صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب “المستدرك في يوميات عدنان أبو عودة – فلسطين: الأرض، الزمن ومساعي السلام – يوميات ووثائق”، وهو يعرض محطات مفصلية في العلاقات الأردنية – الفلسطينية، بتفاصيلها الموثّقة في محاضر ووثائق واجتماعات رسمية، كان عودة مشاركًا فيها، فيرسم صورة واضحة لمسار هذه العلاقة التي هدفت إلى تحقيق اتحاد كونفدرالي، وتأهيل منظمة التحرير الفلسطينية للمشاركة في مباحثات السلام ضمن وفد أردني – فلسطيني مشترك. وتكشف اليوميات ما أحاط بتلك المباحثات من لقاءات عربية ودولية، وصولًا إلى انهيارها وإعلان فكّ الارتباط القانوني والإداري بين المملكة الأردنية الهاشمية والضفة الغربية.
نتج هذا الكتاب الذي يستدرك بعض ما غاب عن يوميات عدنان أبو عودة، المنشورة سابقًا، من قصاصات خُطّت بيده، وتقارير ومحاضر سُجّلت بتفاصيلها، أو إيجازٍ لها، والتي يمكن من خلالها قراءة تاريخ المنطقة في ما يخصّ منظمة التحرير الفلسطينية ومكانتها الدولية، وعلاقاتها الثنائية مع المملكة الأردنية الهاشمية، مما كان يُعتبر أسرارًا.
1972-1981
يتألف هذا الكتاب (736 صفحة بالقطع الوسط) من خمسة فصول. في الفصل الأول، “بين عامي 1972 و1981″، يتناول أبو عودة انتخابات مجالس البلديات في الضفة الغربية، والموافقة الأردنية المشروطة على مشاركة منظمة التحرير في مؤتمر جنيف في مرحلة لاحقة، وأجوبة الولايات المتحدة الأميركية عن أسئلة المملكة الأردنية الهاشمية الأربعة عشر، واجتماع ألكسندر هيغ والملك حسين، ورسالة الملك حسين إلى رونالد ريغان، وإيجاز أنور الخطيب عن الوضع في الأرض المحتلة، واللقاء مع اللورد بيتر كارينغتون، وشروط لقاء عرفات بوزير الخارجية البريطاني، وأخيرًا الموقف من اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات. عن هذا الموقف يقول: “دخلتُ مكتب دولة الرئيس [مضر بدران]، ذكرتُ له كيف أنّه بعد تناول الإفطار يوم عيد الأضحى، قبل عشرة أيام، استدعاني موظف التشريفات لمقابلة جلالته، قال: ’أذكر ذلك‘، قلت: ’استبقاني جلالته حوالي عشرين دقيقة، ليقول لي إنّ البيان الذي أصدرتُه أمس عن مصرع السادات لم يكن كافيًا، وإنّه يفكر في إعطاء تصريحٍ ما لإحدى شبكات التلفزيون الأميركية، لأنّه لا يجوز السّكوت في مثل هذا الموقف الإنساني. التحق بنا حينئذٍ كلّ من سمو الأمير حسن ودولة رئيس الديوان [أحمد اللوزي]. قلتُ لجلالة الملك إنّ البيان الذي صدر كان جيدًا على الصعيد الأردني، وقد تلقّيتُ مكالماتٍ تليفونية من عدد من الأصدقاء والمعارف يشكرونني عليه، لأنّني لم أُورّط الأردن بموقفٍ محرج؛ وهو بهذا المعنى يكون قد أدّى الغرض. أما ما يقترح جلالته فسيكون ثمنُهُ عاليًا، فلماذا يدفع جلالته هذا الثمن عن الأمة العربية لموقف إنساني معيّن؟ لم يُرضِ جوابي جلالته. وأخذت أُداور كي لا يُغامر بما كان في ذهنه. وهنا تدخّل الأمير حسن وأنقذ الموقف حينما قال: ربما كان من المفيد التريّث، لأنّ العالم الآن في مرحلة ردّ الفعل العاطفي، وبعد أسبوع سيتحوّل إلى مرحلة التحليل، وربما أجّل جلالته ذلك إلى تلك الفترة. شعرتُ بأنّ الأمير أنقذني، وسارعتُ إلى تأييد وجهة نظره، وكذلك فعل رئيس الديوان”.
1982
يتحدث أبو عودة في الفصل الثاني، “عام 1982″، عن لجنة تشجيع الهجرة اليهوديّة المعاكسة، ومقابلة نيكولاس فيليوتس، والتعاون مع منظمة التحرير الفلسطينية، وفتح باب التطوّع للعراق، وعن تهديد إسرائيلي دفاعًا عن روابط القرى. يقول عن هذا التهديد: “جاء من نابلس الحاج نشأت عمران، وكان مضطربًا حينما نقل لي رسالة تهديدٍ شفوية من الكولونيل هواري والكولونيل كرمول، مساعدي مناحيم ميلسون، بطل برنامج الإدارة المدنية في الأرض المحتلة. مفاد الرسالة أنّ السلطات الإسرائيلية لن تتهاون معي، ولا مع رئيسي مضر بدران، إذا تعرّضنا لروابط القرى؛ لأنّ هذه الروابط ستنجح، ولن يسمح الاحتلال بزعزعة الثقة فيها أو إضعافها، وأنّ إسرائيل تعلم أنّ كل كلمة تظهر على التلفزيون بخصوص روابط القرى هي كلمة عدنان أبو عودة، فهو المسؤول. وحينما أراد الحاج نشأت أن يفهم ماذا يعنون، لبعده عن إدراك المعاني السياسية للروابط، قالوا له: ’إنّك لن تفهم ذلك، وكل ما نريده أن تذهب إليه وتبلّغه هذه الرسالة؛ إنّ لإسرائيل أيضًا تلفزيونًا، وهي تستطيع استخدامه ضدّ عدنان ورئيسه مضر؛ فلدى السلطات الإسرائيلية [ملفٌ كبيرٌ] عنهما، ليس أقلّها أنّها ستعيد للذاكرة موقف عدنان من الفدائيين الفلسطينيين عام 1970‘”.
كذلك يتحدث عن كون سورية مصدر تهديد، والحوار في واشنطن، والحرب العراقية – الإيرانية، والسعي السوري لتحسين العلاقات، والعشاء مع أسامة الباز في عمّان، وحركة ناطوري كارتا، والأفكار الأميركية الجديدة، والرسالة الموجهة إلى ياسر عرفات، وتقرير حول أعمال مؤتمر القمة العربية، وتشكيل لجنة أردنية – فلسطينية لوضع تصوّر العلاقة المستقبلية، والرفض الأميركي لمشاركة منظمة التحرير في المفاوضات، والاجتماعات الأردنية – الفلسطينية في عمّان، وورقة من الملك حسين إلى ريغان في واشنطن ورد حكومة الولايات المتحدة على “ورقة المُحادثة” المقدّمة من جانب المملكة الأردنية الهاشمية.
1983
في الفصل الثالث، “عام 1983″، يتناول أبو عودة في هذه المذكرات إيجازًا في مجلس الوزراء عن جولة الملك حسين، والجولة الجديدة من اجتماعات اللجنة الأردنية – الفلسطينية، والتقرير حول اجتماعات هذه اللجنة، والمناورة نحو سورية، وتقرير دولة الرئيس عن جولة الملك حسين للكويت والبحرين وقطر وعُمان، واللقاء مع فهد القواسمي، واللقاءات في قمة حركة عدم الانحياز، وتقرير حسيب الصباغ عن اجتماعات تونس، وركائز الاتفاق الثنائي، ووساطة سعود الفيصل. يقول عن هذه الوساطة: “تناولت طعام الغداء مع عدد من المسؤولين على شرف الأمير، وحضر الغداء أحمد اللوزي، وأبو شاكر [زيد بن شاكر]، وحسن إبراهيم، وعلي السحيمات، أما المضيف فقد كان مروان القاسم. وفي فترة الغداء، دردشنا عن الأوضاع، وبالذات عن المنظمة وأبو عمّار، ولاحظت – كما لاحظ الجميع – أنّ الأمير سعود كان يدافع عن أبو عمّار ويجد له الأعذار لعدم اتخاذه قرارًا حاسمًا، سواء كان بالقبول أو الرفض القاطع لمبادرة ريغان. وحجة الأمير أنّ أبو عمّار في الجزائر لم يكن في وسعه أن يفعل غير ما فعل حتى يُبقي على وحدة المنظمة ويتجنّب التصفيات. ولدى مناقشة الأمير في أنّ الإجماع الفلسطيني على التحرّك السياسي لن يتحقق في يوم من الأيام، وأنّ المطلوب هو تحرّك الغالبية أو الأكثرية، ردّ الأمير بأنّ هذا لا ينجّي عرفات من إمكانية الاغتيال. المهم أنّ الأمير في لحظة ما أدرك أنّه يدافع بانفعال واضح عن موقف عرفات، الأمر الذي جعله يقطع حديثه ويقول: ’اعذروني في أنّني أحاول أن أكون فقط محامي الشيطان‘”. كذلك يتناول اللقاء مع فاروق القدومي، والاجتماعات الفلسطينية – الأردنية الجديدة، والتوصّل إلى اتفاق والتراجع عنه، والتعديلات المقترحة من جانب منظمة التحرير الفلسطينية، والاجتماع مع وزير الخارجية الأميركي في قصر الندوة، والشروط الأميركية للموافقة على قرار مجلس الأمن الخاص بالاعتداء على جامعة الخليل، والوساطة الأردنية في لبنان، ولقاء الأمير حسن مع هنري كيسنجر في نيويورك، والمذكرة التي قدّمها هاني الحسن لوزير خارجية فرنسا، واللقاء مع يفغيني بريماكوف.
1985
يستذكر أبو عودة في الفصل الرابع، “عام 1985″، زيارة الملك حسين لبغداد، ووجود عرفات ورفاقه على مائدة الملك، وزيارة ريتشارد ميرفي، واللقاءات في واشنطن، ومؤتمر القمة العربية غير العادية (الدار البيضاء، 1985)، واجتماع عرفات والرفاعي، وترتيب زيارة وفد أردني – فلسطيني للمملكة المتحدة، والتهديد بقصف عمّان. يقول عن هذا التهديد: “جاء السفير الأميركي في عمّان [بول بويكر] ووجهه متجهمٌ، وجلس وقال: ’لديّ أخبارٌ غير سارة‘. كان صوت الملك خشنًا نتيجة إنفلونزا أصابته قبل يومين، ومع ذلك كان يدخّن سجائر من النوع الخفيف. سأله الملك: ’قل لنا ما لديك‘. قال السفير: ’لقد أبلغت إسرائيل السفير الأميركي توماس بيكرينغ أنّ لديهم معلومات أنّ المنظمة التابعة لأبو عمّار هي المسؤولة عن عملية لارنكا، وأنّهم لذلك سيضربون مقرّهم في عمّان‘. أضاف السفير أنّ توماس حاول جهده ليردّ، وقال: ’سنستاء جدًا من هذا العمل‘. لكن انطباعه بقي أنّ إسرائيل ستضرب المنظمة في الأردن، لأنّ محاولة قتل الإسرائيليين أثارت أوساط الشعب والحكومة، وأنّ اليمين الإسرائيلي هائج ويزاود على وزير الدفاع. أنهى السفير كلامه. وقبل أن يجيب جلالة الملك، بادر الرئيس بالاستئذان من جلالة الملك، وقال: ’سآمر فورًا بإبعاد رئيس المنظمة المدعو أبو الطيب عن عمّان لفترة من الوقت‘، وقال للسفير: ’هذا هو إجراؤنا‘”.
ويستمر في الحديث عن الوقوف بين الخيارين السوري والفلسطيني، واختطاف أكيلي لاورو ولقاء مع حسني مبارك، وفشل لقاء لندن، والرفض السوفياتي لاتفاق عمّان، ووجود خالد الحسن في عمّان لتنقية الأجواء، واجتماع الملك حسين والرئيس حسني مبارك في قصر الندوة، وزيارة بغداد، واجتماع الملك بياسر عرفات، واجتماع الملك مع الوفد السوفياتي.
1986-1988
أما في الفصل الخامس، “بين عامي 1986 و1988″، فيتحدث أبو عودة عن الإعلان عن انهيار الاتفاق الأردني – الفلسطيني، والانتفاضة والرسالة من الرئيس الأميركي رونالد ريغان، ومقابلة فيليب حبيب والملك حسين. عن الرسالة من ريغان يقول: “اتصل الرئيس [رونالد] ريغان مع جلالة الملك هاتفيًا مساء يوم الخميس، 28/1/1988، وقال لجلالته ما يلي: إنّ الأحداث في الأراضي المحتلة أصبحت مصدر قلق شديد لنا، وقد بلّغنا إسرائيل عن انزعاجنا من تصرفاتها بلغة واضحة وفعّالة. المظاهرات، العنف، الإبعاد، والإضرابات، كلها توضّح أنّ عتبة جديدة قد قُطعت في الضفة الغربية وغزة. الشعب الفلسطيني غير مستعد أن يبقى ساكنًا، وإسرائيل مرتبكة ولا تعلم كيف ستتعامل مع الانتفاضة. التطوّرات المحتملة تشكّل خطرًا على المنطقة بأسرها، الطريقة الوحيدة لمجابهة هذه التطوّرات -في رأيي – هي إعطاء الفلسطينيين سببًا للأمل وليس لليأس. نحن بحاجة إلى مبادرة سلام فعّالة تؤدي إلى نتائج ملموسة، وبسرعة. نحن جميعًا لا نستطيع أن نتقبل استمرار الوضع الراهن، ونحن على استعداد لبذل محاولةٍ جديدة. وهذه المرة نعالج المواضيع الجوهرية المتعلّقة بالتسوية النهائية والإجراءات المرحلية. أرغب في إرسال فيليب حبيب لمقابلتكم لشرح تصوّرنا. قد يقول البعض إنّ هذه السنة هي سنة انتخابات في أميركا، وإنّ الوقت غير مناسب لطرح مبادرات جديدة، لكن لم أكن حتى الآن سياسيًا تقليديًا، ولا أنوي أن أصبح تقليديًا في آخر سنة من حكمي. إذا لم نتحرّك الآن، فإنّني أعتقد أنّنا سنندم جميعًا”.