كما في فيلم سابق للمخرج الكتَلانية الإسبانية إيزابيل كوشيت، “المكتبة” (The Bookshop، ٢٠١٧)، حيث تنتقل امرأة إلى الريف وتكافح ضد المجتمع المحافظ هناك لتثبت ذاتها في ما تريده. هنا، في فيلمها المعروض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان سان سيباستيان السينمائي، “حب” (Un amor)، تصل امرأة إلى قرية باحثة عن هدوء لم تجده في المدينة، تبدأ المتاعب من المشاهد الأولى، من البيت المتهاوي والمالك اللئيم، ثم أهالي القرية الفضوليين، وتحديداً الرجال وانتهازيتهم. أحدهم يبدو لطيفاً لكن تقاطعات لاحقة تثبت عكس ذلك، وآخر بدا غليظاً لكنها ستقع في حبه، بدءاً من رغبات جنسية ما تلبث أن تتحول إلى ما هو أعمق، قبل أن يطلب منها الخروج من البيت وبالتالي حياته. وقد بدأت علاقتها به بطرقه باب بيتها وسؤالها إن كان يهمّها إصلاحه لتسرّب الماء من سقف بيتها المتهالك، مقابل أن “تسمح له بالدخول فيها” كما قالها بكل ميكانيكية وبرود. رفضت ثم وافقت ثم تطورت العلاقة بما لا يشبه شخصيتها.
كانت تعمل مترجمة فورية قبل أن تتعب نفسياً وتقرر اللجوء إلى الريف. كانت تترجم لطالبي لجوء من إفريقيا، بشهاداتهم المريعة بما فيها الاغتصاب. تتوازى الحالتان، اغتصاب الضحايا، وعلاقتها هي مع من بدا بهيمةً لفرق الحجم الجسدي بينه وبينها، وفرق إدراك العواطف كذلك، في مقابل علاقة لابهيمية، بانت مع كلب مسعور وبوجه ممتلئ بالندبات، رماه لها مالك البيت، ويتجنبه باقي أهالي القرية. اعتنت به ولحقها ليبقى معها في النهاية، بخلاف الرجل الذي اعتنت به عاطفياً وجنسياً ولم تلق رداً مقابل ما قدمته. لم تستطع ترويضه.
أخيراً، استطاعت ترويض الكلب الذي هرب من الحجز ليلتحق بها، حين قررت أخيراً الخروج من القرية والعودة سالمة إلى مكانها الأول، بعد معاناة مع أكثر من طرف فيها. العلاقة الصحية الوحيدة كانت مع الكلب الذي ردّ لها الجميل بمثله. والحب المقصود في العنوان هو أقرب ليكون ما تحمله تجاه الكلب، وما يحمله هو تجاهها. في نهاية ملفتة للفيلم الجميل، مشاهد وشخصيات، ترقص فيها المرأة متحررة من انكماش وانغلاق عمّا بان في شخصيتها على طول الفيلم وقد أمضته كلّه في القرية.
للفيلم أجواء هادئة رغم حدة التناقضات في المشاعر، هي قروية شتوية، بقدر ما يمكن أن يمنح ذلك المزيد من الوحدة لامرأة محاطة بانتهازيين وفضوليين، خرجت رابحة أخيراً من تجربة صعبة، بكلب استطاعت إنقاذه وترويضه، ونالت رفقته، فأنقذها هو بطريقته.