النضال السياسي والجنساني والنقد الثقافي في “الشرائط المصورة للجيل العربي الجديد”

علاء رشيدي

كاتب من سوريا

يستخدم الفنان الفلسطيني المتعدد الوسائط عامر الشوملي يستخدم اللوحات والأفلام والوسائط الرقمية والمنشأة والرسوم والشرائط المصورة كأدوات لاستكشاف المشهد الاجتماعي والسياسي في فلسطين والتفاعل معه، ويتناول جزء كبير من عمل الفنان إنشاء واستخدام أيقونات الثورة الفلسطينية.

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

04/01/2022

تصوير: اسماء الغول

علاء رشيدي

كاتب من سوريا

علاء رشيدي

النهضة السياسية لفن الشرائط المصورة العربي

يربط القائمون على معرض “الشريط المصور العربي: الجيل الجديد” والذي أقيم في دار النمر ببيروت، بين تشرين الأول وكانون الأول، بين النهضة الحديثة لفن الشرائط المصورة والحراك السياسي العربي الذي بدأ منذ عقد من الزمن. جاء في البيان التعريفي: “يلقي هذا المعرض الضوء على الجيل الجديد من الفنانين والفنانات الذين أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من المشهد الفني في العالم العربي. جمع هذا المعرض “الجيل الجديد” ما يزيد عن 60 فنان شرائط مصورة و 11 مجموعة من جميع أنحاء العالم العربي، والذين لعبوا دوراً نشطاً في صعود وانتشار فن الشرائط المصورة للبالغين في المنطقة”. وبالإضافة إلى الفنانين المستقلين يقدم المعرض مجموعة أعمال فنية تعود إلى مشاريع بارزة في مجال فن الشرائط المصورة من مجلات مطبوعة أو مواقع إلكترونية أو مبادرات اجتماعية، ومنها: مجلة السمندل، توك توك، جراج، مجلة حبكة، حلال مجلة إلكترونية، زيز، سكف كف، فنزين، مخبر 619، ومبادرة كوميك لأجل سورية. 

تظهر الأعمال الفنية المعروضة تنوعاً في الأساليب، والأنواع، والموضوعات. وكما يشير البيان المرافق في المعرض فبالإمكان القول أن فن الشرائط المصورة خلال العقد الماضي في العالم العربي ركز على الموضوعات السياسية والاجتماعية والأخلاقية بشكل جلي. فبالإضافة إلى الحكايات الممتعة والتي تنطوي على عبرة، فإن العديد من الأعمال حملت الهم السياسي والإجتماعي. فحضرت موضوعات مثل: الجنسانية، حرية التعبير، الصراعات المسلحة والحروب، الدمار، عوالم الطفولة، وكذلك القصص النفسية والذهنية المتعلقة بالحياة المدينية خصوصاً.

النضال الفلسطيني والحكايات السورية بين الاعتقال والنزوح

يستخدم الفنان الفلسطيني المتعدد الوسائط عامر الشوملي يستخدم اللوحات والأفلام والوسائط الرقمية والمنشأة والرسوم والشرائط المصورة كأدوات لاستكشاف المشهد الاجتماعي والسياسي في فلسطين والتفاعل معه، ويتناول جزء كبير من عمل الفنان إنشاء واستخدام أيقونات الثورة الفلسطينية. العمل المشارك به بعنوان “المأساة، 2014” يجسد الرحلة المرعبة والخطيرة التي تعيشها حمامة هي رمز السلام، وتحمل الحكاية بعداً رمزياً في العلاقة بين الحرية والخطر والسلام. في عمله المعنون “زان الآن، 2008” نجد سلسلة من الصور التي تصور الشاعر محمود درويش في لحظات إلقاء قصيدته “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، وفي أسفل الصور نجد حضوراً شبابياً يحلم بالرسمة. يخلق العمل تواصلاً روحياً وفكرياً بين الجيل الشاب الحاضر في الرسمة، وبين مقولة محمود درويش في مضمون القصيدة المذكورة.

أما مجموعة الرسامين السوريين الذي اجتمعوا لتأسيس مبادرة “كوميك لأجل سورية، 2012” كان هدفهم التوثيق، وهم يعرفون في البيان الخاص بالمجموعة بأنهم يسعون لرواية حكايات الأمهات الثكالى والمعتقلين والنازحين. تهتم أعمال الفنان السوري سلام حسن على رواية حكايات من واقع العيش السياسي والاجتماعي في سورية، في واحد من أعماله يروي حكاية اعتقال الأمن لشاب يشارك في المظاهرات، ويرصد الفنان ردود أفعال الشخصيات الاجتماعية من حول المعتقل، ويرسم مشاهد العنف في أحد الأحياء الشعبية ومن ثم داخل المعتقل . ويركز في عمل مستقل على توصيف واقع الاعتقال وأفعال العنف والأجساد البشرية الضعيفة المتعرضة للجوع والتعذيب. وفي عمل بعنوان “طريف سفر” يروي حكاية امرأة تساعد شاب يتعرض للتوقيف في باص النقل العمومي فتدعي أنه ابنها وأن هويته ضائعة لحمايته، وترغب القصة أن تنقل حكاية عن التعاضد الاجتماعي في ظل القمع.

ثقافة الطفولة في ظل القمع، وحضور الحرب الطاغي

من الفنانات المستقلات، تعمل الفنانة السورية ديالا برصلي على موضوعات التربية الثقافية للأطفال، وتفكيك البصريات في نظام التعليم القومي في المدارس السورية. يركز أحد أعمالها على التربية الحزبية للأطفال، وشعارات ورموز الحزب الحاكم الحاضرة في المدارس، وتبين إغراق الحزب الحاكم للعالم البصري للطفولة برموزه ومقولاته، وفي عمل آخر تبين كيف يتحول طلاب المدارس إلى مقاتلين في الحرب، أما في العمل الثالث فتصور عالم الاعتقال، حيث المكان يكتظ بالرؤوس المتراصة المتقاربة المحشورة بطريقة مأساوية، بألوان الرمادي والأبيض تسجل صورةً من عالم الزنازين المكتظة. يقارب أيضاً الفنان الجزائري سليم رزوقي موضوعات سياسية جريئة، فمنذ العام 2011، أنشأ أول مدونة شرائط مصورة له ابتكر فيها شخصية “يحيى بولحية” وهو شخصية سلفية ذات طموحات صريحة: “كل يوم فتوى جديدة لتطهير المجتمع من النساء والحيوانات”. ويتناول سياسة الهجرة الأوروبية في كتابه الثاني “كيف تنجح في الهجرة غير الشرعية،2021”.

وتحضر الحرب في أعمال الفنان الجزائري إبراهيم رايس، الجزائر، فأعماله التي تحمل عناوين “عابرو الطريق، 2011″، و”اعتداء بوغافر، 2017” تزخر بالمشاهد التي تجسد الحرب والاشتباكات المسلحة، وتركز على عبثية العنف الجماعي، والرعب الذي يحيق بالجنود كفرادى، في إحدى الأعمال نلحظ عينين مجوفتين مذعورتين لجندي تغطي كامل مساحة القماش وتنقل للمتلقي شعوراً بالذعر الرهيب. وتحضر أيضاً مشاهدات الحرب في أعمال الفنان التونسي (سيف الدين ناشي) وهي تتنوع بين الحكايات التي تجري في عالم من العنف أو القصص التي يحتل الجنود الشخصيات الأساسية فيها. 

الهوية الوطنية وأسئلة الأنا والآخر

في مجال النقد الثقافي، تحضر الفكاهة السياسية والثقافية في أعمال الفنانة اللبنانية رواند عيسى التي تجمع في أعمالها الرموز الثقافية والسياسية إلى جانب العناصر الهزلية، وتمتلك نظرة ساخرة على الهوية الوطنية. في عملها “الطفار، 2021” نجد مسلحين يجلسان في فترة استراحة تحت شجرة كبيرة، لكن الوضعية الأقرب إلى الطفو في الهواء توحي بالهزل والمفارقة بين لحظة القتال ولحظة الراحة، بين البندقية والشجرة. في عملها “النهضة اللبنانية،2021” تتجاور رموز الاقتصاد اللبناني مثل الطيارة، السيارة المستوردة، مع ساحة الشهداء ومع صورة الفدائي الذي يحمل بندقية. إن المجاورة بين مضيفة الطيران المرحبة بالسياح وبين المسلح المتخفي خلف الطائرة يوحي بالعناصر المتناقضة التي تشكل الواقع اللبناني. 

أما في أعمال الفنان التونسي سيد علي دكار، فتحضر موضوعات الأنا الوجودية، الذات التي تحمل أسئلة حول هويتها خصوصاً في عمله المعنون “أنا فقاعة، 2017” حيث نجد بوتريهات الشخصية الرئيسية تجسد الأسئلة الوجودية التي يطرحها على نفسه، وتصطبغ تعابير الشخصية بنوع من الألم التعبيري والوجداني، أما عمله الثاني بعنوان “شغف الحلاج، 2019” فيصور بطريقة تركيبة على عدة مستويات حادثة صلب الشاعر الصوفي الكبير. أما حكايات الأردني حسان المناصرة فتدخل في تفاصيل الحياة اليومية في المدينة ومنها نتلمس الرؤية الأخلاقية للفنان من خلال سلوكيات الشخصيات والمواقف التي توضع بها، كما في عمله “غسالة أتوماتيك قميص أحمر وكلسون شاحب، 2017″، التي يمزجها بروح كوميدية ترافقنا مع مزاج البطل الأساسي في الحكاية.

قضايا المرأة والجندر والجنسانية

من مجموعة “زيز” تبرز رسومات اللبنانية نور حيفاوي في تناولها لموضوعات المشاركة السياسية للمرأة، عملها الفني الذي يجمع القصة المكتوبة والقصة المصورة يحمل عنوان “يسقط الخوف” يروي حكاية شابة أو امرأة تخرج من صالة السينما للمشاركة في المظاهرات السياسية التي انطلقت في البلاد، ويدقق النص على التفاصيل الدقيقة للمشاعر، على القلق من القيود والجرأة، على العلاقة بين الداخل الفردي والحدث الجمعي الذي يجري من حول الشخصية، إنها بالتحديد عن لحظة قرار امرأة بالمشاركة بالحدث السياسي. وكذلك تجسد رسومات الفنانة التونسية نهى الحبيب مشاهد من مشاركة المرأة في الحراك السياسي في تونس، فنجد النساء يرفعن شعارات الكرامة وحقوق التشغيل.

وتحضر موضوعات الجنسانية والجندر في أعمال الفنانة المغربية مريم مسفيوي تجمع بين الأنماط المغربية التقليدية وعناصر من الفن الإسلامي والتصميم الجرافيكي مع موضوعات الجسد. فتبتكر بأعمالها مزيجاً من الفن التقليدي المحمل بتفاصيل الجسدي. في عملها “مرآة، 2020” يظهر جسد أنثوي بين القناطر الخشبية المزخرفة على طريقة الأرابيسك، وفي عملها بعنوان “حب كويري، 2021” تقدم أجساداً متعددة الجنسانية في لحظات حميمية، بين القبلة المثلية أو المداعبة الغيرية، بين أجساد من حضارات مختلفة، كأن العمل يحاول أن يجسد بصرياً التعدد العاطفي والجنسي. ويبدو الفنانة مشغولة بقضايا المرأة، في نقد واضح للعادات والتقاليد المتعلقة بالبطريركية، في واحدة من أعمالها نجد عبارة مكتوبة عند اللباس الداخلي النسائي، تخاطب الرجل بالقول: “شرفك مش هنا” في إدانة إلى ثقافة الرقابة والتحكم برغبات المرأة. أسست الفنانة مجلة “حلال”، تعرف عنها: “هي مجلة إلكترونية توفر مساحة من الحرية للتعبير عن الذات لجنوب غرب آسيا وشمال افريقيا وتشكل مساحة خالية من المحرمات، تهدف المجلة للتخلص من الإخضاع والسلبية كونها ساعية للتحرر”.

كذلك تبرز في مجال حقوق المرأة، ومواضيع الجنسانية أعمال الفنانة المغربية زينب فاسيكي التي تقارب موضوعات ثقافية وأخلاقية مثل: الحشمة والسفور، العار والعيب، ومنذ عام 2014 اشتهرت برسم جسدها العاري على وسائل التواصل الاجتماعي لكسر حظر عري الإناث في الفن في البلدان الإسلامية. في عملها “حشومة، 2019” نجد كيف تتحكم القيم المفروضة بالشكل الفردي والحرية الجسدية، وفي عملها “النظرة الذكورية، 2020” نجد العين الذكورية في عمق الرسمة تتلصص على المرأة المنقبة كما تتلصص على المرأة بثياب البحر، إنها نظرة الآخر المتسلط المبنية على الهوية الجنسية. في عملها “القماش السياسي، 2019” يتجاور الحضور النسائي العاري والمنقب ليسائل وعي المتلقي عن هوية جسد المرأة، أهو المرتبط باللباس أم المرتبط بالأعضاء؟

القصص الذهنية والفانتازية

أما في مجال القصص والعوالم النفسية والذهنية والفنتازية، فتتميز الحكايات المصورة التي يقدمها الفنان اللبناني جورج أبو مهيا بالعالم النفساني والذهني المركب، وتبدو شخصياته في حالة عزلة أو ركود في قاع المجتمع، أغلب الشخصيات تتواجد في أماكن متسعة فارغة مما يزيد من المسحة التعبيرية في رواية الحدث الحكائي. يجمع عمله بعنوان “مدينة مجاورة للأرض، 2016” بين العوالم الفانتازية وعوالم التعبيرية الألمانية. وكذلك الحال مع العوالم التي يبتكرها الفنان اللبناني جوزيف قاعي، مع عالم لوني شفيف بألوان قليلة لكن صعبة التحديد يروي حكايات يجمع فيها بين العالم الفردي الداخلي للشخصيات والأماكن العامة في المدينة، وتكتسب حتى أكثر مشاهد رسوماته قسوةً بعداً شاعرياً وحلمياً. وتبتكر الفنانة الجزائرية نوال لوراد عالماً مينمالياً فلسفياً خاصاً، نجد فيه الحضور الإنساني في عوالم فانتازية، وتعيش الشخصية نوعاً من التحول على امتداد الصور التي تشكل عملها بعنوان “نهاية العالم، 2018” عملية التحول بين الحالة الإنسانية والحيوانية، لنجد في داخل الجمجمة الإنسانية في الرسمة رؤوس الآخرين التي تتشكل منها الذات، هو عمل عن العلاقة بين الأنا والآخر، بين القناع الذاتي والاقتحام الأخروي.

وتحضر المدينة بيروت في العديد من الأعمال بشكل خاص تولد اللبنانية زينة أبي راشد عالماً ثقافياً يجمع بين بيروت والفرانكوفونية، أما في عمل “بداوي، 2015” للفنانة الفلسطينية ليلى عبد الرزاق فإن المدينة تحضر برموزها الثقافية ولكن أيضاً بالكلمات الخط العربي التي تداخلها الفنانة في رسوماتها، فنجد كلمة “بيروت” مخططة بمساحة واسعة من الرسم، ومكتوبة بطريقة فنية باللغة الانكليزية والعربية.

معرض 'الشريط المصوّر العربي اليوم: الجيل الجديد' بإشراف القيّمين على المعرض لينا غيبة وجورج خوري (جاد)، وبرعاية “طش فش”، وبتنظيم “مبادرة معتز ورادا الصوّاف للشرائط المصوّرة العربية” في الجامعة الأميركية في بيروت.

الكاتب: علاء رشيدي

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع