أن الاعتبار الأسمى للحقيقة لا يكمن فقط في محاولة الوصول إليها، بل بمواجهة محاولات تبريرها أيضاً، خاصة عندما يكون من يحاول تبرير حقيقة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يسيطر على الصحافة والقضاء، ويحاول من خلال علاقاته الدولية محو آثار الجريمة.
ضمن لقاء إعلامي وحقوقي، أقيم ضمن يومين متتاليين في مبنى مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، قدم شقيق الشهيدة شيرين أبو عاقلة، أنطون أبو عاقلة، حوارية بعنوان “أين أصبحت العدالة الدولية في قضية شيرين أبو عاقلة؟” بعد عام على جريمة اغتيالها، و تناولت الحوارية شقين أساسيين، في اليوم الأول ركز اللقاء الإعلامي يوم الخميس 1 حزيران/يونيو، على أهم النقاط الأساسية التي يجب أن يطلع عليها الإعلام حول حقيقة اغتيال شيرين أبو عاقلة، واليوم الثاني الجمعة 2 حزيران/يونيو اللقاء الحقوقي، حول التحقيقات الجارية، التي يمكن من خلالها ضمان إجراءات المحاسبة.
أكدت الحوارية على أهمية الإطلاع الكامل على جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة، وما تمثله الحقيقة اليوم، ومدى تواطئ الدول والجهات الإعلامية التابعة للاحتلال مع هذه الجريمة، وكيف يمكن للعالم أن يتغاضى عن الحقائق الواضحة للجريمة، في محاولة لتبرير حقيقية الاغتيال المباشر للصحفيين الفلسطينيين وليس لشيرين تحديداً، ولكن ما تمثله جريمة اغتيال شيرين هو مدى قدرة الاحتلال من التهرب من المحاسبة من خلال الاعتماد بشكل كامل، على معلومات غير كاملة وأمثلة غير واضحة تؤكد مدى محاولته على محو آثار الجريمة.
مع ذلك أكد أنطون أبو عاقلة، إن الصحافة بجميع أشكالها وبكامل أدواتها المتاحة وصلاحياتها الممكنة، حاولت كشف الحقيقة، من خلال التحقيقات التي ركزت على الجريمة، وأنها لعبت دوراً دوراً مهماً في نقل تفاصيل الحقيقة، من خلال المقابلات مع الشهود وتقديم الأدلة، التي تؤكد جميعها على تعمد الاحتلال الإسرائيلي بجريمته على اغتيال شيرين أبو عاقلة والصحافيين الذين كانوا معها. ليختتم هذا التأكيد المهم بجملة تبدو الأقسى في المؤتمر حول حقيقة التحقيقات واحتمالات نتائجها، “ولكن لا أحد يريد أن يحاسب!!”
16 رصاصة في مكان تواجد الصحفيين ومن بينهم شيرين، جميع الرصاصات مباشرة باتجاههم على مستوى الصدر والرأس، ولا واحدة منهم رصاصة تحذيرية، الصحفيين يرتدون الدروع الواقية من الرصاص التي تؤكد أنهم إعلاميون وصحفيون، كذلك شيرين التي كانت تتبع جميع إجراءات السلامة، ولكن مع ذلك تم استهدفها بشكل متعمد، وتم إطلاق النار على جميع من حاولوا إسعافها.
هذه هي الحقيقة التي صورتها الكاميرات، وذكرها شقيق شيرين أبوعاقلة، والتي أكدت عليها جميع المواقع الصحفية ومراكز الأبحاث الدراسات المختصة بمراجعة المعلومات، التي اعتمدت على الصور والفيديوهات، ودرست حيثيات المكان واتجاه الرصاصات ومكان وقوف شيرين، والمسافة التي قطعتها الرصاصات، والتي تؤكد جميعها أن الاغتيال كان هدف مطلق النار. ولكن مع ذلك يقول أنطون أبو عاقلة حول إعلام الاحتلال والصحافة الصفراء “استنفرت في الأسبوع الأول للتأكيد على أن شيرين قتلت برصاص مقاتلين فلسطينيين” وفي اليوم الأول من اغتيال شيرين، أي الأربعاء، عنونت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية “وفاة مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة عن عمر 51 عاماً. وهذا بالنسبة للمتلقي الأجنبي خبر وفاة عادي يختلف عن اغتيال أو قتل متعمد”.
وحول المواقف الرسمية والتحقيقات الدولية، والبيانات التي تم إصدارها حول اغتيال شيرين أبو عاقلة، يؤكد أنطون شقيق شيرين، أنه “بعد مرور عام على استشهاد شيرين والوعود الأميركية بتحقيق العدالة إلا أنه لم يحاسب أحد، وكل شيء تغير”. كما ذكر أنه “في 4 يوليو نشرت السفارة الأميركية في فلسطين المحتلة بياناً، تقول إن الرصاصة التي قتلت شيرين تضررت ولم تحسم الجهة القاتلة، وإنها قتلت عن طريق الخطأ، وتبنوا الرواية الإسرائيلية كاملة”. وبحسبه، فإن “البيان الأميركي صدر في ذكرى احتفال الولايات المتحدة باستقلالها، وبالتالي لم نستطع الرد لأنه يوم عطلة رسمية”.
مع استمرار القضية لعام كامل، اتضح للصحافة والنشطاء وعائلة شيرين “أن الإدارة الأميركية غير معنية بأي تحقيق شفاف يؤدي إلى محاسبة قتلة شيرين.. إلا أننا مع كل هذه التحديات مستمرون في المطالبة بالحقيقة ومستمرون في رفع القضية في المحاكم الأوروبية والأميركية، سعينا لمحاسبة كل المتورطين، من الجندي إلى القائد الذي أعطى التعليمات”.
رغم كل الضغوطات لم تتوقف عائلة شيرين أبو عاقلة، والداعمين لها، من التحرك من أجل العدالة، وأنه مازال هناك عدداً كبيراً من السيناتور الأميركيين الذين يدعمون هذه العدالة، وهو ما يراه أنطوان أبو عاقلة “هو سبب رئيس ليُفتح التحقيق مرة أخرى من قبل وزارة العدل الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي “، لافتاً إن فتح تحقيق “يعني أن هناك شخصاً مهتماً بالموضوع، بمعزل عن النتائج”، لكنه مرتاح للمسار القضائي، واعداً بأنه “في وقت قريب جداً ستكون هناك نتائج”.
يذكر أن بعد الحوارية بأيام بتاريخ 6/6 من الشهر الحالي. طالب السيناتور الديمقراطي الأميركي كريس فان هولين، إدارة الرئيس جو بايدن، برفع السرية فورا عن تقرير المنسق الأمني بشأن اغتيال مراسلة الجزيرة في فلسطين شيرين أبو عاقلة. وقال هولين إن التقرير يقدم رؤى مهمة حول اغتيال شيرين، بما في ذلك سلوك وحدة الجيش الإسرائيلي المشاركة في العملية. وأوضح أن رفع السرية عن التقرير أمر حيوي لضمان الشفافية والمساءلة في مقتل شيرين أبو عاقلة.
يعتبر منهج التضليل المستمر الذي ينتهجه الاحتلال الإسرائيلي خاصة باستهدافه للصحفيين نقطة بحث أساسية اليوم خاصة في ظل غياب العدالة ومع استمرار الدعم المنظم لجرائم الاحتلال من قبل أنظمة ودول كبرى، ووكالات إعلام ومجلات عالمية تكرس هذا التعتيم المضلل لسياسات إرهابية بحق الصحفيين. تحولت النقطة المفصلية اليوم، هو حق شيرين أبو عاقلة وجميع الصحفيين الذين تم اغتيالهم بشكل متعمد، في محاولة لردع الإعلامي عن التغطية المستمرة لجرائم الاحتلال.
عزاء عائلة شيرين أبو عاقلة اليوم كما يقول أنطون “وقف سياسة الاغتيالات التي تنتهجها إسرائيل، وذلك عبر محاسبة جيش الاحتلال على جرائمه”. كما عبر أنطون شقيق الشهيدة شيرين أبو عاقلة عن حزنه وأسفه لعمليات الاغتيال المستمرة للصحافيين الفلسطينيين وللشعب الفلسطيني “من دون أن تكون هناك محاسبة أو تحقيق”. يذكر أن الصحفية والإعلامية شيرين أبو عاقلة تم اغتيالها برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، برصاصة في الرأس في تاريخ 11 مايو/أيار 2022 أثناء تغطيتها عملية اقتحام إسرائيلية في جنين شمال الضفة الغربية.