فلسطين: من البحر إلى أين؟

Sliman Mansour, Letter Y, 2009, oil on canvas

عبد الرحمن شبانة

كاتب من فلسطين

عالقة في البدايات رغم قدرتها الظاهرية على الحركة. تماماً كما هي البلاد فوق الخرائط، دارت عجلات دراجتها الهوائية سنتيمترات قليلة فوق سطح مياه راكدة، كمياه بحيرة طبريا التي مشى عليها المسيح عليه السلام. البعض قال إن المياه تجمدت، والبعض قال أنه مشى بقدميه المباركة على سطح الماء الراكد. 

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

08/12/2020

تصوير: اسماء الغول

عبد الرحمن شبانة

كاتب من فلسطين

عبد الرحمن شبانة

وقيم معارض. أصدر ديوانه الشعري الأول «اجتراح المكان» في ٢٠١٥، وافتتح معرضه الأول «قريب لا آراه، بعيدٌ أمامي» عام ٢٠١٧. شارك في إنتاج العديد من المعارض والفعاليات الثقافية والفنية، وعمل كمنسق مشاريع وقيم معارض في الحقل الثقافي الفلسطيني بالإضافة إلى عمله كمخطط مدن. يعمل حاليا كقيم فعاليات ثقافية مستقل.

فلسطين: من البحر إلى النهر

أخذتنا الشعارات من أماكن إلى أماكن، عرّفت لنا بينها الأشياء وأطلقت عليها الأسماء، فمن البحر إلى النهر هي فلسطين، ومن المحيط إلى الخليج هو الوطن العربي، لا حدود له، ولا استعمار، ولا طوائف، ولا تخاذل. 

تعددت اللاءات واندثرت الفوارق بيننا في أطلس البلدان الأخضر الذي امتلكت، كان لون الوطن العربي الشاسع متناسقاً حتى اهترأ الأطلس وتمزقت صفحاته وضاعت، هربت خارطة فلسطين من بين صفحاته لتتعلق على حوائط  الصالونات في بيوتنا بعدها لوقت قصير، حتى ضاقت بها الخرائط المعلقة، فاستكملت الهرب وتنكرت بالفكرة دون الحدود، واختبأت بين السطور. 

فلسطين: من الغلاف إلى الغلاف

لنتخيل الغلاف، لنتخيل حدود فلسطين.

سأتخيل حدود فلسطين الغربية في مكان ما في أفق البحر الأبيض المتوسط، وحدودها الشرقية في مكان ما في الأفق الشرقي، ورغم أن التجربة أثبتت ضيق المسافة على أرض الواقع، إلا أنّي وبكل وقاحة سأفترض صلاحية الخرائط المعلقة.

البحر في مكانه، وإلى الشرق سأقف عند أول حاجز.

سأرسم الحد الغربي في الأفق تحت مغرب الشمس، وأعود ماشياً إلى الساحل بتأني قبل الخوض في غياهب الشرق. 

سأفكر حتماً بما قاله لي أبي، البحر ملوش أمان. 

علينا الحذر، فقد حمل لنا ذلك البحر أعتى الغزاة كما حمل لنا أحدث الاختراعات. 

حمل البحر لنا الأشياء، وحمل منّا الكثيرين.

إثر كل ضربة موج، قلّب البحر حدودنا الغربية، وأعاد تشكيل فلسطين مرات لا متناهية؛ ها قد أتى أهل بحر إيجة وها قد رحل نابليون، ها قد أتت مغازل القطن الحديثة وها قد رحلنا نحن.

من المؤكد وقبل الرحيل، شحنّا عدداً ضخماً من صناديق البرتقال في قواربنا الصغيرة، وخضنا مياه ميناء يافا الضحل نحو مراكب الشحن الكبيرة، التي انتظرت مسافة آمنه عنّا وعن هذه البلاد.

حد فلسطين الحديثة إذاً حيث وصلت قوارب صناديق البرتقال الصغيرة، حيث انتظر الغريب. 

 

تحميل صناديق البرتقال، ميناء يافا، بدايات القرن العشرين، مجموعة خليل رعد

أسقطت عواصف الشتاء العديد من الصناديق عن تلك القوارب الصغيرة، ورمتها على شواطئ البحر. ففي جريدة حكومة فلسطين الصادرة في آيار 1935، نشرت حكومة الانتداب البريطاني جداول بيانات تناولت البلاد بحذافيرها، وإحدى تلك الجدول الطويلة، جدول يبين قطع الحطام المستعادة من الشواطئ. 
 

جدول الحطام المستعاد من البحر، جريدة فلسطين الحكومية، ايار 1935

 

في يوم واحد فقط، 6 كانون الثاني 1935 استعيد 1،510 صندوق برتقال من 36 علامة تجارية، أعادهم البحر إلى شاطئ منشية يافا. 

بعض صناديق البرتقال آثرت خوض الموج والبقاء داخل حدود فلسطين.

عادت الصناديق، لتجمعها قلة بقيت على الشاطئ، حدقت بها ثم رفعت رأسها إلى الأفق تتحسس حد البلاد الغربي الجديد. قلة أخرى صعدت الجبال وراقبت البحر من علو، ولم تكترث للنظر شرقاً بعد. قلة أخرى تاهت في بلاد الله الضيقة وهي تبحث عن مساحة من البلاد بين البحر والشاطئ، جميعنا يعلم أن بدايتنا هناك، من الغرب، حيث البحر، تحت مغرب الشمس.

فلسطين: من البحر إلى الشاطئ

حتى يعرّف نسبه المسلوب ويؤكد حقه الضائع، اصطدم الفلسطيني أينما كان بمهمة استكمال البحث عن حدود البلاد، تلك البلاد التي تكبّرت على ذاتها وعليه وهربت من الخرائط.

لاحقها الفلسطيني في عالم فوق الخرائط، انصهرت فيه خطوط الحدود الصلبة وتميعت لترسم حلمه المقدس بقلم الواقع القاسي.

في عمله الفني، لاحق الفنان عايد عرفة حدود البلاد، فتجاوز المرئي واستحضر صوت الموج المسموع ليتدبر به المشهد المعقد.

لم يرفع عرفة رأسه إلى الأفق، بل أغلق عينيه واستمع إلى صوت الموج، محاولاً الإنصات إلى فلسطين خارج حدود الخرائط. 

رسم البحر في المخيلة، وتحالف مع حاسة سمع المتلقي دون أن يحذره من فتح عينيه. إن اكتفى المشاهد بالصوت، فهنيئاً له حدود البلاد اللانهائية، وإن تابع فسيرى الوهم متمثلاً بأكوام الورق. 

اختبر عرفة أزمة فلسطين الفكرة والدولة، فأراد أن نختبر الواقع دون إضافة أو نقصان، دون هيام في الحلم.

كأنه يقول لنا:

من رأى ليس كمن سمع، وكلاهما ليسا كمن حدق مستمعاً.
 

إلى أين، نور عابد، مهرجان مركز كنستبانكين هيدمارك للفنون، هامار  النرويج، 2011

وفي بحثها عن حدود البلاد المائعة، حملت الفنانة نور عابد جسدها في عملها الفني الأدائي “إلى أين”، إلى البحر، وبدأت منه المسيرة نحو الشاطئ. حاولت جاهدة العبور بلا طائل، حرّكت بدّالات دراجتها الهوائية دون جدوى. 

الوجهة إلى لا مكان، 

عالقة في البدايات رغم قدرتها الظاهرية على الحركة. تماماً كما هي البلاد فوق الخرائط، دارت عجلات دراجتها الهوائية سنتيمترات قليلة فوق سطح مياه راكدة، كمياه بحيرة طبريا التي مشى عليها المسيح عليه السلام. البعض قال إن المياه تجمدت، والبعض قال أنه مشى بقدميه المباركة على سطح الماء الراكد. 

ربما انتظرت نور عابد معجزة هي الأخرى.

فلسطين لم تصل بعد، ما زالت بين البحر والشاطئ، أو كما في نبوءة عابد،

ما زالت هناك، تراها قادمة لكنها لن تصل.
 

ننشر المادّة ضمن ملفّ «الساحل الفلسطيني»، المشترك بين جمعيّة الثقافة العربيّة وفُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة ورمّان الثقافيّة، في إطار «مهرجان المدينة للثقافة» والفنون الذي تنظّمه الجمعيّة خلال هذا شهر.

هوامش

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع