تحتفل “آفاق” بالذكرى الخامسة عشرة لتأسيسها يوم السبت 16 تموز (يوليو) بحفل موسيقي تحييه أبرز الوجوه الفنية لموسيقى الشباب العربي اليوم.
تأتي الذكرى في وقت ملائم، إذ يمكن القول إنها تتزامن مع نضوج المشاهد الموسيقية الناشئة في العالم العربي. لكن، ليس ذلك فقط. فقد ساهمت آفاق بشكل مباشر وغير مباشر في نمو المشاهد الفنية والموسيقية المتنوعة وتطوّرها على امتداد المنطقة.
سمح هذا التورُّط واسع النطاق، والثابت عبر الخمسة عشر عامًا الفائتة، لمؤسسة “آفاق” بالشراكة مع “معازف” مجلة الموسيقى العربية المؤثّرة التي أطلقت عام 2012 بدعم من “آفاق”، بإعداد هذا الحدث غير المسبوق.
في تضافر لخبراتهما وسعة اطلاعهما، أعدّت “معازف” و”آفاق” تشكيلة فنية تعكس الوجوه المتعددة والمتنوّعة لموسيقى الشباب العربي اليوم. من المغرب إلى الخليج، جمعنا أكثر الفنانين ابتكارًا، ممّن ارتقوا ليمثلوا مشاهدهم الموسيقية ويقودوها. عندما نقول غير مسبوق فنحن نعني ذلك حرفيًا، إذ لم يسبق أن حاول أحدٌ إعداد تشكيلة فنية على هذه الشاكلة.
من المغرب، يسعدنا أن نأتي بفنانٍ من رتبة صنور. أخذ هذا المغربي المقنّع المُتَع النغميّة للتراب الشمال إفريقي إلى مستويات جديدة، مع رؤية فريدة لا تشبه أحدًا. هذا أول ظهور لصنور في المنطقة، رغم ما عرف به في المشرق العربي من هوكّات تسبب الإدمان وفيديوهاته واسعة الخيال، التي يصمم رؤيتها ويخرجها بنفسه.
إن كان المغاربة أسياد التراي (التراب المتأثر بالراي)، يحق للتونسيّين إعلان ريادتهم لراب متطوّر، عنيف ومفعم بالطاقة. لذا حرصنا على جلب كاتيب، الفنان الغامض والمتفجّر، الذي بالكاد تستطيع باراته الموسيقية وفيديوهاته احتواء طاقته. كاتيب بليغ تقنيًا من دون أن يضحي بالبعد الفنّي لأعماله. ورغم أنه قديم في الساحة، إلا أنه يستمر بإعادة ابتكار نفسه، وبإلهام الناشئين في تونس والعالم العربي.
من مصر، القلب النابض والمعتل للعالم العربي، نأتي بعرضَين يمثلان المستوى والشعبية اللذين يمكن للموسيقى المبتكرة في العالم العربي تحقيقهما. فنان مثل “ويجز” دليلٌ على أن الموسيقى يمكن أن تكون جماهيريّة وعلى مستوًى فنّي عالٍ في آن. على عكس الاعتقاد الشائع، لا يتناقض الاثنان.
لطالما كان رهاننا في “آفاق” و”معازف” على أن الموج سيرسو على شاطئٍ جديد، وعلى أن فنانين مثل “ويجز”، الذي تابعناه عن قرب منذ أعوام مراهقته، سيصبحون نجوم البوب. هذا يحدث بالفعل، ونحن متحمسون أننا نشهده ونحتفي به.
ضيفنا الآخر من مصر هو الثنائي الوايلي ودنيا وائل. بينما جاء صعود الوايلي على حين غرّة، راكَمَ في رصيده سلسلة من الإصدارات القوية التي تؤكد أنه هنا ليبقى. يقدّم تعاون الوايلي مع دنيا وائل رؤيةً جديدة للمهرجانات. يركب صوت دنيا فوق أصوات الوايلي الإلكترونية، وبصورة أوسع، البوب العربي.
إذا كانت القاهرة قلب العالم العربي النابض، ففلسطين روحه، والتي باتت تفيض عنه مؤخرًا. يسرّنا تقديم صانعي الأغنية الأيقونية “إن أنّ”. صدرت الأغنية في 2021، وأصبحت بسرعة نشيدًا للمقاومة. تجاوز جمهورها عشاق الراب، قابضةً على قلوب الناس من كل العالم العربي، ومذكرةً إيانا أنه يمكن للناس أن يتحركوا بالقوة الفنية الدافعة ذاتها. كان الناسٌ من كل ميادين الحياة يحملون كلمات ضبّور في الشوارع، ويحيلون إليها على السوشيال ميديا، ويقتبسونها في التلفزيون. لمس ضبور شيئا عميقًا وحقيقيًا في أغنيته الأولى الضاربة، وأخذ المشهد إلى المرحلة التالية. ما كان ليتحقق ذلك لولا النّاظر، الذي حملت بيتاته (beats) كلمات ضبور بحذق وفجّرت كل طاقتها الكامنة. منذ “إن أنّ”، أنتج الثنائي، بصحبة شب جديد، تُحفًا لم تصدر بعد، لكن سنحت لنا الفرصة سماعها. لذلك، كلنا حماس أن يسمع جمهور بيروت هذه الأنغام الغامرة للمرّة الأولى.
ثم هناك” دافن شي”، فاتحٌ بزغ من حيث لا نعلم ليربك خوارزميات البث على كل المنصات في العالم العربي. لمست كلماته الرشيقة والعميقة، مع الإنتاج المتقن والمصقول من صانع بيتاته، خيّاط، شيئًا من الواضح أن الشباب العربي لا يستطيع مقاومته. يستعيد الفنان السوداني المقيم في السعودية تقليدًا شعريًا عتيقًا وينعشه فوق بيتات تراب جذّابة. لم يؤدّ “دافن شي” عروضًا حية حتى الآن، ونحن متحمسون لمنح هذه الموهبة الصاعدة أداءها الأوّل، إلى جانب هذه المجموعة من النوابغ.
ما كان ليكتمل البرنامج من دون الموهبة الرائدة من لبنان، “الراس”، عرّاب المشهد البيروتي. ما زال “الراس” يستثير النقاش ويطرح أسئلة صعبة وإجابات دقيقة. كان تأثيره على شوارع بيروت ملموسًا بأوضح شكل أثناء ثورة أكتوبر 2019، التي لم يقدم لها الموسيقى التصويرية فحسب، بل شكّل حركتها. كتب الناس بالجرافيتي سطوره على جدران بيروت، وحولوا كلماته مصدر إلهام.
بينما تعثّرت وعود الثورات العربية، ما زالت النهضة الثقافية مستمرة. هذا ما نقدمه لكم في “ميدان”؛ أفضل تمثُّلات جيل راهن بكل ما لديه على بزوغ عهدٍ جديد.