا نشرت سيرتي الذاتية، حديث الذاكرة (1951)، والعديد من الأوراق العلمية عن علم تصنيف الفراشات.

هل تود الحديث عن لوليتا؟


حسنًا، لا. قُلت كُل ما أردته قوله عن الكِتاب في الخاتمة المَضافة لكُل من النسخ البريطانية والأمريكية.

هل وجدت صعوبة في كِتابة سيناريو فيلم «لوليتا»؟


الجزء الأصعب كان اتخاذ القرار للإضطلاع بهذه المهمة. في عام 1959 دُعيت إلى هوليود من قِبل كُل من جيمس هاريس وكوبريك، ولكن بعد عِدة مشاورات معهم قررت بأنني لا أريد القيام بذلك. بعدها بسنة، في لوغانو، تلقيت برقية منهم يحثوني فيها على إعادة النظر في قراري. وفي هذه الأثناء أخذ يتبلور بطريقة ما داخل المخيلة نوع من السيناريو، لذلك في الحقيقةِ كُنت سعيدًا بأنّهم كرروا عرضهم مرة أخرى. سافرت مُجددًا إلى هُوليوود وهناك، تحت نباتات الجاكاراندا، عملت لمدة ستة أشهر على هذا الشيء. فتحويل رواية أحدهم إلى نص سينمائي يُشبه إلى حد ما إعداد سلسلة من الرسومات لرسم أو إعادة رسم لوحات انقضى عليها عمر طويل وتم تأطيرها. قمت بتأليف مشاهد وحوارات جديدة في محاولة لضمان أن تكون «لوليتا» مقبولة بالنسبة لي. عرفت بأنني إن لم أعمل على كتابة السيناريو، فإن أحدهم سيعمل عليه، وعلمت بأنني أيضًا وفي أفضل الأحوال أن المُنتج النهائي في مثل هذه الحالات لن يكون مزيجاً منسجماً من التأويلات بل متضارب.


لم أر الفيلم بعد. ربما يتحول إلى أن يكون الفيلم مجرد صباح ضبابي جميل كما يُرى من خلال شبكة صيد البعوض، أو قد يتحول ليكون انحرافات لقيادة تصويرية كما يستشعرها الراكب الجالس بشكل أفقي داخل سيارة الإسعاف

من الجلسة السابعة أو الثامنة مع كوبريك أثناء العمل على كتابة السيناريو، تولد لدي انطباع بأنّه فنان، ووفقًا لهذا الانطباع، بنيت عليه آمالي لأري فيلم «لوليتا» فيلماً منطقياً معقولاً في الثالث عشر من يونيو في نيويورك.

ما الذي تعمل عليه الآن؟


أعمل على قراءة المسودات النهائية لترجمتي لرواية بوشكين إيفينجن أونيجين، رواية شعرية مُكونة من أبيات، مع تعقيب وتعليق طويل، سترى النور عبر مؤسسة بولنجين Bollingen، من خلال أربع مُجلدات ضخمة قيمة تضم أكثر من خمسمائة صفحة لكُل منهم.

هل يُمكنك وصف هذا العمل؟


أثناء سنوات تدريس الأدب في كورنيل وفي الأماكن الأخرى، كُنت أطلب من طلابي أن يستقوا الشغف من العلم والصبر من الشعر. وبالنسبة لي كفنان وباحث أفضّل التفاصيل المحددة على التعميمات، الصور على الأفكار، الحقائق الغامضة على الرموز الواضحة، واكتشاف الفاكهة البرية على المربى الإصطناعية المُعلبة.

وبناء على هذا، هل حافظت على الفاكهة البرية؟


بالطبع. فكُل من توجهاتي وكراهيتي لأشياء معينة صارت أغنى طوال فترة السنوات العشرة من العمل على إيفيجن أونيجين. عند العمل على ترجمة الـ 5500 سطر إلى الإنكليزية، اضطررت أن أقرر بين القافية والصواب (المُؤدي للمعني) واخترت الصواب. طموحي الوحيد كان تزويد الكِتاب بالترجمة الحرفية، وبالطبع الترجمة الأدبية الجادة لهذا الشيء، وكذلك إمدادها بملاحظات غزيرة ودقيقة والتي تجاوز مجموعها بكثير نص القصيدة. فقط إعادة صياغة عبارة “تقرأ جيدًا”؛ ترجمتي لم تُكن كذلك؛ كانت ترجمة أمينة، لاذعة، ثقيلة، ومُخلصة بشكل وضيع. لديّ ملاحظات عديدة على كُل مقطع شعري (حيث وصلت لأكثر من أربعمائة، آخذًا في الاعتبار عد التهجئة المُختلفة). يحتوى هذا التعليق على مناقشة للنغم الأصلي وإيضاح كامل للنص.

هل تُحب أن تُجرى معك حوارات؟


حسنًا، رفاهية أن يتحدث المرء عن موضوع واحد -عن نفسه- هو شعور لا أكرهه ولكن النتيجة أحيانًا مُحيرة. مؤخرًا جريدة كنديدي Candide الباريسية، جعلتني أتفوّه، في سياق أحمق، بكلام فارغ لم أقله ولكنني أيضًا غالبًا ما ألتقي بقدر معقول من التعامل النزيه. وهكذا طبعت Esquire كافة التنقيحات التي قمت بها على حساب إجراء المقابلة التي وجدتها مليئة بالأخطاء. من العسير رصد كُتاب القيل والقال، وهم عُرضة للإهمال الشديد. جعلني ليونارد ليونس أشرح لماذا أترك لزوجتي التعاملات التلفزيونية بعد ملاحظته السخيفة أن ” أي شخص يستطيع التعامل مع جزار يُمكنه التعامل مع المنتج”.
 

هوامش

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع