صدر عن سلسلة “طي الذاكرة” في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب عبد الرحمن الشهبندر «القضايا الاجتماعية الكبرى في العالم العربي»، في طبعة ثانية بعد أن صدرت الطبعة الأولى في القاهرة في عام 1936.
هذا الكتاب (320 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) بحسب تقديمٍ كتبه صقر أبو فخر، دراسات معمقة كان الشهبندر نشر معظمها في مجلة المقتطف القاهرية بين عامي 1934 و1935، عالج فيها مجموعة من الموضوعات الحيوية التي كان المفكرون العرب يتصدّون لها آنذاك بالبحث والتفكّر؛ مثل المدنية، والمرأة والرجل، ومصير الأسرة الشرقية، والشيوعية والأسرة، والدولة، والحكومة والرعية، والمذاهب السياسية، وأشكال الحكم الصالح، والحركة الكمالية، والاندماج الوطني أو التجانس، والوطنية، والزعامة، ووحدة الأمة، والثورة، والدين والثقافة، وأصل الشعور الديني، والدين والنهضة الأخلاقية الحديثة.
التحرير والبناء
يندرج جميع تلك الموضوعات في سياق رؤية الشهبندر إلى مستقبل العالم العربي، والتي يمكن إيجازها في محورين: تحرير البلاد العربية من الاستعمار، وبناء الدولة الحديثة المتجانسة.
جعل الشهبندر قضية الخلافة والسلطنة، علاوة على فكرة “حكومة القاهرين” ومسألة التجانس (الاندماج الاجتماعي) في بؤرة بحوثه ومقالاته وخطبه، وتوفر دائمًا على التنبيه إلى مزايا فصل الخلافة عن السلطنة، وكان يردد أنّ “ما سُمي بِـ ’الخلافة‘ منذ أعصار [عصور] لم يكن سوى سلطنة مذمومة وحكومة مردودة شرعًا. وأن الذين كانوا يسمّون بِـ ’الخلفاء‘ لم يكونوا غير الملوك والسلاطين”.
وقسّم الشهبندر، في هذا الحقل من المعرفة، الحكم خمسة أشكال، هي: الشكل العصامي الديمقراطي؛ والشكل العظامي الأرستقراطي الاستبدادي الأوتوقراطي؛ والشورى النقابي الشيوعي اللاوطني؛ والفاشستي المتطرف في الوطنية؛ والشكل المستبد العادل أو النيّر، وهو ما اعتبره ملائمًا للحكم ولا يوجد شكل ملائم غيره، وراح يبشر به في البلاد العربية، بالتحديد في الشام والعراق.
من المحيط إلى المحيط
يقول الشهبندر في مقدمة الكتاب: “ليس من قصدنا أن تتناول هذه المقالات التي نشرناها تباعًا في مجلة المقتطف جميع القضايا الاجتماعية الكبرى في العالم العربي؛ فهذه أكثر من أن تتناولها مجلة مهما اتسع صدرها، بل حسبنا أن نخص بالذكر منها هذه الموضوعات الرئيسية التي عالجناها بشيءٍ من الإيضاح ربما لم نكن لنحتاج إليه لو اقتصرنا على الكتابة لمصر أو لسورية أو للعراق مثلًا. أمّا والعالم العربي متسعٌ فسيح يمتد من المحيط إلى المحيط ويحوي أنواعًا من التربية المتفاوتة في الدرجات، فلا بدَّ من ملاحظة هذا التفاوت بتقديم الشروح والإيضاحات الضرورية، مع الإشارة إلى مثل هذه القضايا عند الأمم الأخرى”.
ويضيف: “في الحق أن سهولة الاتصال بين شعوب الأرض وتقريب المسافات بين القارات وشدة الامتزاج بين الثقافات وارتباط المصالح بين الممالك، كل ذلك سينهنه من غرب الذين يزعمون أنهم خلقوا خلقًا خاصًّا كذّب من بعده النسّابون، وسيجعل القضايا الاجتماعية في المجتمع البشري متشابهة وطرق معالجتها متقاربة، لأن الإنسان بالغًا ما بلغ من التأثر ببيئتِه الخاصّة تابع في تدرّجهِ لقواعد اجتماعية عامة مستقاة من تجارب واختبارات متماثلة في جميع الأفراد والجماعات”.