صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب “داخل السور القديم: نصوص قاسم الريماوي عن الجهاد المقدس”، وهو دراسة تحقيقية نقدية، عمد فيها بلال محمد شلش إلى تحقيق مخطوطين غير منشورين لأحد أبرز قادة “الجهاد المقدس”، الدكتور قاسم محمد الريماوي (1918-1982): الأول، تقريره عن الجهاد المقدس المقدّم إلى رئيس الهيئة العربية العليا الحاج محمد أمين الحسيني في عام 1949؛ والثاني، مخطوطه عن عبد القادر الحسيني الذي خطّ مسودته مطلع الخمسينيات. وعرض الباحث تحولات خطاب الريماوي المرتبطة بتحولات نشاطه من العمل في صفوف الجهاد المقدس إلى العمل السياسي، وتحولات الوقائع والتحالفات والصراعات السياسية والاجتماعية المختلفة التي مرت بها المنطقة على امتداد ربع قرن.
يتألف الكتاب (500 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من مدخل وثلاثة فصول.
مختصر سيرة الريماوي
في “مدخل” الكتاب، سرد لسيرة قاسم الريماوي ونصوصه في صورتين: الأولى، قاسم الريماوي المقاتل؛ والثانية، قاسم الريماوي السياسي الفلسطيني/ الأردني، وعودة إلى نصوص قاسم الريماوي، وإلى الصراع على السرديات التاريخية للجهاد المقدس، وإلى ثنائية الإسكات/ الإثبات في تناولٍ لبعض الصراع بين سرديات الريماوي السياسي/ المقاتل.
في الفصل الأول، “مختصر المسيرة”، سرد لما بعد استشهاد عبد القادر الحسيني، وخلافة الحسيني في القيادة، وموقف قيادة الجهاد المقدس في القدس خلال معارك باب الواد، وموقف هذه القيادة بعد دخول الجيوش العربية، وعجزها عن دعم مركز الهيئة العربية العليا أو إيجاد نظام عسكري، علني أو سري، يصلح ليكون نواة لتحرير البلاد. ثم سرد الريماوي للموقف من الجيش العراقي، ومحاولة إحباط مساعي شرق الأردن السياسية، واحتلال مقرّ قيادة الجهاد المقدس في بيرزيت.
من سيرة الجهاد المقدس
في الفصل الثاني، “نصوص من سيرة الجهاد المقدس”، دوَّنَ الريماوي في مخطوطه عن عبد القادر الحسيني تفصيلات حول نشاط الحسيني في ثورة فلسطين الكبرى 1936 – 1939، خلال مرحلتيها الأولى والثانية، يُكتفى منها بشذرات عند الحديث عن علاقة الريماوي بالحسيني خلال هذه الفترة. ويقتصر السرد هنا على نصوص أخرى لخّصت نظرة الريماوي إلى الواقعَين العسكري والسياسي السابقين والمعاصرين لانطلاقة تنظيم الحسيني الجديد وتأسيسه، مع قدومه إلى مصر في شباط/ فبراير 1946.
يتناول السرد هنا حالة البلاد الداخلية في حينه، وفلسطين بلا سلاح، وجذور الجهاد المقدس مع مصر كونها قاعدة الانطلاقة، والإعداد للجهاد المقدس، والاستعداد للحرب، والحرب ضدّ التقسيم (تشرين الثاني/ نوفمبر – كانون الأول/ ديسمبر 1947). ثم يتكلم عن اللجنة العسكرية العربية والقاوقجي، وعن عبد القادر على أرض الجهاد (أواخر كانون الأول/ ديسمبر 1947 – 8 نيسان/ أبريل 1948)، واتخاذ بيرزيت مقرًا للقيادة العامة، ثم الحسيني شهيدًا، فمعارك باب الواد (15-7 أيار/ مايو 1948)، ثم حسن سلامة وإعادة تنظيم الصفوف بعد استشهاده.
شذرات وصور منهوبة
في الفصل الثالث، “شذرات”، سرد عن الصهاينة واحتلال باقي مناطق فلسطين خلال حرب 1947 – 1949، وإبعاد محمود لبيب، وصور بديا المنهوبة: خليل رصاص وصور الجهاد المقدس. هنا، يقدّم الريماوي قصة أبرز الصور التي يتضح أنّها في معظمها ضمن مجموعة واحدة، التقطها خليل رصاص لمجلة المصوّر التي سبق ونشرت بعضها خلال عام 1948، وإضافة إلى أهمية ما يقدّمه الريماوي لتأريخ هذه المجموعة، فإنّ هذا التأريخ يسهم في كشف زيف أحد المدّعين الصهاينة الذي عزا لنفسه التقاط هذه الصور، في أثناء نشاطه المدّعى في صفوف القوات العربية.
لكنّ هذه الشهادة، ومقارنتها بالمجموعة الكاملة للصور التي تتوافر اليوم في أكثر من أرشيف، في إشارة إلى تعدد نسخها، تثبت زيف هذا الادعاء، وأنّ فعل الصهيوني المدّعي لم يتجاوز النهب، وهو ما يدفع إلى ضرورة إعادة النظر في الروايات الصهيونية المتعلّقة بنشاطهم الاستخباري ضدّ القوات العربية عمومًا، ونشاط المتسللين أو المستعربين خصوصًا.