اختتم قلنديا الدولي في نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر فعاليات نسخته الرابعة في فلسطين وحول العالم، والتي ناقشت ثيمة “التضامن”، إذ امتدت الفعاليات من 3 إلى 30 تشرين الأول بافتتاح 10 معارض فنية وأكثر من 70 فعالية بتنظيم 9 مؤسسات ثقافية و27 شريك في الفعاليات المصاحبة، وأكثر من 100 فنان محلي ودولي.
شمل برنامج قلنديا الدولي افتتاح معارض فنية في القدس ورام الله وبيرزيت وحيفا ومجدل شمس وغزة والتي امتد بعضها حتى شهر تشرين الثاني/نوفمبر، إضافة إلى تنظيم سلسلة “لقاءات قلنديا” التي ناقشت ثيمة التضامن بالعلاقة مع فلسطين والمشهد الثقافي. كما نُظمت أكثر من ٧٠ فعالية تنوعت بين العروض الأدائية والندوات والحوارات والجولات الميدانية، وعروض الأفلام في فلسطين وخارجها. عن مفهوم التضامن وفعاليات النسخة الرابعة من قلنديا الدولي وصعوبات التنظيم كان لرمان الحوار التالي مع رنا عناني، منسقة المهرجان.
قلنديا الدولي في جوهره هو فعل تضامني ما بين المؤسسات الفلسطينية العاملة في الثقافة، فالتشارك وتجميع الموارد المالية والبشرية ما بين هذه المؤسسات، مكّنتها من تنظيم حدث له وقع وصدى على الصعيدين المحلي والدولي وبشكل خاص في ظل مصادر التمويل الشحيحة لفعاليات ثقافية من هذا النوع. هذا بحد ذاته هو استعادة لفعل ولروح التضامن الذي أثبت نجاعته خلال فترات معينة من التاريخ الفلسطيني، وتلاشى خلال الفترة الحالية على الصعيد الشعبي، رغم أننا في أمسّ الحاجة إليه. وبرأيي فقد جسّد قلنديا الدولي في الثيمة التي طرحها هذا العام، الفكرة الأساسية التي انبثق منها عام ٢٠١٢. وخلال السنوات الماضية نجح في أن يكون منبرًا على الصعيد المحلي والعالمي، يعطي مساحة للفن والفنانين، ويُعرّف العالم على الفن والفنانين في فلسطين.
ونلاحظ بشكل واضح هذا العام بأن قلنديا الدولي أصبح بوصلة تجذب كثير من الناس من حول العالم لحضور الفعاليات والتعرف على فلسطين من خلال الفن.
كثيرة هي تحديات العمل المشترك في سياق بلد محتل ومتقطع الأوصال. في هذه النسخة بالإضافة إلى كافة التحديات السياسية، فقد شكّلَ التمويل أبرز هذه التحديات. وللتوضيح، فإن كل مؤسسة تقوم بتنظيم برامجها وتؤمن تمويل هذه البرامج بنفسها، أما النشاطات المشتركة مثل التنسيق والتصميم والطباعة البرنامج.. الخ، فيتم تمويلها بشكل مشترك بالإضافة إلى الاعتماد على تمويل القطاع الخاص الفلسطيني.
في هذا العام لم يوفق قلنديا الدولي في الحصول على تمويل من القطاع الخاص الفلسطيني، وبالتالي تم تخفيض ميزانيات العمل المشترك بشكل كبير مما كان يعني الاعتماد بشكل كلي على تمويل المؤسسات للعمل المشترك وكان ذلك تحدياً كبيراً.
لا شك بأن الظروف السياسية التي تمر بها فلسطين في الوقت الراهن صعبة ومعقدة، كيف أثرت تلك الظروف على تنظيم الفعاليات، وهل حدثت مواجهات مع سلطات الاحتلال يمكن الحديث عنها؟
كمؤسسات ثقافية تعمل تحت الاحتلال، هناك مواجهات مع الاحتلال على أكثر من مستوى وهي جزء لا يتجزأ من إصرارنا على تواجدنا وعملنا من فلسطين. التحديات التي تتكرر في كل نسخة، تبدأ من رفض منح فيزا لبعض الفنانين والمشاركين، إلى تأخير وصول الأعمال في الموانئ، مرورًا بتكبيل حرية الحركة ما بين المدن الفلسطينية وقطاع غزة والقدس والداخل الفلسطيني المحتل.
وفي أثناء تخطيطنا لقلنديا الدولي كانت كل هذه الأمور حاضرة في أذهاننا، وتم بناء البرامج بناء عليها، من أجل العمل على تذليلها قدر المستطاع. فأصرينا مثلا على افتتاح قلنديا الدولي في القدس، رغم معرفتنا بأن كثير من الجمهور لن يستطيع الوصول لحضور حفل الافتتاح، كما سيّرنا رحلات من رام الله إلى الجولان المحتل وحيفا والقدس بهدف التغلب على تقطيع أوصال الجغرافيا الفلسطينية. ونحن سعداء بأن الفعاليات وخاصة افتتاح قلنديا في القدس حضره جمهور كبير على عكس التوقعات.
العمل التشاركي يجعل من الممكن أن يتم التنسيق مع عدد كبير من الفنانين. فكل مؤسسة تقوم بالتنسيق مع فنانيها والتواصل معهم. أما فيما يتعلق بالتنسيق ما بين المؤسسات المشاركة وعددها ٩ ومع منظمي الفعاليات المصاحبة وعددهم أكثر من ٢٠، فقد شكل لنا تحدياً كبيراً، خاصة عند وضع برنامج يتألف من أكثر من ٧٠ فعالية. ولكن لا بد من الإشارة إلى التعاون الكبير ما بين المؤسسات والتزامها في إنجاح قلنديا الدولي، ومحاولتها بشتى الطرائق التغلب على العوائق التي كانت تظهر خلال فترة التنظيم، وكذلك الأمر فيما يخص الفعاليات المصاحبة، وكان الهدف أمام الجميع الالتزام لإنجاح الحدث.
لا أعتقد أن المشاركة العربية كانت خجولة هذا العام، مقارنةً مع الفعاليات المشاركة من كافة أنحاء العالم. هناك مثلا عدد كبير من الفنانين العرب المشاركين في فعاليات البرنامج الأساسي وبرنامج الفعاليات المصاحبة. إذ شارك فنانون من لبنان وسوريا ومصر، بالإضافة إلى مشاركة فنانين من الجولان السوري المحتل وعددهم ١٦ من خلال معرض مشترك في رام الله.
أما فيما يتعلق بالفعاليات المصاحبة لقلنديا الدولي فكانت هنالك مشاركتان عربيتان، وهما مشاركة في قطر “مهرجان سينما فلسطين- الدوحة” وهو يحدث للمرة الأولى، وينظمه بعض النشطاء بشكل مستقل، بالإضافة إلى مشاركة “ستوديو اكس” من عمان بفعالية جرى تنظيمها في جامعة كولومبيا في نيويورك، التي ناقشت موضوع التضامن الفلسطيني-الأسود. ونحن نتطلع دوما لمشاركة أكبر على الصعيد العربي رغم كافة الأوضاع التي تمر بها المنطقة.
الانطباعات إيجابية بشكل كبير. الفعاليات المصاحبة لقلنديا الدولي جلبت الكثير من القوة للمهرجان ومكنته من الانتشار في أنحاء العالم. فقد وحدت قلنديا الدولي بثيمة التضامن الفن والفنانين في وجه العقبات على المستوى الثقافي، في وقت فشلت فيه السياسة من تحقيق ذلك.
كما رأينا حضوراً لافتاً على الصعيدين المحلي والدولي، وافتتاحات المعارض عجت بالناس والزوار رغم كثافة هذه الفعاليات خلال الأيام العشرة الأولى. قلنديا الدولي عملت كذلك على تقديم فنانين جدد على الساحة الثقافية الفلسطينية وهذا أمر غاية في الأهمية، واستقطاب شراكات مستقبلية جديدة كذلك.
مفهوم التضامن واسع وله جوانب متعددة وقلنديا الدولي فتحت الباب أمام هذا النقاش. تستطيع المؤسسات الثقافية طرح موضوع التضامن من خلال معارضها على شكل تساؤلات واستكشافات يقوم بها الفنانون، ولكن بالتأكيد الهدف ليس الإجابة عن الأسئلة بقدر ما هو طرح الأسئلة وإثارة النقاش.
الموضوع مهم في هذا الوقت بالتحديد، وهو بحاجة أن يصبح جزءًا لا يتجزأ من العمل الثقافي في فلسطين تحديدا، مثلما هو بحاجة أن يتخطى البعد الثقافي وأن يمس جوانب الحياة المختلفة في فلسطين ليصبح جزءًا من طريقة الحياة في فلسطين، خاصة في ظل ما نعيشه من محاولات الفصل والتفكيك وتراجع مستمر على المستوى السياسي.
قلنديا الدولي ليس مؤسسة وإنما هو شبكة من المؤسسات المتغيرة في كل نسخة، طبعا هناك مؤسسات منظمة أساسية لكل نسخة. ولكن بنية قلنديا الدولي بهذه الطريقة تسمح له بالتغير والتبدل في كل نسخة حسب الظروف التي تحيطه وحسب الثيمة المطروحة. قد يكون من المبكر الحديث عن الثيمة الجديدة لقلنديا الدولي حالياً، ولكن النقاشات جارية بخصوص بنية النسخة المقبلة والثيمة، وبالتأكيد سيكون لقلنديا الدولي بعد جديد.