يستمر المعرض حتى 25 أيار/مايو في “دار النمر للثقافة والفنون” ببيروت

تجليات الهوية في أربع تجارب تشكيلية فلسطينية

سليمان منصور، 1981

علاء رشيدي

كاتب من سوريا

إن التجارب الفنية الأربع تبين لنا قدرة اللوحة كمنتج فني على معالجة موضوعة الهوية، وتحتفظ كل من التجارب الأربع بالخصوصية في إطار معالجة الموضوعة أو في إطار الجمالية التي تقترحها الأعمال الفنية المقدمة في المعرض.

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
خمس ممثلات إيطاليات أيقونيّات (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

13/05/2019

تصوير: اسماء الغول

علاء رشيدي

كاتب من سوريا

علاء رشيدي

يقدم معرض “هموم الهوية” المقام في “دار النمر” ببيروت تجربة أربعة فنانين مؤسسين لحركة الفن الحديث في فلسطين، وأعضاء في رابطة الفنانين الفلسطينيين، وهم نبيل عناني وسليمان منصور وتيسير بركات وفيرا تماري، وقد شارك الفنانون في خضم أحداث الانتفاضة الأولى (1987 – 1991) بتأسيس مجموعة “نحو التجريب والإبداع”.

هذه التجارب الفنية الأربع تسمح لنا بتلمس دور اللوحة التشكيلية في صياغة مفاهيم الهوية، وذلك بتنويعات متميزة خاصة بالموضوعات وبالأسلوبية التي يعمل عليها كل منهم. في الندوة التي رافقت افتتاح المعرض، تحدث الفنان نبيل عناني عن مجموعة من الرموز البصرية التي استعملت في الفن التشكيلي الفلسطيني، كرموز تحمل مضامين متعلقة بالهوية الثقافية الفلسطينية، نذكر منها: العلم الفلسطيني الذي كان رمزاً ممنوعاً فتمسّك الفنانون في رسمه، نبات الصبار الذي يرمز لمعاودة النهوض بعد التدمير والاقتلاع، الحمامة كرمز للسلام، القبضة كرمز للقوة، الأسلاك الشائكة والجدران والقضبان كرمز للاحتلال، وكذلك خارطة فلسطين، والمفتاح الذي يرمز إلى الحلم بالعودة.

بلا عنوان، 2010

 

مشاهد من الطبيعة

نضيف أيضاً، من الرموز البصرية التي تحمل مضامين الهوية، الأشجار. شجرة البرتقال (رمز نكبة 1948)، وشجرة الزيتون (رمز نكبة 1967). لذلك يصور نبيل عناني في لوحته الأولى “بلا عنوان، 2010” مشهداً طبيعياً متدرجاً، يبدأ بأرضية عشبية أسفل اللوحة، تتخللها الأحجار في منتصف اللوحة، صعوداً إلى أعلى اللوحة حيث تنتشر مساحات من الشجر الأخضر على أرضية ترابية حمراء. ليس حضور الأشجار المدخل الوحيد إلى قراءة اللوحة من منظور الهوية، بل الفكرة العامة للوحة، والتي تتكرر في لوحات أخرى لنبيل عناني، أي محاولة رسم مشاهد طبيعية من الأرض الفلسطينية، هي أحد أساليب عناني في استعمال اللوحة التشكيلية بحثاً عن الهوية، كأن للوحة دور توثيقي/جمالي في الإبقاء على ذاكرة/صورة الأرض الفلسطينية حاضرة كيوتيوبيا داخل اللوحة.

بلا عنوان، 2009

في اللوحة الثانية “بلا عنوان، 2009″، تتكرر موضوعة رسم مشاهد من الطبيعة تجمع معها نماذج من العمارة الفلسطينية، نجد المنهج الشاقولي ذاته في بناء التكوينات في اللوحة، كأنها مؤلفة من أربعة طبقات متراكبة فوق بعضها البعض. في الطبقة الأولى تظهر امرأتان باللباس التقليدي الفلسطيني ومن خلفهما أبنية عمرانية، ثم تتكرر الأبنية العمرانية في الطبقات الثلاث التالية، وفي الطبقة العلوية الرابعة والأخيرة سنميز من هذه الأبنية المسجد الأقصى مضاءً بنور الشمس المرسومة فوقه. في كلا اللوحتين نجد رغبة الرسام في التوثيق، في الأولى يوثق الرسام للمشهد الطبيعي، وفي اللوحة الثانية يوثق الرسام لمشهد عمراني.

سواء في رسم المشهد الطبيعي أو العمراني، يقدم نبيل عناني جماليات تترسخ في كل لوحة مع أسلوبه، تتميز جمالياته بالأشكال البسيطة، تداخل تكوينات اللوحة مع خلفيتها، والمميز بوضوح هو حيوية الألوان. لا يصور عناني المشاهد الطبيعية والعمرانية في لوحته بحال من الحزن والسوداوية، بل يختار تراكيب للأشكال وحيوية للألوان تجعل من هذا المشهد الطبيعي والعمراني أقرب إلى الأمكنة اليوتيوبية، بهية الجمال في عين المتلقي، وحيوية الحضور في ذاكرة الناظر إلى اللوحة.

عائلة من بيت لحم، 2011

 

مشاهد من الحياة الاجتماعية

موضوعة أخرى واضحة في لوحات نبيل عناني على صلة بموضوعة الهوية، وهي رسم مشاهد من الحياة الإجتماعية، نجد ذلك في لوحة “عائلة من بيت لحم، 2011″، تظهر في اللوحة عائلة من ثلاثة أفراد (الأب، الأم، الطفل الذي مازال رضيعاً في حضن أمه)، الرجل واقف يرتدي الجلباب والحطة العربية، والإمرأة ترتدي الأزياء التقليدية الفلسطينية المزركشة والمعروفة بدقة التطريز وكثافة الألوان التي يحاول نبيل عناني نقلها بأمانة. أفراد العائلة يواجهون منظور الرسام مباشرة، يذكّرون بوضعيات الصور الفوتوغرافية المواجهة لعدسة الكاميرا، حضورهم في اللوحة يقود إلى حضورهم في التاريخ.

كذلك الأمر في لوحة “زواج الدكتور جابر الأرعجي، 1947″، والتي هي أيضاً لوحة توثيق لمشهد من الحياة الاجتماعية، وهو الزواج. يقف الزوج بالبدلة السوداء، والإمرأة بعرس الزفاف الأبيض تحمل بيدها باقةً من الزهور البيضاء، تحدهما خلفية مميزة باللون الأصفر. هي أيضاً لوحة توحي بذلك الجانب التوثيقي الذي أراد الفنان عناني للوحته أن تضطلع به، بتجسيد عادات وتقاليد فلسطينية تحضر في اللوحة كي تبقى في التاريخ.
 

بلا عنوان، 1984

مشاهد من الحياة المهنية

في لوحات الفنان سليمان منصور تحضر أيضاً أشجار البرتقال الكثيفة الأوراق والتي تمتد على كامل مساحة وسط اللوحة. في لوحتين “بلا عنوان، كلاهما مؤرخ بالعام 1984” يقدم سليمان منصور أشجار البرتقال بحضور جمالي مميز، ترسم أوراق الأشجار بدقة وبحيوية الكثافة، كما تستعمل الألوان النابضة، الأخضر، الأزرق، واللون البرتقالي المائل إلى الأصفر. لا يميز لوحتي سليمان منصور مجرد حضور المرأة كرمز للهوية الفلسطينية، بل حضور المرأة العاملة. لذلك، فإن لوحتيه تركزان على مشهد من الحياة المهنية، نساء مزارعات يتحلقن حول الأشجار في حال من القطاف لثمار البرتقال، نساء يحملن سلال البرتقال على رؤوسهن، يصورن في وضعيات شبيهة بوضعيات الشخصيات في لوحات تيار الواقعية الإشتراكية، حيث لحظة الفعل، الإنتاج هي اللحظة التي يختار فيها سليمان منصور التقاط شخصياته النسوية الفاعلة.

كذلك تحضر في لوحات سليمان منصور مشاهد من الأبنية ومقاطع من الجانب العمراني للمدن، وذلك في لوحتين إحداهما غير مؤرخة والثانية مؤرخة في العام 1981. في اللوحة الأولى رجل فلسطيني يعبر جداراً يمتد من يسار إلى يمين اللوحة، ومن فوقه، وعلى طبقة تشكيلية أخرى نجد قبة الصخرة، ومن حولها أبنية وبيوت مدينة القدس، وفي اللوحة الثانية “بلا عنوان، 1981” تظهر امرأتان بالزي التقليدي عند أسفل يسار اللوحة، ومن خلفهما تمتد مجموعة من البيوت الطينية التي تتماوج فوق بعضها لتشكل المشهد العمراني الفلسطيني، تربط اللوحة بين الحضور البشري والحضور العمراني كأنها وثيقة تاريخية تربط المكان بالإنسان الظاهر داخل اللوحة، الإنسان والمكان يتبادلان الانتماء.

بلا عنوان، 1981

 

مشاهد من الأحداث السياسية

تنقلنا لوحات تيسير بركات إلى لغة بصرية وجمالية مختلفة، فقد ركز الفنان في مداخلته في الندوة التي رافقت المعرض، عن تلك المرحلة التي راح يطرح فيها الأسئلة عن أسلوبه الفني، ومحاولاته للعثور على لغة تشكيلية أكثر حداثية ومعاصرة. أما على مستوى الموضوعات، فتتطرق لوحات تيسير بركات إلى أحداث سياسية تاريخية مثل الاجتياح، وإلى ظواهر اجتماعية شكلت منعطفاً في تاريخ الحدث الفلسطيني مثل تجارب اللجوء والهجرة، كما في لوحتيه “عبور المتوسط 1 + 2، 2018، 2019”.

الاجتياح، 2011

 

في “الاجتياح ، 2011” تنحصر في شريط ضيق أعلى اللوحة مجموعة من الآليات العسكرية، بينما تمتد على كامل باقي مساحة اللوحة كتلة لونية توحي بطبقات الأرض، كما توحي بأبنية ومنازل، وكذلك توحي بأجساد بشرية متراصة، يحصل الاجتياح في اللوحة على كل ما توحي به هذه الكتلة التشكيلية، هو اجتياح للأرض، للمدينة، وللإنسان.

الرحيل ليلاً، 2016

 

في لوحة “الرحيل ليلاً، 2016” خلفية سوداء قاتمة يختارها الفنان، ليرسم فوقها ثلاثة شخوص ودابة، شكلها الفنان بالإكريليك ووسائط متنوعة، وضعياتهم توحي بحالة الرحيل، بالحركة. وجود الأشكال على خلفية سوداء يذكر بفن خيال الظل، لذلك تحمل لوحات تيسير بركات مشهدية لعين الناظر، تسمح هذه المشهدية بتجسيد الحدث التاريخي بأسلوبية مسرحية. ولأن الفنان تيسير بركات يستلهم أعماله من الماضي القديم، والتراث الشفهي، والسرديات الثقافية، غالباً ما تحمل لوحاته نوعاً من السرد القصصي، نلمح ذلك بموضوعات اللوحات “عبور المتوسط، الاجتياح، الرحيل ليلاً”، وكذلك نلمحه بالأسلوبية الفنية في لوحات مثل “الرقص على الأنقاض، 2014″، و لوحة “زفاف، 2014”.

زفاف، 2014

 

مشاهد من الحالات الوجدانية

في الندوة المرافقة للمعرض، وضحت الفنانة فيرا تماري بأنها شرعت ترسم أشجار الزيتون كنوع من رد الفعل، أو المقاومة إزاء عمليات اقتلاع الأشجار وجرفها، لكن جذوع الأشجار في لوحات فيرا تماري هي أجساد إنسانية أيضاً. في لوحة “فجر، 2019” تتضح من خلال جذع الشجرة تقاطيع جسد أنثوي، الألوان المختارة توحي بالتداخل بين الجلد البشري وألوان التربة والأرض، تقول الفنانة فيرا تماري “إنه انتماء الإنسان إلى الأرض”.
 

فجر، 2019

في لوحة “ملاذ، 2019” يستشعر المتلقي بوضوح رغبة الفنانة في أن تشحن الرسم بمشاعر وجدانية، تقول الفنانة فيرا تماري إن “الجذع يمثل أيضاً جسد امرأة تعاني من القمع والاضطهاد”. تحمل هذه الكتل التشكيلية التي تدمج بين الجذع والجسد الإنساني مسحة من الذاتية الخاصة، وتنقل إلى المتلقي نوعاً من التجربة الوجودية والروحية في آن. كذلك الحال في لوحتي “رقص 1 + 2 ، 2008” حيث طبقات الألوان المائية والمواد المستعملة الأخرى في تكوين التشكيل توحي بتموضعاتها فوق بعضها البعض بحركية هادئة، تتابعها عين الناظر من أعلى اللوحة حتى أسفلها بانسيابية خططت لها الفنانة ونجحت في تحقيقها.
 

ملاذ، 2019

إن التجارب الفنية الأربع تبين لنا قدرة اللوحة كمنتج فني على معالجة موضوعة الهوية، وتحتفظ كل من التجارب الأربع بالخصوصية في إطار معالجة الموضوعة أو في إطار الجمالية التي تقترحها الأعمال الفنية المقدمة في المعرض.
 

رقص 1، 2008

 

رقص 2، 2008

 

الكاتب: علاء رشيدي

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع