دور المرأة في صُنعِ أفلام وترميم حضور… تساؤلات نقدية

نديم جرجوره

ناقد سينمائي من لبنان

طرح السؤالين لن ينتقص من أهمية القافلة وطاولتها المستديرة، ومن أفلامها المختارة من اشتغالات مخرجات لبنانيات في لحظةٍ قاسية، تعيش بيروت فيها نكبةً جديدة؛ أو من أعمال مخرجات أجنبيات، لهنّ اهتمامات أخرى لن تُحصَر بالمرأة وهمومها وأسئلتها وكيانها وعيشها فقط. طرح السؤالين عاديٌ للغاية،

للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

04/10/2020

تصوير: اسماء الغول

نديم جرجوره

ناقد سينمائي من لبنان

نديم جرجوره

ثلاث ملاحظات تُساق في كتابةٍ عن دورة جديدة لـ”قافلة بين سينمائيات”: 

1- كيفية المُشاهدة

إنّه زمن كورونا. الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي والحرص على الوقاية المُشدَّدة، مسائل مفروضة على يوميات عيشٍ، في عالمٍ يُكافح من أجل خلاصٍ مُنتظر من جحيمٍ يصنعه الوباء، الذي يضع شروطاً أخرى للتواصل بين الناس. المهرجانات السينمائية تواجِه هذه التحدّيات، إمّا بإلغاء دوراتها السنوية، أو تأجيلها إلى وقتٍ “أفضل” (لاحقاً) على الأقل؛ وإمّا بالاستعانة بتقنية الـ”أونلاين”، الرائجة أكثر فأكثر كحلّ (أيكون مؤقّتاً، أو وسيلة أساسية ودائمة للمُشاهدة؟) منذ أشهرٍ قليلة. تجربة “مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي” نموذجٌ يُحتذى. دورته الـ77، المُقامة بين 2 و12 سبتمبر/ أيلول 2020، اختبارٌ لن يكون سهلاً تجاهله أو تجاوزه أو التغاضي عنه، فحِرفية التنظيم في زمن الوباء واضحة المعالم، والالتزام بقواعد السلامة الصحّية العامّة أساسيّ، وهذان سببان لـ”نجاحٍ” مطلوب.

“قافلة بين سينمائيات” مُطالَبٌ باستمرارية. إدارتها مهمومةٌ بتواصل مع جمهورٍ لها، يتشكّل دورة تلو أخرى، منذ الانطلاقة الأولى عام 2008 في القاهرة. التجوّل في الجغرافيا، المعطوف على جولاتٍ في الثقافة والبيئات والتراث والذاكرة، نواة مهرجانٍ معنيٍّ برحلات بصرية متنوّعة، وبصناعة سينمائية معقودة على نساء. اختيار الـ”أونلاين” في نسخة عام 2020 مفروضة على مهرجانٍ لا مكان ثابت له، فالأولوية في برنامجه مرتكزةٌ على التنقّل جغرافياً بين “سينمات نسائية” مختلفة. الـ”أونلاين” أسرع في تحقيق هذا، وأقلّ كلفة، وأقدر على تمدّد جغرافي يُصنع افتراضياً، وهذا جزءٌ من نقاشٍ ثقافي غربيّ يتناول المُقبل من الأيام، بجوانب مختلفة، أبرزها العلاقات القائمة بين الأفراد.

المُشاهدة التي تقترحها “قافلة بين سينمائيات”، في نسختها الجديدة هذه (3 ـ 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2020)، يُفترض بها ألاّ تبقى مجرّد فعلٍ آنيّ، فالمقبل من الأيام يطرح أسئلته، وبعض تلك الأسئلة منصبٌّ على كيفية المُشاهدة السينمائية لاحقاً. تقول أمل رمسيس (المؤٍّسِسة والمديرة)، في تقديم النسخة الجديدة هذه، إنّ عرض الأفلام “أونلاين” يحدث للمرة الأولى، برغبةٍ في بلوغ “جمهور أكبر بكثير”. أيكون هذا سبباً وحيداً لاختيار “أونلاين”، بعيداً عن أي تفكيرٍ بتحوّلاتٍ حاصلة في المشهد السينمائي بسبب كورونا؟ أمْ انّ الـ”أونلاين” قادرٌ، فعلياً، على بلوغ عددٍ “أكبر بكثيرٍ”؟ هذا أيضاً مطروحٌ للنقاش النقديّ.

التأرجح بين ضرورة إعادة فتح أبواب الصالات، مع الالتزام بالقواعد الصحية المطلوبة؛ وتنظيم مهرجانات ونشاطات عبر وسائل بصرية وسمعية، تكاد المُشاهدة السينمائية تنبذها كلّياً، لولا وقائع العيش اليومي في زمن كورونا ومصائبه؛ والانكفاء عن كلّ فعل ثقافي وفني بانتظار التخلّص من الوباء؛ يقول (التأرجح) إنّ الراهن محتاجٌ إلى نقاشٍ، يُفترض به ألاّ يغفل آليات المُشاهدة السينمائية قبل كورونا (التقنيات الحديثة التي تمنح المهتمّ مُشاهداتٍ سينمائية راقية في منزله؛ تمكّن معنيين بالفن السابع من مُشاهدة أفلامٍ، حديثة الإنتاج وقديمه، عبر روابط إلكترونية؛ إلخ.). “قافلة بين سينمائيات”، في أول دورة افتراضية لها، تطرح، وإنْ مواربة، هذا السؤال، رغم أنّ لاختيار أفلامٍ من إنتاجات عامي 2018 و2019 وعرضها يغلبان كلّ نقاشٍ عن ثقافة المُشاهدة الجديدة، وتأثيراتها ونتائجها.

2- تحية إلى لبنان

انفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس/ آب 2020) لحظة تأسيسية لمسارٍ جديد في سيرة المدينة وناسها، وفي تبدّلات البلد وتحوّلات المُقيمين فيه. جريمة سيُقفل ملفّها من دون تحقيقات “واضحة” ومحاكمات “نزيهة”، كالحاصل دائماً في بيئاتٍ سياسية طائفية اجتماعية اقتصادية متحكّمة بالبلد وناسه، ترفض الحقائق، وتحول دون تبيانها أمام من يجب أنْ يكونوا تابعين لا مواطنين. الانفجار نفسه دافعٌ لـ”قافلة بين سينمائيات” إلى اختيار لبنان كـ”بلد ضيف”، في لحظة شاهدةٍ على انهياراتٍ جديدة، تُصيب السينما وصناعتها فيه، وتطرح علامات استفهام جدّية ومُقلقة على مستقبل السينما والصناعة والعاملين/ العاملات فيها. والـ”تحية” موجّهة “إلى لبنان”، لا إلى بيروت، وهذا سؤال جوهري في التركيبة اللبنانية المحتفِلة، في الأول من سبتمبر/ أيلول 2020، بالذكرى المئوية الأولى على إعلان “دولة لبنان الكبير”. سؤال يُتوقّع منه أنْ يُعيد طرح مسألة العلاقة بين المدينة والبلد، ثقافياً وجغرافياً واقتصادياً.
 

التحية نابعةٌ من الآنيّ، وفيه انقلابات أقسى وأعنف من انقلاباتٍ سابقة: نضال نقابيّ وطالبيّ من أجل حقوق مهدورة، عشية اندلاع الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)؛ اندلاع تلك الحرب والتغييرات التي تُحدثها في الاجتماع والعمارة والثقافة والسياسة والحياة اليومية، كأنّ عنوان فيلمٍ قصير للراحلة جوسلين صعب، “بيروت لم تعد كما كانت” (35 دقيقة، معروضٌ يومي 3 و4/ 10)، مرآة شفّافة وقاسية للتحوّل الفعليّ وشبه النهائي والسلبيّ للمدينة، رغم أنّ الفيلم مُنجز عام 1976. أفلام “تحية إلى لبنان”، المعطوف عليها عنوانٌ فرعي يُعتبر ركيزة للتحية (إعادة بناء الذاكرة)، تستعيد محطات وحالات لبنانية، للفلسطيني فيها حيّزٌ أساسيّ، بحكم العلاقة الملتبسة بين الشعبين، والعلاقة المعقّدة والصدامية بين سلطة لبنانية، تتميّز بعنصريتها التي تُسيِّر أفعالها إزاء الفلسطينيين، كعنصريّة لبنانيين كثيرين أيضاً (وإزاء كلّ عربيّ وأجنبيّ، وإزاء لبنانيين أيضاً، لأسبابٍ مختلفة)، وشعب مهجّر (أفلام الثنائي مي المصري وجان شمعون، ودانا أبو رحمة ونبيهة لطفي).

“إعادة بناء الذاكرة”، الممثّلة بـ12 فيلماً وثائقياً بأشكالٍ سينمائية مختلفة، تُصبح عنواناً لطاولة مستديرة (7 مساء 10/ 10 بتوقيت القاهرة) تُناقِش “دور صانعات الأفلام في ترميم الذاكرة اللبنانية” (إدارة هدى إبراهيم، ومشاركة رنا عيد وماري جرمانوس سابا ورين متري وساره فرنسيس ورانيا رافعي وعرب لطفي، ولجميعهنّ أفلامٌ مشاركة في التحية، باستثناء الزميلة إبراهيم). الأفلام نفسها، أو بعضها على الأقلّ، منخرطٌ في مسألة العلاقة بين السينما والذاكرة، بخفر ومواربة وتحايل، أو بوعي واضح. التفاصيل المبثوثة في بعض الأفلام ـ التي تستعيد ماضياً سابقاً على اندلاع الحرب الأهلية، ولحظاتٍ منها، وأوقاتاً عدّة من السلم الأهليّ الناقص والهشّ ـ تقول شيئاً من ذاكرةٍ قبل أنْ تُصبح ذاكرة. فتوثيق لحظاتٍ وأحداثٍ وحالاتٍ من الحرب أثناء حدوثها غير مكترثٍ حينها بحماية ذاكرةٍ من الاندثار، بقدر اهتمامه بالتوثيق نفسه، كفعلٍ بصريّ وثقافي وأخلاقي، وباللحظة والحدث والحالة أيضاً. مُشاهدتها لاحقاً تكشف أنّ بعض تلك الأفلام يُصبح توثيقاً لذاكرة، وتحصيناً لها، وترميماً لوقائعها.

أفلامٌ أخرى “تُرمِّم”، فعلياً، تلك الذاكرة، بإعادة إنتاج صُورها وحكاياتها وتفاصيلها وانفعالات ناسها وعيشهم وأنماط اشتغالاتهم حينها، إمّا بتواصل مباشر مع شهودٍ لها أو عارفين بها أو عائشين إياها، وإمّا بتمثيل هذا كلّه في إطار بصري ينحو باتجاه الوثائقيّ، جاعلاً من المتخيّل تمريناً سينمائياً على توثيق مختلف، كما في “74، استعادة لنضال” (2012، 95 دقيقة، يوما 4 و5/10)، و”شعورٌ أكبر من الحبّ” (2017، 93 دقيقة، يوما 5 و6/ 10) و”ليالٍ بلا نوم” (2012، 128 دقيقة، يوما 10 و11/10).

3- إلغاء كل ما له علاقة بالرجل، مُخرجاً أو ناقداً أو عاملاً في شأنٍ سينمائي أو ثقافي أو فكري

القافلة معنية بالسينمائيات. العنوان واضح وصريح ومباشر. هذا عالمٌ يُراد له أنْ يستقلّ عن كلّ شيء وكلّ أحدٍ، أو ربما هكذا يُستشفّ منه. الفصل بين الجنسين في صناعة سينمائية (كما في غيرها من شؤون الحياة والثقافة والعيش والفنون) غير مستحبّ، فالسينما أكبر من أنْ تُربط بجنس صانع أفلامها وبجنسيته، رغم أنّ للجنس والجنسية/ الهوية تأثيرات ومنطلقات وآليات عملٍ وإحساس وتفكير.

هذا نقاشٌ محتاجٌ إلى حيّز مختلف. القافلة نسائية، وهذا جزءٌ من حركةٍ تبغي تمايزاً في مجتمعٍ عربيّ ذكوريّ بامتياز، وذكوريته قاتلة، ومواجهة ذكوريته فعلٌ يوميّ، يتمثّل جانبٌ منه في إيجاد مساحات تختلف وإياه وتتناقض معه، لما في تلك المساحات من أفكار ومشاعر وأهواء وأمزجة وأقوالٍ جديرة بالانتباه والمتابعة والنقاش. الاستقلالية الكاملة للقافلة تؤكّد خصوصية الاحتفال بسينما تصنعها المرأة، وتتناول كلّ ما له علاقة بها، وإنْ يظهر رجلٌ أو أكثر، هنا أو هناك، فهذا يهدف إلى منح المرأة حيّزاً أكبر لقولٍ يواجِه الرجل أحياناً، ويتواصل معه أحياناً أخرى.

الطاولة المستديرة نفسها منفضّة عن الرجل، فالنقاش يتناول دور المرأة المخرجة في صنع أفلامٍ، وفي نبش فصولٍ من الذاكرة، وفي إحياء ماضٍ يُراد له نسياناً أو تغييباً، وللرجل غالباً دورٌ في النسيان والتغييب. لكنّ سؤالين يُطرَحان: هل يُفيد حضور رجل نقاشاً كهذا، بعيداً عن مفهوم “الرأي والرأي الآخر”؟ هل تُثري مشاركتُه النقاشَ، أم أنها تسلبُ المرأةَ اكتمالَ حضورها، بعيداً عنه وعن رأيه ووعيه واختلافه مثلاً؟

طرح السؤالين لن ينتقص من أهمية القافلة وطاولتها المستديرة، ومن أفلامها المختارة من اشتغالات مخرجات لبنانيات في لحظةٍ قاسية، تعيش بيروت فيها نكبةً جديدة؛ أو من أعمال مخرجات أجنبيات، لهنّ اهتمامات أخرى لن تُحصَر بالمرأة وهمومها وأسئلتها وكيانها وعيشها فقط. طرح السؤالين عاديٌ للغاية، رغم أنْ لا إجابة واضحة، فالأهمّ كامنٌ في تمكّن النقاش من تبيان معالم جديدة متعلّقة بالمرأة والسينما والذاكرة.

للاطلاع على البرنامج ومشاهدة الأفلام… هنا.

 

الكاتب: نديم جرجوره

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
عن السيرورة والصيرورة
10 أفلام عظيمة عن الوحدة (ترجمة)

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع