صالح بكري: فكرة الجمهور الفلسطيني بحد ذاتها مخيفة للاحتلال

Rudy Bou Chebel©

المعتصم خلف

كاتب فلسطيني سوري

السينما والمسرح هي عمل جماعي، لا يمكنك أن تعمل بالسينما أو بالمسرح لوحدك، فعلياً العمل يقوم على عناصر جماعية بشكل كبير ومكثف، لذلك ما يهمني في البداية هو فكرة العمل بشكل أساسي، الشيء الثاني الدور، هذان الأمران هما الأساسيان لمضمون كيفية اختياري لما أقوم به. 

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

03/05/2023

تصوير: اسماء الغول

المعتصم خلف

كاتب فلسطيني سوري

المعتصم خلف

صدر له كتاب "أقرب من البعيد بقليل"

يستعيد الممثل الفلسطيني صالح بكري أسئلة الحاضر الفلسطيني، ونظرته لمضمون العمل الثقافي الفلسطيني بشكل عام، والسينمائي والمسرحي بشكل خاص، خاصة في مشاركته الفلسطينية والعربية والعالمية في أفلام ومسرحيات أعادت طرح الأسئلة الفنية الفلسطينية، ما الذي تعنيه المساحات العامة الإبداعية في الداخل الفلسطيني؟ وكيف يمكننا أن نقدم فناً كونياً يخاطب الجميع؟ كلها أسئلة تقرأ الحاضر اليوم، وترى تأثير الذاكرة الفلسطينية في الواقع  والحياة والفن والثقافة، لذلك كان لنا هذه المقابلة معهُ حول خياراته الفنية الشخصية، وصناعة السينما ورؤيا الحلم في قدرتنا على التطور فنياً.

كيف تغيرت مواضيع السينما الفلسطينية في آخر عشر سنوات؟ 

السينما الفلسطينية تطورت مع الوقت في القضايا التي طرحتها، السينما الفلسطينية بدأت مع الثورة الفلسطينية، وأول عمل روائي أعرفه تناول الحكم العسكري في عام 1948 وهو فيلم “عرس الجليل” المخرج ميشيل خليفي، ومن بعدها تطورت السينما الفلسطينية بحكم كل ممثل ومخرج له أسئلته، وقصته الشخصية وتجربته، فكل فنان قدم لغته وطرح المسألة التي تخصه بشكل شخصي، على سبيل المثال آن ماري جاسر عاشت أغلب عمرها خارج فلسطين فكان همها في أغلب أفلامها، خاصة في فيلمها الأول والثاني، تحدثت عن حق العودة، ولكن عندما عادت إلى فلسطين وعاشت في فلسطين تحدثت عن الأقلية الفلسطينية المتبقية في أراضي 1948، تحت مواطنة دولة الاحتلال، بحكم أنها عادت وعاشت في حيفا، هنا صار لدينا القصة التي هي جزءاً من حياتها الشخصية. التجربة الشخصية تضيف عمقاً للفنان، وهي جوهر في التغيير والاختلاف في السينما، مثلاً مها احاج أيضاً حكت تجربتها الشخصية، هي كيف تقرأ الحالة الاجتماعية الإنسانية تحت مواطنة دولة الاحتلال في فيلم “حمى البحر المتوسط”. 

في السينما الفلسطينية لدينا أصوات متفردة، تناولت قصصنا بطريقة مختلفة ومبدعة، وصاغت تجربتنا الإنسانية بطريقة خلاقة، وهذا أقل ما يمكن أن نتوقعه ضمن التجارب التي نعيشها. استطاع إيليا سليمان أن يأتي بلغته ومعرفته وفلسفته العميقة وشاعريته إلى السينما، وعلى أساس تنوع التجارب تنوعت السينما الفلسطينية. وبالنهاية الاحتلال هو الاحتلال لم يتغير كثيراً عدا عن كونه مستمراً بالتوغل في الجريمة، ويطور نفسه على أجسادنا وأرواحنا، وعلى حساب حياتنا ومستقبلنا، ونحن نخوض تجاربنا المرة مع هذا الاحتلال وهذا تحديداً ما يدفعنا لإطلاق أصواتنا في السينما والمسرح والشعر والثقافية بشكل عام… لنضمن شيئاً واحداً أساسياً وهو الاستمرار في الوجود. 

لطالما حاولت السينما الفلسطينية ربط الماضي بالحاضر، واستعادة الذاكرة كونها لغة مشتركة لفهم معنى المواجهة مع الاحتلال، كيف تقرأ هذه الاستعادة في الحالة الفلسطينية وحياتك الشخصية؟ 

لا يمكنك إلا أن تستعيد الماضي في الحالة الفلسطينية الراهنة، الماضي هو الراهن، لذلك نقول أن النكبة مستمرة، الماضي مستمر، وكل هذا التاريخ والإرث الذي امتلكناه عبر آلاف السنين كشعب في هذه المنطقة، طُلب منا نسيانه لمجرد قدوم الاحتلال ومحاولته لمحو هذا الإرث، كيف يمكن محو شعب يعيش في هذه الأرض ويمتلك كل هذا التاريخ، أنا أشعر أن هذا المكان يشبهني، وأنا أشبههُ، لذلك من الصعب أن أتخيل نفسي ابن مكان آخر، أنا في هذا المكان أنتمي لطمأنينة بيتي الصغير، فلسطين هي بيتي الصغير في هذا العالم، لذلك لا يمكنك أن تفصلني عنه، لأنه فعلياً جزء من هويتي وتركيبتي. 

من الممكن جداً أن أترك البلد وأعيش في أي مكان في العالم، بالنهاية نحن بشر قادرون على التأقلم، ولكن دائماً سوف تبقى فلسطين بتاريخها هي قصتي وقضيتي، عدا عن أني أمتلك قصتي الشخصية، القصة مع الاحتلال ليست فقط قضية شعبي وحرمانه من بلده، هي قضية شخصية تخص كل واحد منا، فعلياً أنا عشت شبابي دون أن أختبر شعور العيش في المدينة الفلسطينية، وعشت كممثل بلا جمهور، جمهوري غير مسموح له بمتابعتي، وغير مسموح لي بالتفاعل معه، أنا جمهوري في المخيمات، وفي الشتات، بدلاً من أن يكون معي في حيفا ويافا هو موزع على العالم، فأنا لم أعرض أعمالي، كيف يمكن أن أمارس مهنتي كممثل بلا جمهور؟ وفعلياً هنا نحن نسأل عن أشياء بسيطة، ونسبة المآسي الكبيرة التي حدثت للشعب الفلسطيني، لكن هذا الحرمان؛ حرماني شخصياً وحرماننا من المدينة وبناء الذاكرة، بمعناها الواسعة كونها لقاء. وبالتأكيد يوجد ذاكرة جديدة، ولكن عملية التشويه الذي قام به الاحتلال أصابنا، لأن الاحتلال لم يكن للأرض فقط، بل أيضاً للثقافة ومحو الهوية، لتدمير النسيج الاجتماعي الفلسطيني، لذلك ذاكرتنا بالتأكيد لها علاقة بالواقع ولكن تبقى هناك ذاكرة لم يستطع اختراقها هذا التشويه وهي لا تمت للاحتلال بأي صلة. 

هذه الذاكرة لن ننساها وسنبقى نعيشها ونحاول استعادتها لأنها هي الأساس التي نرى من خلالها حلمنا. وكل ما نفعله في السينما والفن والثقافة بشكل عام بالنسبة لي هو فعل مقاومة وخصوصاً في الحالة التي تم فيها تعميم ثقافة الموت، لأن ما نحاول فعله هو مواجهة هذه الفكرة العميقة من الموت العنيف التي تصدرها دولة الاحتلال. 
 

 

 لقد عملت في المسرح وفي السينما. والاثنان يحتاجان مساحات إبداعية لإعادة التواصل والتدريب المستمر، هل ترى المساحات الإبداعية في الداخل المحتل وفي الضفة كافية لإعادة هذا التواصل؟ 

 

هذا يعود لفكرة أني كممثل تحت الاحتلال الإسرائيلي غير مسموح لي بفكرة اللقاء أو حتى الاجتماع مع الجمهور بشكل عام، هذا اللقاء هو أكثر ما يخيف دولة الاحتلال، فكرة الجمهور الفلسطيني بحد ذاتها مخيفة، لذلك تم إغلاق مسرح الميدان، مسرح الميدان كان المسرح الوحيد الذي يتسع لـ300 متفرج فقط!! ولكن هذا كان مسرحنا، وفكرة اجتماع 300 شخصاً لرؤيتنا كانت تفرحنا، نحن هنا لا نتحدث عن مسارح تشبه تلك الموجودة في العالم، هذه مساحة مسرحية صغيرة، نحن نتحدث عن مسرح في مدينة دمرت بالكامل إنها حيفا، في 2023 أغلقوا المسرح الذي لا يتسع إلا لـ300 متفرج!! لماذا تم إغلاقه؟ لأن أحد المخرجين تجرأ على أن يقدم عملاً عن الأسير السياسي وليد دقة الذي أتمنى له الشفاء، وبحجة أننا تناولنا قضية محرمة بحسب تعريف دولة الاحتلال، التي تعتبر اعتقال وليد دقة 37 سنة وهو مريض غير محرم، لذلك ممنوع أن نتناول نحن هذه القضايا، لتقوم وزيرة الثقافة لدولة الاحتلال بإغلاق المسرح، وهم يعرفون أننا لن نقبل بشروطهم، لذلك أغلقوه، والآن لا يوجد مسرح يجمعنا، يوجد مسارح صغيرة جداً تتسع لمئة شخص فقط. 

