من سيكون المقصود بذلك غير ”دار راية للنشر“! ليس لأن لا دار غيرها في حيفا بل لأنّها الوحيدة التي يمكن أن تخطر على البال متى قيل ”المحتمية بإسرائيل“.
ليس هذا جديداً على الدّار في تجربتها معي على الأقل، فقد صدر لي كتاب عنها قبل ٣ سنوات وكانت عمليّة نصبٍ تامّة كتبتُ عنها آنذاك، وكان ”الاحتماء بإسرائيل“ مبرّر تلك العمليّة إذ لن أتمكّن (كلاجئ فلسطيني) من نيل حقوقي من الدار أو صاحبها بشير شلش. ولآخرين تجارب مماثلة معه كما عرفت إثر نشر المقالة.
ولأنّ السّطو على أملاك الغير ميزة إسرائيلية، بل قانون سمّوه ”أملاك الغائبين“ يأتي سطو هذه الدار في سياقه الطّبيعي إذ تحتمي بواقع أن هنالك احتلال لفلسطين، وهنالك ”عادة“ سطوٍ على أملاك اللاجئين منهم، وأنّ لـ ”راية“ حصّتها من هذا السّطو، تمارس ما يحلو لها باطمئنان، فلا طريقة لمحاسبتها إلا ضمن مؤسسات دولة الاحتلال قوانينها، وهذا ما لن يقبله لنفسه من يرى في مدينة كحيفا النقيضَ من هذه الدار وصاحبها المستفيد من حقيقة أن المدينة محتلّة.
في شهر تمّوز الفائت راسل بشير شلش الزميلَ أوس يعقوب لسؤاله عن مادة كان قد أعدّها بالتنسيق معي كمحرّر لهذه المجلّة، ونشرناها في ذكرى ميلاد غسان كنفاني على جزأين بتاريخ 2017/04/08. المادة هي يوميات كنفاني المنشورة خلال العقود الماضية في أكثر من مكان، اشتغل عليها أوس وحرّرتُها للنشر في رمّان.
بعد ذلك بأشهر، يُنشر خبر عن كتاب تصدره الدار يحوي يوميات كنفاني، فتواصلَ أوس مع شلش يسأله عن الموضوع، ليعرف أنه نشر اليوميّات ذاتها وأنّه، أي أوس، مذكور في إشارةٍ آخر الكتاب بصفته المصدر لهذه اليوميات التي جمّعها، وبصفته معدّ الملف. سأله أوس مراراً في المراسلات -وقد أطلعني عليها إثر إدراكه لما ارتُكب بحقّ المجلة- عن عدم ذكر اسم المجلّة كمصدر نقلت عنه الدّارُ اليوميات، ولم يكن شلش يردّ بغير تكرار أنّه ذكر اسم أوس (الذي أكّد له أنّ معدّ الملف لذكرى ميلاد كنفاني كان المحرر -أنا- وليس هو).
ما كان لشلش أن يسطو على محتوى مجلة رمان الثقافية ويعيد طباعته ونشره للتكسّب لو كان يعرف أنّ المجلّة -أنّ محرّرها مثلاً- يمكن أن يحاسبه وهو محتَمٍ بدولة الاحتلال. لكن المسألة مختلفة قليلاً هنا، إذ يمكن محاسبته، فالمجلّة تابعة لمؤسسة اسمها ”بوابة اللاجئين الفلسطينيين“ وهي مرخّصة في فرنسا وحقوق محتواها محفوظة، ما يعني أنّ المؤسسة تستطيع إجرائياً مقاضاة الدار. لكن حقيقة أنّ تعاملاً مع قوانين دولة الاحتلال (ذاتها التي تحتمي الدار بها) سيكون ضرورياً لذلك، تحتّم علينا إسقاط الاحتمال من أساسه، ما يجعلني أكتفي بهذه المقالة كوَسمٍ (آخر) لدار النّشر ”الحيفاويّة“.
المراسلات بين شلش وأوس موجودة كدليل على مضمون هذه المقالة، وكذلك نسخة PDF من الكتاب الذي سرقت الدار محتواه من مجلّتنا، بل نسخت ولصقت المحتوى -ببساطة- كما هو، ما الذي يجعل -مثلاً- هذا التاريخ (8/ 4/ 1965) يظهر بمسافتيْن كان يجب أن تُحذفا، في الكتاب، لو لم توجد كذلك -بخطأ تحريري منّي- في المجلّة؟ وقد تكرّر ذلك في مواقع عدّة من اليوميات.
لن نطلب اعتذاراً من الدار، ولن نطلب منها الكفّ عن الاحتماء بحقيقة أنّ هنالك احتلال في حيفا هي مستفيد أساسي منه، فلا هذه ولا تلك مُتوقّعة من صاحبها. وإن كان من أمر إيجابي هنا -لنبحث عنه في كل هذا الخراب- فهو الإخبار (مجدداً) بأنّ هنالك يوميات جديرة بالقراءة كتبها غسان، جمّعناها ونشرناها هنا بجزأين دون أي كسب مادي منها (بل دفعنا أجر إعدادها)، لتنسخها الدّار بأخطائها التحريرية وتطبعها فتتكسّب منها!
السّطو على ”أملاك الغائبين“ ثم المتاجرة بها، والاحتماء بدولة الاحتلال للإفلات، هذا كلّه في كفّة، وأن يكون ذلك باسم غسان كنفاني في كفّة.
اليوميات في المجلّة: الجزء الأول | الجزء الثاني