مؤيد عليان: الذاكرة تؤكد أننا على حق

المعتصم خلف

كاتب فلسطيني سوري

يظهر الفلسطيني من خلال شبح رشا مبكراً نسبياً. يبدأ تتابع القصة من منظور ريبيكا، الفتاة اليهودية البريطانية القادمة للقدس لأول مرة. تجربتها في البداية لا يوجد فيها أي وجود أو ذكر للفلسطينيين، هذه طبيعة الحال في القدس الغربية،

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

05/04/2023

تصوير: اسماء الغول

المعتصم خلف

كاتب فلسطيني سوري

المعتصم خلف

صدر له كتاب "أقرب من البعيد بقليل"

لا يمكن طرح موضوع الذاكرة الفلسطينية اليوم، دون أن نستعيد قدرة هذه الذاكرة على إثبات الحق الفلسطيني، غالباً ما يكون السؤال كيف تصير الذاكرة جزءاً من الحاضر؟ لربما مؤيد عليان في فيلمه “بيت في القدس” يجيب على جزء من هذا السؤال، من خلال قصة تجمع أطفال يحاولون أن يبحثوا عن عوالمهم، في مكان له حكايته المستقلة التي تجرّد الدوافع والأحلام إلى سياقات تعيد صياغة التاريخ بشكل واضح. 

على الرغم من أن مؤيد عليان لم يعط مسميات النكبة الفلسطينية كما هي، ولكنه استطاع أن يقدم حكاية مختلفة بإطار عالمي، ترى ما هو أبعد من الراهن، وتبحث ببطء عن سياق أكثر حميمية في علاقتنا مع أنفسنا ومع العالم.

كان لنا معه هذا اللقاء عن فيلمه الروائي الثالث والجديد…
 

نرى في الفيلم مضموناً عميقاً لمعنى الخسارة، خسارة ريبيكا الطفلة اليهودية البريطانية لوالدتها، وخسارة رشا الطفلة الفلسطينية لمنزلها وعائلاتها في النكبة، كأن فقد ريبيكا لوالدتها هو مدخل لفهم معاناة رشا في النكبة وبحثها عن والدتها، إلى أي حد يعتبر اختبار الشعور الشخصي للفقد والخسارة  مدخلاً لفهم معاناة الفلسطينيين وخسارتهم؟

تجربة الفقد الإنساني مدخل مهم وأساسي لفهم المعاناة الفلسطينية برأيي. نحن شعب عانى على مدار سنين طويلة أنواعاً مختلفة من الظلم والقمع، كان الفقد وخسارة الأحبة الأشخاص والأماكن، قاسماً مشتركاً في كثير من مراحل حياتنا وتجربتنا الجمعية المعاصرة، للأسف. هذا الشعور الإنساني المشترك بين جميع البشر على الصعيد الشخصي، ولكن في الحالة الجمعية فإن الحقيقة أننا نعيش في عالم يقلل من تجربة بعض الشعوب بالمقارنة مع تجارب ومآسي شعوب أخرى. وفي الحالة الفلسطينية خصوصاً تم تسخير قوة كبيرة وأموال طائلة لإنكار وطمس هذه التجارب المأساوية وتبعاتها وكل ما يتعلق بشواهدها. هنا يكون من المهم ربط الشخصي بما هو جمعي.
 

 

إن العامل الأوضح في الفيلم هو القصة والسيناريو، والجديد فيه هو رؤية القدس بعيون الأطفال، أطفال النكبة في الماضي، وأطفال الحاضر بشخصية ريبيكا التي تأخذنا إلى عوالمها، ما الذي كان يحاول أن يقوله الفيلم بنظرك من خلال هذه المقارنة بين الماضي والحاضر؟

لقد كان قراراً روائياً في الفيلم أن تكون انعكاسات تجربة الفقد والخسارة ومحاولات فهم هذه المشاعر من خلال تجربة ووجهة نظر الطفلة ريبيكا القادمة إلى القدس لأول مرة ورشا الطفلة الفلسطينية ‘الشبح’ التي لا تعلم ما حدث في القدس وفلسطين بعد العدوان على حيهم في عام ١٩٤٨. الأطفال ببراءتهم أقدر وأصدق بالتعبير عن شعورهم وعن الحنين وقول الحقيقة كما هي دون أي زيف. من خلالهما ندرك أننا كبشر في كل صدمة نفسية في حياتنا، وبالأخص في الفقد والخسارة، فإننا نفقد جزءاً من روحنا… من أنفسنا، ننكسر ويبقى هذا الجزء من الروح في ذلك المكان من الماضي، مع ذلك الشخص، عند تلك اللحظة حتى وإن أكملنا الحياة في الحاضر.
 

في عرض الدمى الفلسطيني نرى الدمية تحطم مرآة حاضرها، ولم يظهر الفلسطيني في الفيلم إلا وهو محاط بالإسمنت والجدران العالية والسميكة مع محاولة دائمة من قبل الاحتلال لإيقاف كل تحركاته، خاصة في مشهد ذهاب ريبيكا إلى بيت لحم وظهور جدار الفصل العنصري، جوهر هذا الوجود إلى أي حد كان يستعيد صورة الفلسطيني؟

يظهر الفلسطيني من خلال شبح رشا مبكراً نسبياً. يبدأ تتابع القصة من منظور ريبيكا، الفتاة اليهودية البريطانية القادمة للقدس لأول مرة. تجربتها في البداية لا يوجد فيها أي وجود أو ذكر للفلسطينيين، هذه طبيعة الحال في القدس الغربية، هذا جزء من الطمس الممنهج والتهميش لوجود الفلسطينيين وتاريخهم وكل ما يتعلق بنا وبروايتنا من قبل النظام السائد اجتماعياً وسياسياً في إسرائيل. ومن خلال التمييز العنصري في كل ما يتعلق في الحياة في القدس. مع تقدم الأحداث في الفيلم تبدأ ريبيكا باكتشاف الخيوط وتتبعها، تكتشف شبح رشا وتطرح الأسئلة حول البيت وتكتشف الرواية  الحقيقية.
 

نواجه في الفيلم فعلين متناقضين، مع ريبيكا التي يجب أن تنسى خسارة والدتها، ورشا التي يجب أن تتذكرها دائماً لكي تجد معنى لوجودها، ما الذي يمثله النسيان والتذكر كفاعلين في القضية الفلسطينية، وإلى أي حد هما فاعلان في فهمنا لسياق الحاضر؟

خلال أحداث الفيلم، تتلاقى روحا فتاتين وحيدتين، ريبيكا ورشا، عبر الزمن. تنتحب ريبيكا لفقد والدتها المفاجئ. تشعر بالوحدة في تعاملها مع الفقد ويزيد شعورها بالوحدة لدى انتقالها إلى مدينة جديدة، وتشعر بالعزلة العاطفية بسبب تعامل والدها مع الحزن الذي يشعر به بصورة مختلفة تماماً عنها. فهو يريد أن ينسى وأن يفرض على ريبيكا أن تنسى. تخشى ريبيكا من مستقبلها ومن ضياع ذكرى والدتها بينما يسعى والدها جاهداً تخطي الأمر. رشا (الشبح) لا تملك إلا ذاكرتها لتمسك بوجودها وبالأمل وبالمكان، الذاكرة هي ما يؤكد لها أنها على حق، أنها لم تفقد عقلها، وأنها لن تفقد الأمل. وأن الواقع الجديد وإن كان غير مفهوم لها وقاسياً جداً، فإنه ليس نهاية الحكاية. من الممكن أن يسرق أحدهم بيتك، و لكن لا أحد يستطيع أن يسرق ذاكرتك. إلا إذا قررت أنت أن تنسى. عندها فقط يكون قد انتهى الأمر.

نرى في نهاية الفيلم التقاء خيوط الماضي مع الحاضر في مشهد مؤثر جداً، من خلال المرأة المسنة والطفلة ريبيكا، وهذا اللقاء هو جوهر عملنا الثقافي والسينمائي وحتى في اشتباكنا اليومي مع أسئلة الحاضر، كيف ترى أنت شخصياً مدى أهمية اللقاء اليوم وما الذي يمثله على الصعيد الشخصي؟

في طفولتي، لطالما شغلني تساؤل حول كيفية تمكن والدي ووالدتي وجدتي من عيش حياتهم اليومية وهم محملون بذكريات الحياة التي فقدوها في النكبة في عام ١٩٤٨. لقد سُلِبت الحياة التي اعتادوا عليها فجأة، وأُجبروا على الفرار دون وجود أي احتمالية للعودة. بدت الحياة التي عاشوها بعد عام ١٩٤٨ منقوصة ومؤلمة. وعلى نحو لا يمكن تفسيره، فقدوا جزءاً من روحهم في الماضي وفي منازلهم القديمة. خلال سنوات نشأتي، باتت مشاعر الحزن والفقدان أكثر منطقية ووضوحاً عندما اختبرت بنفسي مشاعر الحب الأول، وكسرة القلب الأولى، والوداع الأول، والخسارة المؤلمة لأعزّ الأشخاص في حياتي، أبي وجدتي ومؤخراً والدتي. بدأت أنا وأخي في صناعة هذا الفيلم شديد الخصوصية متأثرين بذكرى والدينا وجدتنا، وبقصص الصمود التي رووها لنا.

ينتهي الفيلم بجملة مؤثرة جداً من السيدة المسنة تقولها بعد محاولة الشرطة الإسرائيلية لإخراجها من المنزل كون وجودها في القدس غير قانوني، “سأبقى دائماً هنا” إلى أي حد تحولنا إلى أشباح في منازل كانت لنا يوماً ما، وإلى أي حد مستهجن وجود هذا الشبح الحاضر الغائب الآن؟ 

خلال تطوير السيناريو كان من أهم الأسئلة هو المتعلق بمنطق الأشباح ومحددات وجودها في الفيلم. وكان القرار أن الأشباح في الفيلم هي أشباح للأحياء وليس للأموات. هذا لا يعني أن لا أشباح للأموات، في بيوتهم وحقولهم! لكن الإلهام الأول وراء فيلم بيت في القدس كان خصوصياً جداً لي وأخي رامي لأنه يتعلق بتجربة والدنا ووالدتنا وجدتنا خلال حياتهم. لقد عاشوا حياتهم على بعد كيلومترات من بيوتهم وحقولهم و دكاكينهم المحتلة في القدس الغربية. كنا نشعر في طفولتنا إن هناك شيئاً منهم ما زال هناك في تلك الأماكن. شبح رشا ‘حقيقي’ وليس شبحاً يمشي عبر الجدران أو يطير في السماء. كان التوجه فنياً وبصرياً نحو الواقعية لهذا السبب أيضاً، الإيمان بوجود أشباحهم وأشباحنا.

https://www.youtube.com/watch?v=wjmrpI7GBtQ

الكاتب: المعتصم خلف

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع