صدر عن “سلسلة دراسات معجمية ولسانية” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب القاموسية العربية الحديثة: بين تنمية الفُصحى وتحديث القاموس والتأريخ للمعجم، ويبيّن فيه مؤلفه عبد العلي الودغيري أن القواميس العربية الحديثة والمعاصِرة استطاعت متابعةَ تطوُّر الفصحى من بداية عصر النهضة الحديثة إلى اليوم، كما يبيّن تفاعلَها مع المستجدّات من ألفاظٍ ودلالاتٍ وتراكيبَ واستعمالاتٍ، ومساهمتها في خدمة هذه اللغة وتطويرها وتحديثها وتيسير تعلُّمها واستعمالها وانتشارها، ونجاحها في تجاوز المشكلات التقنية والمنهجية في القاموسية القديمة.
يتألف الكتاب (615 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من تمهيد وثلاثة أبواب. وفي التمهيد، “المعجم والقاموس”، يتحدث المؤلف عن المُعجَم في الاستعمال القديم، والمعجم في الاصطلاح الحديث، والقاموس، والمعجمية والوحدة القاموسية، والقاموس وعناصره الأساسية.
تنمية المعجم ومواكبة الفصحى
في الباب الأول، “تنمية المعجم ومواكبة الفصحى”، عتبتان وثلاثة فصول.
في العتبة الأولى، “التوليد المعجمي وآلياته”، والثانية، “القياس وتنمية المعجم”، يتناول المؤلف تنمية المعجم العربي، وطاقات التوليد الخاصة بالفُصحى، وآليات تحديثها وتجديدها وإثرائها وإغنائها. أما في الفصل الأول، “التوليد اللفظي”، فيتحدث المؤلف عن التوليد بالاشتقاق والتوليد غير الاشتقاقي. وتحت التوليد بالاشتقاق، يتناول المؤلف الاشتقاق الصرفي، والإبدال، والقلب، والنحت. أما تحت التوليد غير الاشتقاقي، فيتناول التوليد بالتركيب، والتوليد بالاقتراض. وأما في الفصل الثاني، “التوليد الدَّلالي”، فيبحث المؤلف في المجاز وأهمّيته في تنمية المعجم، متحدثًا عن مسؤولية الأخطاء الناتجة من سوء الفهم لما يُسمَع أو يُنقَل، أو من نقصٍ في اكتساب اللغة اكتسابًا مثاليًا صحيحًا، ولا سيما عند الفرد الذي يستعمل لغةً غيرَ لغته الأم. فهذا الأمر ينتج منه سوءُ استخدام الألفاظ في مواضعها المناسِبة، فضلًا عن استعمالها في معانٍ غير معانيها الحقيقية. ثم يبيّن المؤلف في الفصل الثالث، “حالاتٌ أخرى”، آلياتٍ توليديةً أخرى ذات طبيعة خاصة، و”ذات يَدٍ” في تنمية المعجم بصفة من الصفات؛ إما لصعوبة إدراجها تحت التوليد اللفظي وحده أو الدلالي وحده، وإما لأنها من المباحث التي تحتاج إلى مناقشة قد تُخرجها كُلّيًا، أو جزئيًا، من باب التوليد. وهذه الحالات هي: حالة الترجمة، وحالة الارتجال، وحالة التضمين، وحالة الضرورة الشعرية، والأخطاء اللغوية وتنمية المعجم، وحالة الإدغام.
القاموسية العربية قبل العصر الحديث
خصص المؤلف الباب الثاني، “القاموسية العربية قبل العصر الحديث”، للحديث عن حصيلة الصناعة القاموسية العربية من بدايتها إلى عتَبة العصر الحديث، وعرض أبرز محطّاتها ومراحلها التي قطَعتها في مسيرتها الطويلة، والحدود التي وصلت إليها، مع إعادة توصيفها وتصنيفها، والتوقُّف عند أهم الإشكاليات التي عرفتها، وموقفها المُتشَدِّد من التطوّر اللغوي، والمولَّد والمُحدَث من ألفاظٍ عامة ومصطلحات خاصة.
يشتمل هذا الباب على فصلَين. ففي الفصل الأول، “مرحلةُ التأسيس”، يتناول المؤلف دوافع الجمع والتدوين، ومعايير الفصاحة المعجمية القديمة، والأعمال الأولى والأسس التي قامت عليها، والقاموسية العربية بعد مرحلة التأسيس، كما يجيب المؤلف في هذا الفصل بإسهاب عن السؤال: هل العربية لغةٌ عقيمٌ؟ وفي الفصل الثاني، “شجرةُ القاموسية العربية حصيلةٌ وإعادةُ تَصنيف”، يقول المؤلف: “حصيلةُ ما أنتَجته القاموسية العربية عبر الحِقَب الماضية منذ بداياتها في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) إلى بداية النهضة الحديثة (القرن الثالث عشر الهجري/ القرن التاسع عشر الميلادي)، كانت غنيّةً ومتنوِّعةً شكلًا ومضمونًا، حجمًا ومنهَجًا. شاركَ فيها علماء من أقطار البلاد الإسلامية كلها مشرقًا ومغربًا”.
القاموسية العربية الحديثة والمعاصرة
في الباب الثالث، “القاموسية العربية الحديثة والمعاصرة”، توسَّع المؤلف في دراسة نماذج مختارة من القواميس الحديثة والمعاصرة، والعامة منها على وجه الخصوص، فتناولها من جوانبها المختلفة شكلًا ومضمونًا، مادةً معجمية، وأدواتٍ تقنيةً. وفي هذا الباب فصلان. ففي الفصل الأول، “نحو قاموس للغة العربية حديثٍ ومُتجدِّد”، يتناول المؤلف المادة المعجمية ومَدى مُواكبتها للعصر وتلبية حاجات المُستعمِل، والتقنيات القاموسية ومدى تطويرها وتحديثها. وفي الفصل الثاني، “القاموسية العربية المعاصرة ومدى مواكبتها لتطور الفصحى والتقنيات الحديثة: معجم اللغة العربية المعاصرة نموذجًا”، يتناول خصائص وسِمات، ومناقشات واحترازات (المادة المعجمية: مصادرها، وطبيعتها، ومعالجتها، إضافة إلى التقنيات المستعملة). وبحسب المؤلف، فإن العربية الحديثة “مرَّت بأطوار من التأقلُم والتكيُّف مع الظروف والأوضاع الجديدة تحت تأثير اللغات الأوروبية وثقافاتها وعلومها وفنونها، من جهة، ومُسايَرةً للتطوُّر الداخلي الذي حدَثَ لدى مُستعمِلي الفصحى الذين ارتفَع مستواهم وتحسَّنَ شيئًا فشيئًا بفضل ارتفاع مستوى التعليم وانتشار الوعي الثقافي واللغوي على نطاق واسع، من جهة ثانية. وبعد مراحل من التحوُّل والتغيير، وصلت إلى وضعها الحالي القابلِ بدوره لتحوُّلات وتغيُّرات قادمة بلا شك”. ويضيف المؤلف أنه اختصر هذه المراحل التطوّرية في مرحلتين كبيرتين متمايِزتين: “أُولى حديثة، وكان من أهم خصائصها الاعتمادُ على الاقتراض أكثر من غيره، وثانية معاصِرة، وكان من أهم خصائصها الاعتمادُ على الترجمة والتوليد أكثر من الاقتراض”.
في القاموسية العربية التاريخية
خصَّص المؤلفُ البابَ الرابع، “في القاموسية العربية التاريخية”، للحديث المستفيض عن المشروع الكبير المُدرَج ضمن الآفاق الواسعة للقاموسية العربية، وهو مشروعُ كتابة تاريخ المعجم العربي بكل مَساراته واتجاهاته الممكِنة، وفي هذا الباب ثلاثة فصول. ففي الفصل الأول، “التأريخُ لمُعجَم اللغة العربية: أسئلةٌ وإشكالاتُ”، يرى المؤلف أن “الغاية التي يسعى إليها التأريخ لمُعجَم لُغةٍ من اللُّغاتِ البَشَرية هي الوُصولُ في نهاية الأمر إلى وضعِ كتابٍ نُسمّيه قاموسًا تاريخيًا. وهذا القاموسُ يمكن أن نصوغَ له، بناءً على تصوُّرنا الخاص، وما وقفَنا عليه من نماذجَ في اللُّغات الأجنبية ذاتِ السَّبق في الميدان، تعريفًا مختصَرًا ومركَّزًا فنقول: هو كلُّ قاموس يَصفُ ألفاظَ اللغة ويُؤرِّخُ لها”. وفي الفصل الثاني، “نحو خطة لإنجاز القاموس العربي التاريخي في ضوء التجربة الفرنسية”، يقدم المؤلف لمحةً عن تجربة التأريخ للمعجم الفرنسي، ويدرج ما ينبغي حسمُه قبل خُطّة الإنجاز: تحديد أهداف القاموس التاريخي، وتحديد مفهوم القاموس التاريخي أو تأريخ المعجم اللغوي، وتحديد المادة المعجمية، وتحديد المعلومات التي ينبغي أن تُقدَّم على هذه المادة المعجمية، وصياغة المادة المعجمية وما تشتمل عليه من معلومات. أما في الفصل الثالث، “نحو قاموس تاريخي للألفاظ العربية المهاجِرة (الألفاظ الفرنسية ذات الأصل العربي أو المعرَّب نموذَجًا)”، فيورد المؤلف مسارات التأريخ المعجمي، ويبحث في الألفاظ العربية المُهاجِرة إلى الفرنسية، ويرسم رحلة البحث عن العربيات “المُغتَرِبات”.