في كتابه الجديد “اسمي العلني والسري محمود درويش” الصادر عن دار الأهلية، الأردن 2022، يضيء الكاتب محب جميل على صوت جديد للشاعر محمود درويش، من خلال جمعه حوارات أجريت مع الشاعر في الفترة الممتدة بين عامي 1971 – 1982، ليكشف الكتاب عن آراء محمود درويش بالتجربة السياسية وعلاقته بالنقاد وموقفه من الشعر والشعراء، أجرينا هذا الحوار مع الباحث والكاتب المصري محب جميل الحاصل على شهادة الصحافة من جامعة الأهرام الكندية والترجمة في الجامعة الأميركية في القاهرة والذي يكتب في العديد من الصحف والدوريات العربية حول الأدب والموسيقى والفن التشكيلي، ليخبرنا عن الكتاب وأهميته وتجربة العمل عليه.
ضمن أسئلة كثيرة نود في البداية أن تحدثنا عن الطريقة التي تحدد فيها مواضيع كتبك التي تعمل عليها.
غالبًا أبحث عن الموضوعات التي لم تُطرق من قبل. ولذلك أؤمن أن في كل شخصية مبدعة مساحة لم تأخذ حقها من تسليط الضوء عليها. منذ بدأت الكتابة وأنا أفتش عن الشخصيات التي تستحق أن يُكتب عنها، نظرًا لأهمية الدور الذي لعبته في مجالها أو التأثير الذي أحدثته هذه الشخصية في من حولها أو الذين لحقوها. لا يهمني أن أعمل على موضوعات متكررة أو أؤلف كتبًا لا تضيف أي جديد أو تصوّب معلومات تخصّ هذه الشخصية أو تلك. فالمهم أن يكون العمل فريدًا في مجاله ويضيف للقارئ معلومات جديدة. أقرأ عشرات الكتب من حين لآخر وأطالع العناوين الجديدة ويشغلني سؤال وحيد: ما الجديد الذي تضيفه هذه الكتب إلى القارئ وما الفائدة من طباعة هذه الأعمال التي لا تحتوي على معلومات جديدة؟
هناك كتب فعلاً تناولت حوارات درويش مثل كتاب “الطروادي الأخير” الصادر عن دار “كنعان للدراسات والنشر” ما الجديد الذي يقدمه الكتاب وما الجوانب الجديدة التي يتحدث عنها؟
كلامك صحيح. لكن هذه المرة جمعَ الكتابُ حوارات محمود درويش في الفترة ما بين عامي 1971 و1982؛ أي في مرحلتي القاهرة وبيروت. وكما تعلم فهذه الحوارات لم يسبق جمعها في كتاب من قبل مع استثناء ثلاثة منها نوّهت عنها في نهاية الكتاب وكانت إضافتها ضرورية جدًّا حتى تكتمل الصورة. وهذه الحوارات تضيء بشكل موّسع على الحياة التي عاشها (درويش) خارج الأرض المحتلة. وفيها يتحدث عن رؤيته للعالم العربي عقب الاحتكاك به بشكل مباشر وليس عن طريق الصحف أو أجهزة الراديو. ونقرأ باستمرار رأيه في طبيعة الحياة اليومية حوله وموقفه من الشعر والشعراء والقضايا النقدية التي تشغله ورؤيته للمرأة وبالتأكيد فلسطين. كما أننا نتعرف إلى طبيعة ردود فعله حول صدور أعماله الشعرية والنثرية حينها وموقفه تجاه النقّاد. ونتعرف عن قُرب عن حاله أثناء اندلاع الحرب القاسية في لبنان والحصار الإسرائيلي لبيروت.
تقول في مقدمة الكتاب أنه لطالما تم الاهتمام بدراسة شعر ونثر الشاعر محمود درويش من الإيقاع إلى اللغة والصور الشعرية بينما هذا الكتاب يضيء على “صوت محمود درويش وهو بطل الحكاية” حدثنا عن هذه الفكرة ومدى الحاجة إليها.
نعم. ما أعنيه هنا أن أعمال محمود درويش الشعرية والنثرية قد حظيت بعدد وفير من الدراسات النقدية والكتابات الصحافية بشكل عام. ولذلك فضّلت أن تكون حواراته هي الراوي الرئيسي لتلك الفترة التي سبق وذكرتها. وأظن أن هذه الحوارات تضيء بشكل موّسع على هذه المرحلة بكل تفاصيلها وتشابكاتها. فالباحث سيجد أمامه مادة شديدة الثراء تجعله يعيد النظر في العديد من الأفكار والمفاهيم التي تخصّ هذه الأعمال الشعرية وطبيعة الفترة التي صدرت خلالها. كما أنه سيتعرف إلى العديد من المعلومات والإجابات التي صدرت عن (درويش) مباشرةً تجاه مواقف بعينها وليس عن طريق صديق أو راوٍ.
لماذا اخترت مرحلة المقابلات الممتدة بين القاهرة وبيروت في فترة ١٩٧١ ـ ١٩٨٢ وليس غيرها؟
في ظني أن هذه الفترة كانت فارقة في مسيرة محمود درويش الشعرية والحياتية. وفيها أخذ شعره مسارًا مختلفًا وجنوحًا أكبر نحو آفاق من التجديد والتطور. فابتعاده عن الأرض المحتلة واحتكاكه بالشعراء العرب جعلاه ينظر إلى الأمور بشكل مختلف. مما وفرَّ له مناخًا جديدًا يختبر من خلاله علاقة قصيدته بالأشياء المحيطة إلى جانب عمله على المحافظة على نَفسه الشعري الخاص به. لقد حاول إيجاد هذه المعادلة المتزنة بين رغبته في التجديد والحفاظ على نبرة صوته. وأضف إلى ذلك أن هذه المرحلة للآسف لم تحظَ بالقدر الكافي من التوثيق والدراسات إلا في بعض الأعمال المحدودة.
ما هي العقبات التي واجهتك أثناء العمل على الكتاب؟ وطبعاً تأمين الحوارات هل اعتمدت على البحث في أرشيف الصحف والمجلات أو أرشيف المحاورين؟ وهل هناك مقابلات كنت تتمنى الحصول عليها ولم تحصل عليها فعلاً؟
كان تجميع هذه الحوارات وترتيبها، أمرًا شاقًا جدًّا. فأغلب الصحف والدوريات التي نشرت هذه الحوارات قد أغلقت بالفعل. ولذلك كان الحل الوحيد هو البحث في الأرشيفات والمكتبات المعنية بالوثائق والأرشيف الصحفي للحصول عليها. ولا أنسى أبدًّا العديد من الأصدقاء المخلصين في بيروت والذين كنت أطلب منهم حواراتٍ بعينها فيوفروها لي بكل سرور. وأظن أنك قد تفاجئ إذا علمت أن هناك حواراتٍ أخرى قُمت باستبعادها من الكتاب لأنني رأيت أنها لم تكن بمستوى باقي الحوارات كما أن بعضها يتكرر ولا يضيف جديدًّا!
تشكل دار النشر جزء كبير من الكتاب ما الذي أضافته دار نشر “الأهلية” للكتاب وكيف ترى تجربة النشر في الوطن العربي حالياً؟
من فترة بعيدة وأن أرغب في التعاون مع دار الأهلية للنشر والتوزيع لصاحبها ومديرها الأستاذ أحمد أبو طوق. فكان يلفت نظري الأغلفة الأنيقة التي ينفذها الشاعر والفنان زهير أبو شايب كما أن الدار تولي اهتمامًا خاصًا بالأعمال الشعرية والنقدية. ولذلك فقد خرج الكتاب في صورة أنيقة كما تخيلته وأظن أنهم يقومون بدور متميّز في توزيع الكتاب بشكل لائق على مستوى الوطن العربي. ليست هذه المرة الأولى التي أنشر فيها عربيًّا فقد سبق ونشرت كتابين في دور نشر عربية وليس في مدينتي القاهرة. فأنا أرغب باستمرار أن تصل كتبي إلى قراء من مناطق جغرافية مختلفة في وطننا العربي.
أخيراً ما الذي يشغلك في الوقت الحالي وما هي المشاريع التي تستعد للعمل عليها؟
أنتظر بشغفٍ كتابي حول مطربي ومطربات مصر في النصف الأول من القرن العشرين والذين لمعوا بين الإذاعة والسينما الغنائية. وفيما يخصّ المشاريع الأخرى صدقني حتى الآن لم أستقر على مشروع بعينه لأن الأفكار غالبًا تداهمك بشكل مفاجئ ودون ترتيب فإما أن تتحمس لها وإما أن تتركها تمامًا!