هذا كله عدا صعوبة الحركة داخل فلسطين، مثلاً أهل غزة ممنوعون من حضور مسرحنا، يعمل الاحتلال على منع خلق المساحات واللقاء مع الجمهور والعمل الطبيعي مع أصدقائي الفنانين كي لا نطور خطابنا، وأسئلتنا وانفسنا كفنانين، يجب أن نلتقي لنتكلم. تأثرت الحركة الفلسطينية الثقافية من الضغط المستمر للاحتلال، لذلك تطورنا ليس بالوتيرة التي نطمح بها، بل بالوتيرة المفروضة علينا، ولكن رغم كل هذا نحاول قدر المستطاع مواجهة هذه التحديات، وأن نترك أثرنا، وتعلمنا من المثقفين الذين سبقونا جيداً. 

قدمت في السينما أدواراً رئيسية وأدواراً ثانوية كان لها تأثيرها، ما الذي يحدد خياراتك الفنية غالباً؟ وما هي العناصر التي تبحث عنها في كل دور يعرض عليك؟ 

السينما والمسرح هي عمل جماعي، لا يمكنك أن تعمل بالسينما أو بالمسرح لوحدك، فعلياً العمل يقوم على عناصر جماعية بشكل كبير ومكثف، لذلك ما يهمني في البداية هو فكرة العمل بشكل أساسي، الشيء الثاني الدور، هذان الأمران هما الأساسيان لمضمون كيفية اختياري لما أقوم به. 

أقرأ وأرى العمل وما الذي يحاول قوله بشكل عام، وطريقة كتابته، وأخيراً الدور إذا كان ملائماً بالنسبة لي، لذلك الأساس هو مضمون العمل بشكل عام قبل الدور، لأنه لا يهمني حجم الدور، بل حجم فكرة العمل ومضمونه، ويهمني الأثر الذي يمكن أن يتركه. أحب أن يشكل الدور تحدياً بالنسبة لي، أحب الشخصيات التي تتغير وتتطور في سياق العمل، وتتطور بشكل تدريجي، وأحب الشعر في السينما، أشعر وكأنه جوهري في العمل الفني بشكل عام، وهذه تعتبر الفكرة المفضلة بالنسبة لي. ولدي أيضاً حب معين في البحث عن شخصيات تاريخية تركت أثرها ومازلت مؤثرة لليوم، من قيادات سياسية وروحية، شخصيات تركت أثراً علمياً أو ثورياً، هم المثقفون العرب، لدينا الكثير من الشخصيات في مراحل التاريخ لها إسقاطات كبيرة في الحاضر لو حاولنا العودة لها يمكن أن نعالج مشاكلنا اليوم. وهذا تاريخنا، لماذا لا نخوض فيه ونعيد فهمه ونناقش مضمونه؟ الأمثلة كثيرة مثل ابن عربي، وامرؤ القيس، ابن رشد، ابن سينا، المتنبي، وهناك شخصيات نسائية كثيرة أيضاً أين هي لماذا لا يتم الحديث عنها.

في الاشتباك اليومي مع الواقع. اختبرت العيش في الداخل الإسرائيلي وعملت على مقاطعته، كما خضت تجربة في الضفة وفي الدول العربية وأوروبا، ما الذي أضافته لك هذه التجارب ضمن سياقات مختلفة؟ 

كل مشاركة داخل فلسطين أو خارجها تضيف شيئاً خاصاً، وتصير مع الوقت جزءاً من هويتك وذاتك، ويتضح معها سؤال من أنت؟ لأن كل تجربة لها جزء في تكوينك، كل عمل أينما كان حتى الأعمال التي كان لي فيها تجارب سيئة قدمت لي وتعلمت منها. الانطلاق إلى العوالم  المختلفة والتجارب المختلفة تعزز فيك الجانب الكوني والذي يعتبر جوهرياً في الفن، نحن عندما نقدم عملاً داخل فلسطين، لا نقدمه فقط للفلسطينيين بل نقدمه لكل العالم، وبالنسبة لي الفن العظيم هو القادر على مخاطبة جميع الناس، والذي يحوي القدرة على المخاطبة بشكل عام. والسفر والعمل بمناطق مختلفة من العالم طور بالنسبة لي أهمية الفكرة الكونية في العمل الفني. 

أخيراً سؤال الحلم. غالباً ما يكون الاستمرار الفني لدوافع مختلفة، لو تجردت من تلك الدوافع، واستعدت قدرتك على التخيل. ما الدور الذي تحلم بتأديته؟ أو الحلم الذي تتمنى أن تصل إليه؟

أن أرحل عن هذا العالم بسعادة. هذا السؤال جوهري في الحياة، ولم يتبق لي إلا الرحيل عن العالم بسعادة. 
 

الكاتب: المعتصم خلف

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع