نشرت الممثلة رانيا يوسف صورة لها بالفتسان الذي أثار ضجة كبيرة منذ شهور عندما ظهرت به في مهرجان القاهرة السينمائي نوفمبر 2018، وأرفقته بالمنشور التالي: “سؤال للسادة المحامين: فستاني خدش الحياء العام ودعا للرذيلة وعمل فعل فاضح في الطريق العام وبلاغ تلات صفحات للنائب العام!، لكن التحرش لا ؟؟؟؟؟، ليه الكيل بمكيالين !!!. لا يحتاج الأمر لكثير من المفهومية لنعرف أن المعني بهذا المنشور هو اللاعب عمرو وردة، واتهامات التحرش التي تطارده في كل مكان والتي كان أحدثها قبل أيام.
جذور لا يصح التغافل عنها
في 1983، لعب نادي الاتحاد السكندري لكرة السلة، نهائي البطولة الإفريقية، أمام فريق أول أغسطس الأنجولي، في ملعب الإسكندرية.
في تلك المباراة، انصبت آمال الإسكندرانية ومحبي كرة السلة على نجم الفريق اللاعب مدحت وردة (1955). ومدحت لم يخيب آمال الجمهور، وقدم مباراة كبيرة، وقاد الفريق للتتويج بالبطولة، وعلى المنصة في لحظة التكريم، رفض مدحت رفع الكأس أو الميدالية، وفضّل أن يرفع المصحف. لم يكن ذلك غريباً على مدحت ذي الميول الإسلامية، وكانت تلك الميول بادية على مظهره، فهو وحده دون أفراد الفريق يرتدي شورتاً طويلاً أقصر من البنطلون بشبرين، وهو وحده يطلق لحية كثة، ويضع الكحل في عينيه.
بعد تلك الواقعة بثلاث سنوات تقريباً أي في يونيو 1986، نشر المفكر المصري الراحل فرج فودة (1945 – 1992)، مقالاً في مجلة (المُصَوّر) وضمه لاحقاً لكتابه «نكون أولا نكون»، الصادر في 1992، أي في ذات السنة التي اغتالته فيها الجماعات الإسلامية، تناول المقال ظاهرة تسرب السياسة إلى الرياضة، أو توظيف المباريات الرياضية في مصالح سياسية، واختار نموذج مدحت وردة، للتدليل على ذلك، ولقطة رفع المصحف بدلاً من رفع الكأس. بعدها بسنة واحدة، أنجب اللاعب المعتزل مدحت وردة ابنه عمرو (1993)، الذي سيصبح لاحقاً لاعباً بالمنتخب المصري لكرة القدم، لتبدأ صفحة جديدة في شجرة الرياضيين المثيرين للجدل من آل وردة.
الموديل والمكسيكية
بدأت الدورة رقم 32 من بطولة الأمم الإفريقية يوم 21 يونيو 2019 في مصر، بمشاركة 24 منتخباً إفريقياً، انتهى لقاء الافتتاح بين المنتخب المصري ومنتخب زيمبابوي بفوز الفراعنة بهدف نظيف، وبعد اللقاء، خرجت عارضة الأزياء المصرية ميرهان كيلر، بفيديو على صفحتها بأحد مواقع التواصل الاجتماعي (انستغرام)، تتهم فيه عمرو وردة، وثلاثة من زملائه هم أحمد حسن كوكا (أولمبياكوس اليوناني)، أيمن أشرف (الأهلي المصري)، محمود حمدي الونش (الزمالك المصري)، بالتحرش بها، عبر الرسائل والتعليقات.
لم ينفِ إيهاب لهيطة – المسئول الإداري من قِبل اتحاد الكرة المصري المعروف بـ (الجبلاية) – الواقعة، وأكد أن إجراءات انضباطية يجري فرضها بصرامة على معسكر المنتخب من قبل المدير الفني المكسيكي خافيير أجيري (1958) الذي أمر جميع اللاعبين بضبط تصرفاتهم وعزلهم عن السوشيال ميديا.
لم تنقضِ الليلة على خير، هذه المرة نشرت فتاة مكسيكية (جيوفانا) محادثات على الواتس آب تجمعها بعمرو وردة، طالبها فيها صانع الألعاب والجناح المصري بفتح الكاميرا وراح يضغط ويلح. ولما أصرت على موقفها بدأ يهاجمها. ونشرت المكسيكية فيديو فاضح أرسله لها وردة. يقول المثل المصري: “خبطتين ف الراس توجع”، ترنح اتحاد الكرة وترنح عمرو وردة، وتشاور هاني أبو ريدة رئيس الاتحاد مع الجهاز الفني ثم اتخذ قراراً باستبعاد اللاعب من صفوف المنتخب.
خرج بعدها عمرو وردة يندب حظه واصفاً ما يحدث معه بأنه “حرام”، وأكد أن الفيديو مفبرك والقصة ترجع إلى عام ونصف، وقال: “أقسم بالله بأن كل الفيديوهات التي يتم تداولها مفبركة، هذا ما أبلغت به الجهاز الفني للمنتخب، وكل اللاعبين يقفون معي”. هكذا خلق عمرو وردة مظلوميته، كما اعتاد أن يفعل.
تطورت الأحداث بعد ذلك سريعاً، وانقسم المصريون إلى فريقين غير متساويين، يرى أكبرهما أن الاستبعاد النهائي من المنتخب عادل في حق لاعب يتحرش بالفتيات. بينما يرى الفريق الآخر أن الأمر يخص حياة اللاعب وأن الاستبعاد جرى دون محاكمة أو تحقيق، وأنه في النهاية مسألة شخصية، وبالتالي يرى هؤلاء أن عمرو وردة مظلوم. وعلى رأس هؤلاء زملاؤه بالفريق ومنهم محمد صلاح، والقائد أحمد المحمدي الذي احتفل بهدفه في مرمى الكونغو بالإشارة برقم 22 الذي يرتديه عمرو وردة.
عند الفجر، اجتمعت مجموعة من لاعبي المنتخب المصري، على رأسها محمد صلاح (ليفربول الإنجليزي) وأحمد المحمدي (أستون فيلا الإنجليزي) قائد الفريق، بأفراد اتحاد الكرة، ودافعوا عن زميلهم عمرو وردة، وطالبوا بإرجاعه إلى المعسكر، وهو ما تحقق لهم بعد ساعات، عندما أعلن الجبلاية أن إيقاف عمرو وردة سيمتد إلى المباريات التمهيدية بدور المجموعات فقط، وهي المرحلة التي ضمنت مصر تخطيها بالفعل بالفوز على زيمبابوي بهدف والكونغو بهدفين.
خرج بعد ذلك عمرو وردة، في فيديو حزين، ليعلن اعتذاره على الملأ، لم يجرؤ أن ينظر إلى الكاميرا، أرسل نظرات منكسرة إلى كل الاتجاهات إلا العدسة، وقال إنه الفترة القادمة لن يجعل أي شخص يتضايق منه إن شاء الله!
بيوغرافيا الفحولة
المدهش، هو أن أحداً لم يندهش.
عندما عرف المصريون أن هذه الضجة القادمة من ناحية معسكر المنتخب المصري، سببها عمرو وردة وإقدامه على ما أقدم عليه، قالوا: “هي عادته ولا هيشتريها؟”، فلليافع وردة تاريخ مميز في الوقائع الشبيهة، بدأ منذ سن العشرين عندما كان اللاعب المحترف بالدوري اليوناني لا يزال ينشط في صفوف شباب النادي الأهلي، كان ذلك في فندق معسكر منتخب الشباب في تونس استعداداً للبطولة الإفريقية في الجزائر، إذ تقدمت إحدى النزيلات الفرنسيات بشكوى لإدارة الفندق، عن اقتحام أحد أعضاء بعثة الفريق المصري (عمرو وردة) لغرفتها، وتواصلت إدارة الفندق مع عصام عبد الفتاح رئيس البعثة، وربيع ياسين المدير الفني، واتخذا قراراً بترحيله إلى مصر، وأدانه عصام عبد الفتاح في تقريره عن المعسكر الذي سلمه لاتحاد الكرة.
وكما فعل عمرو وردة في موقعتي الموديل والمكسيكية استنجد بزملائه في المنتخب صالح جمعة ومحمود تريزيجيه، وظهر في أحد البرامج، ليؤكد أن ما حدث مجرد سوء فهم لأنه كان يداعب “فتاة صغيرة لذيذة”، أي طفلة، لكن ضغط إيهاب الخطيب مقدم البرنامج أجبر وردة على الاعتراف بأن تلك الطفلة كانت في حدود 18-19 سنة!
ولأننا في مصر، عاد ربيع ياسين واستدعى الموهبة المصرية مرة أخرى لصفوف المنتخب في المعسكر المقام داخل الجمهورية، لكن وردة واصل سلوكه الغريب، واشتبك في مشادات مع ربيع ياسين، وحكى وردة تلك الواقعة في أحد البرامج التلفزيونية: “في إحدى المحاضرات قام الكابتن ربيع ياسين بتشغيل أغنية (يا حبيبتي يا مصر) للفنانة شادية وقمنا جميعا بالضحك فقام بإيقاف الأغنية ووجه لي الكلام أنا رحّلتك قبل كده كذا مرة أنا جايبك علشان قلبي أبيض، لو عملت حاجة تانية هقلع اللي في رجلي وأديك بيه”.
هكذا خلق عمرو وردة مظلوميته مرة أخرى: أنا لست مشاغباً، بل أنا مضطهد، فأنا لا أخطئ”. وعلّق الذنب كله في رقبة مدربه ربيع ياسين.
تحرّشات.. في بلاد بعيدة
لكن في 2017، اتضح أن الأمر ليس كما روّج له وردة، كان ذلك عندما أعلنت إدارة العملاق اليوناني باوك سالونيكي، أنهم بصدد إعارة خارج النادي، لأسباب أخلاقية، رفضت الإدارة الإفصاح عنها. ليجري بعد ذلك انتقال اللاعب إلى نادي فيرنزي البرتغالي، وكانت صفقة الانتقال تلك واحدة من أعجب الصفقات في تاريخ كرة القدم، لأنها استمرت ثلاثة أيام فقط، قبل أن يقرر النادي البرتغالي إنهاء الصفقة وإعادة وردة إلى اليونان، وخرجت التقارير الصحفية حينها لتشير إلى تحرش وردة بزوجات وصديقات زملائه في الفريق، وقيل إن قائد الفريق البرتغالي عنّف عمرو وردة وقيل إنه حاول الاعتداء على المصري.
وبالطبع واصل وردة تبرير تصرفاته وتكذيب الآخرين متهماً العالم كله بالتآمر عليه، مرة عن طريق وكيل أعماله، أو كابتن مدحت وردة، أو عمرو وردة نفسه. أحرز عمرو وردة الهدف الثاني في مرماه هو نفسه، بإرادته وبكامل وعيه، ووصم نفسه، بالتحرش، في بلدين مختلفتين، بل في قارتين مختلفتين، وأعلن نفسه، فحلاً، للكرة المصرية.
مو صلاح يخسر نقطتين
ورط اللاعبون أنفسهم في الدفاع عن زميلهم، وعلى رأس هؤلاء كان فخر العرب، الذي فقد نقطتين ثمينتين، الأولى تتمثل في ارتضائه لنفسه أن يلعب دور “الواسطة”، وأن يقود حملة المطالبة بعودة وردة، ويجمّل موقفه بكلمات مرسلة على حساباته في مواقع التواصل عن احترام المرأة، تختلف تماماً عن أفعاله المساندة لوردة في تصرفاته بزعم “منحه فرصة ثانية وعدم إرساله إلى المقصلة”، مع أن صلاح نفسه يعلم أن هذه الفرصة هي الخامسة أو السابعة ربما في مسيرة الفحل المصري.
الخسارة الثانية تتمثل في نوع القضية التي اختار صلاح أن يتصدّر لحلها، هل تحاول مساندة متحرش؟ ما يدلل على خسارة مو صلاح هو موقف حليفه وأبيه الروحي محمد أبو تريكة الذي كتب على صفحته في أحد مواقع التواصل الاجتماعي: “قال علي بن أبي طالب: إن كان لا بد من العصبية، فليكن تعصبكم لمكارم الأخلاق ومحامد الأفعال”.
ارتضى محمد صلاح على نفسه، أن يستخدم سطوته ونفوذه وقوته الفنية والإعلامية وأهميته الاستراتيجية للكرة المصرية بل الكرة في العالم، في الدفاع عن كابتن عمرو وردة، مضحياً بجزء من رصيده الشعبي، فارضاً وصاية أبوية على اتحاد الكرة والمنتخب والجمهور المصري وحتى عمرو وردة نفسه.
تفنيدات
يزعم بعض أنصار عمرو وردة، أن اللاعب مظلوم وأن ما حدث هو قرصة أذن من جهة سيادية، لأن اللاعب قدّم العزاء في الرئيس المصري الأسبق مرسي العياط (1951-2019)، وأن والده صاحب الميول الإسلامية هو السر الحقيقي لنكبة عمرو وردة وأن مزاعم اللاعب بتعرضه الدائم للظلم حقيقية. لكن فات هؤلاء أن ذا ميول إسلامية مثل ربيع ياسين، كابتن المنتخب الأسبق وكابتن الأهلي والمدير الفني السابق لمنتخبي الشباب والأوليمبي هو نفسه كان أكثر الناس حرصاً على استبعاد وردة مع كل خطوة.
ثم تناسى هؤلاء أن اليونانيين والبرتغاليين والتوانسة وفتاة فرنسية كانت في نفس الفندق في تونس، رأوا بأنفسهم تجاوزات اللاعب وتعاملوا معها كلٌ بطريقته، فاليونانيون أعاروه والبرتغاليون طردوه والتوانسة كادوا يسجلوا محضراً في مخفر الشرطة ضده. فهل حركت تلك الجهة السيادية الغامضة، كل هؤلاء في بلدان العالم المختلفة، وجنّدت الفتاة المكسيكية، لتنكّل بعمرو وردة؟
ذهب فريق آخر إلى أن الموضوع شخصي، وأن التزام وردة بالتمرينات وتعليمات الجهاز الفني هو المعيار الفعلي له كلاعب كرة قدم. وأنا أقول أن هذا صحيح، لكن في حالة كون الفعل الشخصي ذاك قانوني، أما التحرش فهو فعل غير قانوني بداهةً، والحقيقة أن هناك من كان يقوم بالتنظيف وراء عمرو وردة وأفعاله الصبيانية في كل مرة، لا حباً فيه، فلا شيء لدى وردة يدعونا لحبه سوى مهارته كلاعب، وإنما رأفةً به، أو انتصاراً لقيم ذكورية سائدة في المجتمع، أو خوفاً على قيمة اليوروهات المصروفة في التعاقد معه، أو خوفاً على سمعة مصر والكرة المصرية.
وأخيراً، هناك من يقول بأن الوقائع المتكررة تشير إلى خلل نفسي ما، وعن ذلك يؤكد كريم شوقي، أخصائي الطب النفسي، أن المتحرش يشعر بأهميته وبضرورة استجابة الطرف الآخر لطلباته، وأن هذا الانحراف الإدراكي يتطلب علاجاً، يقول شوقي: “يفسر علماء النفس التحرش الجنسي بأنه سلوك افتراسي عدواني دافعه الأساسي الرغبة في قهر الضحية والتلذذ بإخضاعها. أما مدمنو ممارسة الجنس فهم يعانون من سلوك قهري مثله مثل إدمان المخدرات وهم ليسوا بالضرورة متحرشين.
يتميز المتحرش بعدة سمات شخصية مرضية مثل: النرجسية، فهو يشعر أنه أفضل من الآخرين، ويستحق أن يحصل على ما يريده فوراً وبلا تأخير، وهو لا يهتم بأن يحبه الآخرون، ولكنه يهتم بأن يروه قوياً، ومثيراً للإعجاب، ويجد النرجسيون طريقة لتبرير التحرش الجنسي، إذ يعتقدون أنهم محرومون من تجربة جنسية “يستحقونها”. إنهم لا يستطيعون أن يفهموا أن شخصًا ما لن يكون مهتمًا بفرصة الحصول على اهتمام منهم. أما السمة الثانية فهي: السيكوباتية فالمتحرش يتلذذ بإيذاء ضحاياه، ويتمتع بمشاهدتهم يتألمون، ويكره التقيد بالأعراف والقوانين، ويلجأ دائماً للتحايل، وهو شخصية ميكافيلية؛ فالغاية عنده تبرر الوسيلة.
يلجأ المتحرش إلى تبرير تصرفاته دائمًا، فهو ليس مذنبًا من وجهة نظره، وفي الرسائل المنسوبة لأحد المتحرشين يصف مرة الفتيات بأنهن “عاهرات” وفي رسالة أخرى يخاطب فتاة رفضت مقابلته ناعتًا إياها بالـ “شِمال” أي أنه يري أن الفتيات اللاتي يتحرش بهن كائنات رخيصة، أقل مرتبة منه، ومن أمه وأخته، وهو انحراف في الإدراك يستوجب بالضرورة العلاج النفسي المعرفي و السلوكي”.