صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب “من السلاح إلى السلام: التحولات من العمل المسلح إلى العمل السياسي السلمي” لمجموعة مؤلفين، وهو من تحرير المؤلف المشارك فيه عمر عاشور. ويضم هذا الكتاب 480 صفحة، ويشتمل على 13 فصلًا، وقائمة ببليوغرافية، وفهرس عام.
لماذا تقرر منظمة مسلحة ما أن تتخلى عن العنف السياسي و/ أو الإرهاب، وتنزع الشرعية عنهما؟ ومتى يقرر زعيم تمرّد مسلح تحويل حركة التمرد إلى حركة اجتماعية غير عنيفة؟ وكيف تتحول ميليشيا راديكالية إلى حزب إصلاحي؟ ولماذا تحدث هذه التحولات الجماعية من العمل المسلح إلى النشاط السلمي في المستويات السلوكية والأيديولوجية والتنظيمية؟ وما شروط إطلاق هذه العمليات وشروط استمراريتها؟ هذه هي الأسئلة الرئيسة التي يتعامل معها هذا الكتاب لتحليل التحولات الجماعية من السلاح إلى السلام.
يبدأ الكتاب بشهادة قائدَين، من قادة التحولات الجماعية، شاركا في قيادة منظمتين مسلحتين مختلفتين جدًّا، ويشتمل على تحليلات نوعية لمتخصصين تزيد على 20 حالة مختلفة، في أكثر من 15 دولة، بعضها ديني، وبعضها يساري، وبعضها الآخر إثنو-قومي؛ وذلك في أوقات الأزمات، والصعود العالمي للشعبوية القومية، واستمرار التطرف العنيف. ولا بد من أن تساهم النتائج التي توصّل إليها الباحثون في التحول الديمقراطي، وإنهاء الحروب الأهلية، وبناء السلام، ومكافحة التطرف العنيف والإرهاب.
النبذ الجماعي للراديكالية
يعرض عمر عاشور في الفصل الأول من الكتاب، “مراجعة النبذ الجماعي للراديكالية: منظور مقارن”، نظرة عامة تحليلية للظاهرة، وتعريفًا لمصطلحاتها العلمية، ومتغيراتها السببية، ومساراتها الديناميكية، ويستعرض بعض الحالات التجريبية، مقدمًا بذلك إطارًا نظريًا لعمليات التحول الجماعي، ومناقشًا المصطلحات ذات الصلة المستخدمة في مقاربة هذه القضية وتحليلها. ويبيّن الباحث، من خلال التطرق إلى أبرز حالات نبذ الراديكالية الجماعي والتحول من النشاط السياسي المسلح إلى النشاط السياسي السلمي التي نوقشت في هذا الكتاب، كيفية تأثير التحولات ونبذ الراديكالية في الانتقال الديمقراطي، والمصالحات الوطنية، وبناء السلم، والعلاقات المدنية – العسكرية، وإصلاح قطاع الأمن، ومكافحة التطرف والحيلولة دون حدوثه، ومكافحة الإرهاب والتمرد المسلح.
تُعدّ جنوب أفريقيا، مثلًا، دولة حدثت فيه تسوية تفاوضية ناجحة، نقَلتها من كارثةِ حربٍ أهلية فعلية – اتَّسمت بالمجابهة المسلحة والانتفاضات الجماعية – إلى نهايةٍ سلمية، وكانت حصيلة ذلك الاستعاضة عن نظام الفصل العنصري (Apartheid) البغيض عالميًا بنظام ديمقراطي. وأصبحت هذه الحالة نموذجًا لحل الصراعات المسلحة في أماكن أخرى، وإنْ كانت لا توجد حالتَان متطابقتَان بطبيعة الحال. وقد أثبت حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (The African National Congress, ANC)، الذي قاد هذا الكفاح، أنه قادر على العمل في بيئة تشمل كلا النشاطَين: السياسي المسلح، والسياسي غير المسلح. وفي هذا الصدد، يتأمل روني كاسريلز، وزير استخبارات جنوب أفريقيا سابقًا، وأحد مؤسسي “رمح الأمة”، الجناح العسكري لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، في الفصل الثاني، “من الرصاص إلى الاقتراع: دروس من جنوب أفريقيا”، تجاربَه الشخصية بوصفه رجلَ دولة وقائدًا في حرب مغاوير ثورية، ويحلل التحديات التي واجهها حزب المؤتمر وجناحه العسكري في أثناء الانتقال إلى النشاط السياسي السلمي.
ويقدّم الفصل الثالث، “الجماعة الإسلامية في مصر: من المواجهة المسلحة إلى العمل السياسي – شهادة”، أيضًا، شهادةً أخرى أدلى بها زعيم من الطرف الآخر للطيف السياسي ومنطقة أخرى من القارة الأفريقية. إنه أسامة رشدي المتحدث السابق باسم الجماعة الإسلامية المصرية، والمستشار السياسي السابق لحزب البناء والتنمية. ويتضمن هذا الفصل تأملات شخصية للباحث حول التطورات المختلفة في أيديولوجيا التنظيم وهيكليته، من حركة طلابية إلى حركة جهادية، ويتضمن كذلك تأملات مرتبطة بعملية التحول إلى حزب سياسي ونزع الشرعية عن العنف السياسي والإرهاب.
التحولات الجماعية للفاعلين المسلحين دون الدولة في سورية والعراق
يستكشف حمزة المصطفى في الفصل الرابع، “من السلاح إلى المفاوضات: تقييم تحولات الحركات الإسلامية السورية: دراسة مقارنة بين ’أحرار الشام‘ و’جيش الإسلام‘ و’فيلق الشام‘”، التحولات الأيديولوجية والخطابية والسلوكية والتنظيمية التي مرّت بها ثلاث حركات إسلامية مسلحة في سورية على مدى السنوات التسع الماضية. ويتناول الباحث في هذا الفصل موضوعًا لم تبحثه، على نحو كافٍ، الأدبيات التي تحلل التحولات من دون نبذ الراديكالية، والتطورات السلوكية والأيديولوجية أثناء القتال من دون التخلي عن السلاح. ويقيِّم الباحث، في هذا الفصل، التداعيات الاستراتيجية والتأثيرات المحتملة بشأن مستقبل الحرب الأهلية السورية.
وفي الفصل الخامس، “جيش المهدي والتيار الصدري: الصراع على الهوية والتحوّل”، يحلل حيدر سعيد تحولات جيش المهدي في العراق. ويجادل بأن هذه الميليشيا هي خارج النمط المشترك للعلاقة بين الأحزاب الأيديولوجية العراقية وأجنحتها المسلحة. ويركز على الأسباب الكامنة وراء تحولات جيش المهدي؛ منذ تشكيل الميليشيا في عام 2003 حتى عام 2020. ويحاجّ الباحث بأن هذا الجيش لم يكن فصيلًا مسلحًا، بالمعنى التقليدي، وأنه كان أشبه بحالة “تعبئة عامة” للمجموعة الشيعية في العراق، وبقدر ما كان جيش المهدي الخطوةَ التنظيمية الأولى للتيار فإن وجود الذراع المسلحة ظل ركنًا جوهريًا، يتحكم ويحدّد تطورَ التيار. ويبيّن الباحث أنّ السجال على حجم العمل المسلح أفضى إلى صراع على هوية التيار بين جناحين: جناح مع أن يبقى التيار تنظيمًا مسلحًا، وآخر مع أن يتحول إلى العمل السياسي.
التحولات الجماعية المقارنة ومحاولات نبذ الراديكالية في أوروبا الغربية وجنوب آسيا
يحلل غوردون كلوب في الفصل السادس، “تعادل أم هزيمة؟ كيف انتقل الجيش الجمهوري الإيرلندي من السلاح إلى السلام؟”، عملية نبذ الراديكالية في الجيش الجمهوري الإيرلندي المؤقت. ويجادل بأن استراتيجية مكافحة الإرهاب التي اتبعتها حكومة المملكة المتحدة سهّلت نشوء ديناميكيات داخل الحركة مكّنت فاعلية الانتقال إلى النشاط السلمي. ولتفسير هذه التحولات، يحلل الباحث التفاعل بين هيكلية التنظيم وفاعليته على مدى فترتين. فالفترة الأولى هي التي أدّت إلى اتفاق الجمعة العظيمة، أما الثانية فهي الفترة التي أعقبت الاتفاق.
وفي الفصل السابع، “حركة إيتا والكفاح المسلح في إقليم الباسك (1959-2018)، يفحص نيك هاتشين التحولات لدى فصائل حركة إيتا وابتعادها عن النزعة الانفصالية الإثنية – القومية العنيفة. ويجادل الباحث بأن حلّها كان وراءه جزئيًا قادة سياسيون لليسار القومي الباسكي، وبأن شخصيات سياسية مرموقة صدّقت عليه بالضرورة من خلال تفاعلات خارجية معهم. ويتناول الباحث، على نحو مفصَّل، المتغيرات الستة الموضحة سابقًا (القيادة، وضغوط القتال/ المسار المسلح، والتفاعلات، والحوافز، والدمقرطة، والدعم الإقليمي/ الدولي)، ويصف العملية التي أدت إلى حل إيتا، ويشرح كيفية حل المنظمة وأسباب حلّها.
يقدم توماس هوارد جونسون في الفصل الثامن، “طالبان الأفغانية ومفاوضات السلام: هل نبذت طالبان الراديكالية؟”، تحليلًا نقديًا لتحولات طالبان الأفغانية، ويطرح سؤالًا في الوقت المناسب: هل نبذت طالبان الراديكالية بعد هذه السنوات والتحولات التي مرّت بها؟ يركز الباحث على تأثير القيادة والتفاعلات الخارجية والدعم الإقليمي والدمقرطة في تحولات طالبان. ويتناول التأثيرات المترتبة على مشاركة حركة طالبان في اتفاق الدوحة للسلام مع الولايات المتحدة الأميركية، وتوقيع الحركة هذا الاتفاق، بناءً على وساطة دولة قطر.
من السلاح إلى السلام: حالات من أميركا اللاتينية وأفريقيا
يحلل ألدو ماركيسي في الفصل التاسع، “تحولات بعد ’هزائم‘ حالات حركة التوباماروس واليسار المسلح في أميركا اللاتينية”، تحوّل منظمات مسلحة إلى أحزاب سياسية وحركات اجتماعية في سياق الدمقرطة إبّان الثمانينيات والتسعينيات في بلدان المخروط الجنوبي لأميركا اللاتينية. ويركز الباحث على ثلاثة متغيرات تعتبر جزءًا لا يتجزأ من فهم الطرق التي نجحت بها المنظمات المسلحة في التكيف مع الأنظمة الديمقراطية الجديدة: القيادة، وقمع الدولة، والتفاعلات والحوافز ضمن عملية دمقرطة شملت عمليات عفو وعدالة انتقالية.
وفي الفصل العاشر، “ترك السلاح من دون خسارة الحرب: فهم تحول قوات فارابوندو مارتي للتحرير الوطني”، يبيّن ألبرتو مارتن ألفاريز تحوّل قوات فارابوندو مارتي للتحرير الوطني في السلفادور من تحالف مُكوَّن من منظمات متمردة ثورية مسلحة إلى حزب سياسي. ويحلل الباحث التحولات الرئيسة التي حدثت في أثناء القتال باعتبارها دالة في القيادة (قيادة اليسار المسلح)، والتفاعلات الداخلية (داخل اليسار المسلح)، والتغييرات في سياسة الولايات المتحدة بشأن الصراع المسلح (الدعم الإقليمي والحوافز).
من ناحية أخرى، يحلل ثاولا سيمبسون في الفصل الحادي عشر، “مسار المؤتمر الوطني الأفريقي نحو السلطة (1990-1994)، المرحلة الحاسمة من النضال التحرري في جنوب أفريقيا، بدءًا من أيلول/ سبتمبر 1984، مع انطلاق انتفاضة المناطق الكبرى ضد نظام الفصل العنصري. ويستكشف الباحث، على نحو مفصّل، سبب حدوث الانتقال نحو المفاوضات، على الرغم من القدرة على استخدام السلاح. ويحلل الباحث، أيضًا، العديد من القضايا؛ منها الانشقاقات داخل “رمح الأمة”، والصدامات بين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي وحركة إنكاثا القومية.
أمّا في الفصل الثاني عشر، “الانتقال في إثيوبيا: من النزاع المسلح إلى سياسة الائتلافات التنافسية”، فيستكشف ميهاري تادلي مارو تحوّل المنظمات المسلحة الإثيوبية إلى ائتلاف سياسي حاكم. ويلقي نظرة عامة على الانتصار العسكري على النظام السابق، وتحوّل شركاء الائتلاف من رجال حرب مغاوير مسلحين إلى رجال دولة، وتحديات الانتقال نحو سياسة سلمية، ونحو الديمقراطية عمومًا، في إثيوبيا.
أخيرًا، يختتم عمر عاشور الكتاب بالفصل الثالث عشر، “تحولات التنظيمات المسلحة دون الدولة: تحديات مستمرة وتداعيات استراتيجية”. وفي هذا الفصل يهتمّ الباحث بعرض النتائج والتداعيات. وقد عرضت النتائج بوصفها إطارًا تفسيريًا يشرح ويعزز نبذ الراديكالية الجماعي والتحولات نحو العمل السلمي، استنادًا إلى الحالات التي جرى تحليلها.
بناءً عليه، يهدف الكتاب إلى المساهمة في مراجعة فهم نبذ الراديكالية الجماعي، وتقديم مزيد من الأفكار المتعلقة بكيفية تحوّل الجماعات المسلحة إلى العمل السلمي، والمتعلقة بأسباب حدوث هذا التحول، أو بإمكانات حدوثها، فضلًا عن كيفية استدامة مثل هذا التحول في المستقبل.