ما هو تأثير “صفقة القرن” على مستقبل القضية الفلسطينية؟ وكيف ينظر المثقف الفلسطيني إلى محاولات الإدارة الأمريكية لتمرير هذه الصفقة بالتعاون مع جهات عربيّة وبهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال عقد «ورشة البحرين» الاقتصادية في المنامة يومي 25 و26 حزيران/ يونيو الجاري؟ وما هو دور المثقف الفلسطيني في مواجهة صفقة الأوهام والعار وسبل التصدي لها؟ أسئلة وجهتها “رمان” لعدد من المثقفين الفلسطينيين داخل الوطن وخارجه، وهذه إجابات عنها.
أعدّ الملف: أوس يعقوب.
لا يمكن أن ننكر بأي حال من الأحوال بأن الدعوات إلى ما يمكن أن نطلق عليه “صفقة القرن” يمثّل منعطفاً حرجاً في تاريخ القضية الفلسطينية التي تعرضت سابقاً للكثير من محاولات التصفية والالتفاف، غير أن هذه الدعوة الجديدة تبدو لي الأكثر خطورة، كونها مصحوبة بنموذج خطابي شديد المخاتلة، ويهدف إلى إفراغ القضية الفلسطينية من تكوينها وعمقها التاريخي، وتحويلها إلى قضية هامشية، ومنجزة… لا يمكن أن ننكر بأن هذا النهج قد بدأ قبل عقود، ولكنه كان خطاباً خجولاً ومتردداً عل عكس ما يتسم به الآن من وضوح… بيد أن السياقات المعاصرة شجعت البعض للسعي لتجاوز الحق الفلسطيني عبر ما يمكن أن نعده نوعاً من المقايضة، وهنا يتحقق التحول اللافت حيث بدأت تعلو بعض الأصوات في العالم العربي تتبنى المبادرة الأمريكية، كما أن النبرة الخطابية التي تروج لها الصهيونية، من منطلق أن القضية الفلسطينية ليست مركزاً، بل هناك من بات يدعو إلى التعامل معها بوصفها أمراً ينبغي التخلص منه، من أجل تحويل الأنظار إلى قضايا أخرى تم اختراعها بغية الإجهاز على القضية الفلسطينية.
إن مراكمة صيغ تتصل بهامشية القضية الفلسطينية، أو بأنها عبء على البعض، أو تعيق التطور والتنمية في البلدان، ما هو إلا صيغة من صيغ إعادة إنتاج خطابات صهيونية تستهدف تشتيت الوعي العربي، ومع ذلك فإن التاريخ والتجربة، بالإضافة إلى أبجديات السياسية تنصّ على أن أي نزوع نحو التقارب مع دولة الكيان الصهيوني، مقابل شيطنة الفلسطيني، والتقليل من عدالة قضيته سيؤدي إلى عواقب وخيمة على البعض، فالسلام مع إسرائيل، لم يؤد إلى تحقيق أية تنمية لأي دولة، ولن يتحقق هذا في المستقبل، بل على العكس من ذلك فإن إسرائيل ستشكل خطراً على الأمن القومي العربي حيث ستتمكن من فكفكة تلك الدول، وإضعافها، وقد نجحت في تحييد بعض الدول العربية المركزية عن الصراع، بحيث أمست تلك الدول أشباه دول، تعاني من الفشل على أكثر من مستوى.
على الرغم من هذا التحول في المنظور، فإن مسار التاريخ يقدم لنا أمثلة على أن هذه المحاولات لن تتمكن من تحقيق النجاح انطلاقاً من عوامل محددة، لعل أهمها يتمثل بثقل الأثر العقائدي والأيديولوجي للصراع، والذي لا يمكن أن تمحوه أي صفقة، فثمة قدرة لا يمكن تفسيرها، وتتصل بالقوة الداخلية للعودة إلى بعث الصراع، وهذا يأتي نتيجة العقيدة، بالإضافة إلى العوامل الجيوسياسية، وطبعاً القيم التي تتجسد بالعدالة، والحق… فالفلسطينيين شعب يمتلك قدراً من الوعي الوجودي، على الرغم من الانقسام، والأهم شموله على نماذج حضارية من المثقفين والمناضلين القادرين على مقاومة هذا المسعى، وإبقاء جذوة الذاكرة، وهذا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتلاشى، لأن الفلسطيني يولد في الذاكرة، قبل أن يولد في الأرض… إذ لا يمكن للفلسطيني أن يتلاشى كما فعلت أمريكا مع السكان الأصليين؛ لأن ثمة أسساً مركزية وحضارية، بالتوازي مع جذور لا يمكن أن تُقتلع لأنها تتغذى من خطابات ذات طابع متعالٍ، ومرجعيات دينية، وتاريخية، وثقافية لا يمكن محوها بسهولة.