يستعد المتحف الفلسطيني، وتزامنًا مع الذكرى الثالثة والأربعين ليوم الأرض، لإطلاق معرضه الفني القادم “اقتراب الآفاق: التحولات الفنية للمشهد الطبيعي”، في 2 نيسان، والذي يستمر حتى 31 كانون الأول 2019، لقيّمته الضيفة د. تينا شيرويل.
يستكشف معرض “اقتراب الآفاق” التمثيلات الفنية للمشاهد الطبيعية لدى الفنانين الفلسطينيين، والعلاقة التي تربطنا بالمكان والموقع الجغرافي. فطالما كان المشهد الطبيعي موضوعًا بارزًا في الفن الفلسطيني، إذ تشكل من طبقات بالغة العمق من التفاعلات بين النصوص والذكريات والتاريخ، ما جعله يحتل مكانة مركزية في هوية الفلسطينيين.
يبحث المعرض، عبر مجموعة من الأعمال الفنية، التاريخية منها والمعاصرة، كيف شقت التغيرات في المشهد الطبيعي طريقها في التمثلات الفنية منذ الثلاثينيات وحتى اليوم، وذلك من خلال أعمال 36 فنانًا فلسطينيًا من فلسطين والشتات، تتنوع بين اللوحات الفنية والصور الفوتوغرافية والمنحوتات وأفلام الفيديو والأعمال التركيبية. يثير المعرض أيضًا مجموعة من التساؤلات، محاولًا تقديم إجابات عنها: ما الذي يربطنا بالأماكن؟ ما الذي يبقينا في أماكن بعينها دون غيرها؟ ما هي أحلامنا ورؤانا عن المشهد الطبيعي في الماضي والمستقبل؟
هذا ويُظهر المعرض كيف يرسم كل من الفقد والتحولات المستمرة في المشاهد الطبيعية معالم هذه التمثيلات، متطرقًا في الوقت ذاته، لأسئلة المنفى وتجربة البعد عن الوطن. ومسائلًا: كيف يبحث الفنانون الفلسطينيون في الذاكرة الشخصية والجمعية بعلاقتها بالتمثلات الفنية للمشهد الطبيعي؟ كيف يساهم الواقع المتغيّر على الأرض في بناء تصوّراتهم حول المشهد الطبيعي؟ كيف يتفاعل الفنانون مع ماديّة الأرض ويوظفونها في أعمالهم الفنية؟
سيستكشف الزائر للمعرض تاريخًا طويًلا لتمثّلات المشهد الطبيعي الفلسطيني وتغييرات الأرض عبر سنين من التحولات السياسية والاجتماعية والبيئية، ولكن من منظور الفن، حيث كان المشهد الطبيعي، وما يزال، جزءًا أساسيًا من الممارسات الثقافية الفلسطينية. في عمل يعود للثلاثينيات لتوفيق جوهرية بعنوان “مشاهد طبيعية بلا عنوان”، يقدم الفنان مشهدًا طبيعيًا فلسطينيًا أشبه بالمتخيل، ليترك للزائر تخيل ما إذا كان يمكن أن تكون هذه فلسطين: بحيرات صافية، وعمارة كلاسيكية، ومشهد مثالي من أشجار السرو، ومشهد بحري مضاء بنور القمر. هذه المشاهد الطبيعية الجديرة بالتأمل تُبرز المشهد بوصفه مساحة للتخيلات، ومكانًا للأحلام المُسقطة. مما يشير إلى الكيفية التي تشكِّل فيها الرؤى والتخيلات المشهد العام في أعمال الفنانين وتقَولبه.
تنقلنا حقبة السبعينيات والثمانينات، إلى الفن الفلسطيني الذي هيمن عليه تصوير المشاهد الطبيعية، والتي رافقتها دعوات عدة للمقاومة حملتها ملصقات شهيرة حوت كمًا واسعًا من الرموز الفلكلورية. قبل ذلك، كان الفنانون الفلسطينيون يركزون، بصورة عامة، على تصوير تجربة المنفى ومعاناته. فلوحة يافا للفنان سليمان منصور في العام 1979، مثال عن الكيفية التي عكس التركيز فيها على القرية الفلسطينية وفلاحيها ملامح المشهد الطبيعي الفلسطيني باعتباره منظرًا محليًا بامتياز، وقد مثلت الفلاحات موضوعًا محوريًا في مثل هذه اللوحات. هذه اللوحة هي واحدة من لوحات كثيرة تنتمي إلى هذا الأسلوب، الذي أنشأه سليمان منصور ونبيل عناني، وغيرهم من الفنانين، حيث أصبح حضور الشخصية الأنثوية في المشهد الطبيعي بالزي التقليدي الدلالة الأبرز على الهوية الوطنية الفلسطينية، ما عنى تأنيث الوطن بتجسيده في صورة الأنثى.
في أعمال فنية معاصرة، يصبح المشهد الطبيعي شيئًا لا يستطيع الفلسطينيون سوى مشاهدته وتذكره، فيما تتكرس يوميًا السياسات التي تبعدنا عن الأرض من قبل الاحتلال الإسرائيلي. خلق تيسير بطنيجي عمله GH809#2 (بيوت غزة ٢٠٠٨- ٢٠٠٩) بعد العدوان العسكري الإسرائيلي على غزة عام ٢٠٠٩، ونظرًا إلى أن بطنيجي لم يكن قادرًا على العودة إلى غزة بسبب الحصار، فقد عمل مع الصحفي سامي العجرمي على توثيق البيوت المتضررة من القصف الإسرائيلي. تُعرَض صور كل بيت بشكل إعلانات عقارية تحمل أوصافًا مفصلة ومحايدة لخصائص البيت، كما هو معتاد في مثل هذه الإعلانات. يتمثل هدف الفنان في إدخال هذه المواقع إلى الذاكرة عبر هذا الشكل من الشهادات، الذي يمكن قراءته أيضًا بوصفه سجلًا أثريًا لخرائب تاريخية. باستخدامه هذا الشكل، لا يعبر بطنيجي عن نزع السمة الشخصية عن المواقع المقصوفة فحسب، بل أيضًا عن تناقضات الحرب والاحتلال، حيث تزدهر مبيعات الإسمنت والأراضي والعقارات، وتنهار كذلك.
في الفضاء الزجاجي الملاصق لقاعة المعارض الرئيسية يقدّم المتحف مجموعة من المنشورات ونصوص الجدران والمختارات الشعرية والنثرية، والرسوم البيانية، والتسلسل الزمني، والمواد القانونية. تحت ثيمات الفقد والمحو والتفتيت والمقاومة، ترسم هذه النصوص والأرقام الخريطة السياسية التي ساهمت في تشكيل بنية الأعمال الفنية المعروضة في المعرض الرئيسي للمتحف الفلسطيني.
يرافق المعرض برنامج تعليمي وبرنامج عام يضم سلسلة من الأنشطة المفتوحة للجمهور، إضافة إلى برامج تعليمية تستهدف طلاب المدارس والجامعات والعائلات، وتشتمل على ورش فنية وجولات تفاعلية وأيام عائلية وأخرى دراسية، وندوات ومحاضرات ونشاطات فكرية ومؤتمر وعروض أفلام ومنشورات، تم التخطيط لها بالاستناد إلى الثيمات الشهرية المرتبطة بمعرض “اقتراب الآفاق”، مثل: النظام البيئي، فلسطين في التمثيلات الغربية، الموروث الثقافي، العمارة في ظل الاحتلال، الحركة، الأدب، وغيرها.
وفي سياق متصل، يطلق المتحف كتابًا مرافقًا للمعرض يشمل المادة البحثية حول الأعمال الفنية لقيمة المعرض د. تينا شيرويل، ومحتوى بصريًا غنيًا من صور الأعمال الفنية، ليتوفر للبيع في دكان هدايا المتحف.
هذا ويتقدم المتحف الفلسطيني بجزيل الشكر للفنانين المشاركين في المعرض، وهم: أسد عزّي، بسمة الشريف، بشير مخول، بنجي بويدجيان، توفيق جوهرية، تيسير بركات، تيسير بطنيجي، جاك برسكيان، جمانة إميل عبود، جواد المالحي، جوني أندونية، حازم حرب، حسن ضراغمة، خليل ريان، رأفت أسعد، رنا بشارة، رولا حلواني، سامية حلبي، ستيف سابيلا، سليمان منصور، سميرة بدران، سهى شومان، صوفي حلبي، طارق الغصين، عامر شوملي، عيسى ديبي، فلاديمير تماري، فيرا تماري، لاريسا صنصور، ليلى شوّا، منال محاميد، ناصر سومي، نبيل عناني، نداء سنقرط، وليد أبو شقرة، يزن خليلي.
كما يشكر المتحف مقرضي المعرض وداعميه، وهم: إيڤيت ومازن قبطي، جورج الأعمى، بنك فلسطين، متحف جامعة بيرزيت، جامعة VCU للفنون، ريتشموند (فرجينيا، الولايات المتحدة) جاليري إيمان فارس، جاليري صفير زملر، جاليري أيام، طبري آرت سبيس، جاليري الخط الثالث- دبي، جاليري زاوية، فيرا تماري، كيوكو تماري، مريم تماري، منى تماري، صندوق لينبيري.
د. تينا شيرويل، هي مؤرخة وفنانة وقيّمة معارض. شغلت منصب مدير الأكاديمية الدولية للفنون في فلسطين في السنوات بين 2007- 2012، و2013- 2017، ومنصب مدير برنامج الفنون الجميلة في كلية وينشستر للفنون بين الأعوام 2005- 2007. فازت شيرويل بجائزة بينالي الإسكندرية في العام 2001 عن عملها سلسلة خرائط فلسطين، وكتبت العديد من النصوص حول الفن والثقافة البصرية الفلسطينية.
يذكر أن المتحف الفلسطيني هو مؤسسة ثقافية مستقلة، مكرسة لتعزيز ثقافة فلسطينية منفتحة وحيوية على المستويين المحلي والعالمي. يقدم المتحف ويساهم في إنتاج ونشر روايات عن تاريخ فلسطين وثقافتها ومجتمعها بمنظور جديد، وهو أحد أهم مشاريع مؤسسة التعاون، المؤسسة الأهلية الفلسطينية غير الربحية، التي تهدف إلى توفير المساعدة التنموية والإنسانية للفلسطينيين في فلسطين والتجمعات الفلسطينية في لبنان.