سليمان منصور الفنان الفلسطيني الذي نقش اسمه عميقاً من خلال أعماله الفنية فمنذ نعومة أظفاره شق طريقه في الفن تزامناً مع نكبتنا الفلسطينية الى يومنا الحالي حيث شهدت حياته الكثير من الأزمات كونه فلسطيني يعيش تحت الاستعمار وعاش احداث مفصلية تاريخية بدأها بالنكبه ثم النكسه وغيرها من الأحداث، وكان لذلك بالغ الأثر على مخيال منصور وابداعه لأنه لم يستطيع يوماً الانسلاخ عن هذا الواقع الذي عكسه بخصوصية تشهد له الساحة الفنية على تفرده بها، حيث التزم بعكس المخيال الجميل عن فلسطين ما قبل النكسة والدمار حيث عاش فترته الذهبية في حينها كما صرح أثناء مقابلته.
كان لمنصور العديد من المعارض والمشاركات الفنية وعرضت أعماله في أهم المتاحف العالمية وكذلك اقتنيت أعماله في كثير من البيوت سواء الفلسطينية أو غيرها وما زالت تلاقي رواج وحضور وطلب كبير في الساحة المحلية والعالمية وهذا ما دفع منصور بالشراكة مع غاليري زاوية الى اعادة استحضار نسخ مصورة من أعماله القديمة في سبعينات القرن الماضي في معرض له بعنوان “طبعة محدودة” افتتح بتاريخ 12/8/2023، اشتمل المعرض على 21 عمل فني لفترات متنوعة من مسيرته الفنية، وتعكس فترات مفصلية من تاريخ القضية الفلسطينية ومن أهم اللوحات في المعرض: جمل المحامل، حصاد الزيتون، القرية تستيقظ، لوحة القــدس، هذا البحر لي، المهاجرة، حقول البرتقال، ذكريات الامكنة، يافا، من النهر الى البحر، طقوس تحت الاحتلال، غيرها من الأعمال الفنية التي لم تعنون.
هذا ويشير القائمون على المعرض أن (غرض المعرض هو الإحتفاء بالتاريخ الفني ل منصور الذي يروي حكاية من الصمود الفلسطيني والتمسك بالهوية وعمق الارتباط بالأرض على مر العقود). وخلال مقابلة مع الفنان تمت في يوم افتتاح المعرض، أوضح منصور أنه سعيد بهذا المعرض بغض النظر عما يدور في الوسط الفني، ويرى أن للفنان دور في خلق مساحة للثورة والتفكير من خلال أعماله حتى لو كانت مصورة ولا تكشف عن دلالاتها بشكل مباشر.
وفي ما يلي ملخص للمقابلة التي جرت مع الفنان سليمان منصور والتي تحدث فيها بعمومية عن مسيرته الفنية.
من أين جاءت فكرة معرض “نسخة محدودة” في غاليري زاوية؟
جاءت فكرة المعرض نتيجة الطلب المتزايد على الأعمال الفنية التي أنتجتها سابقاً، حيث تصلني الكثير من الرسائل والاتصالات سواء من قبل فلسطين أو غيرهم، لذلك وبالاتفاق مع غاليري زاوية بدأنا في طباعة الأعمال الفنية من خلال تقنيات عالية الجودة وعلى مراحل متعددة ومعقدة لتظهر بالجودة التي ظهرت عليها.
لماذا هناك طلب متزايد على أعمالك الفنية؟
لأن فيها نكهة إيجابية فيها هوية فلسطينية، كما أن الكثير ممن يخاطبونني يقولون إنهم تعرفوا على فلسطيني من خلال لوحاتي.
هل تعتقد أن حضور الماضي المكثف بشكله الوارد في اعمالك له اثر على الهوية الذاكرة وهل هو واجب كوسيلة للحفاظ عليها؟
حضور الماضي ساعد في الحفاظ على الذاكرة وبناء السردية لأن مشاعر الفلسطيني في فترة من الفترات بدأت تتقطع ليس بشكل عشوائي او صدفه بل بشكل استراتيجي مكثف أسس له المستعمر.
ظهر في المعرض 21 عملاً فنياً هل عكست هذه الاعمال مراحل متعددة من التاريخ الفلسطيني ام ركزت على فترة محددة؟
عكست فترات متنوعة من التاريخ الفلسطيني، وجزء من الدور الذي يقع على عاتق الفنان هو اظهار هذا التاريخ بالإضافة إلى محاولة إظهار المزاج العام للناس والمجتمع، وانا من خلال ما أنتجته من أعمال فنية على فترات مختلفة اردت ان ينعكس هذا المزاج، مع العلم انني في بداية مسيرتي الفنية لم استطع تصويره بعمق لكن لاحقاً بدأت أعي أهمية هذه التفاصيل.
جزء كبير من الأعمال الفنية المطروحة في معرض ” نسخة محدودة” هي نسخ مصورة ذات جودة ودقة عالية، مالمغزى من ذلك وعلى ماذا يدل؟
يدلل على الرغبة في ارضاء الجمهور وتوفير الاعمال الفنية له بتكلفة معقولة بحيث يستطيع اقتنائها، بالاضافة الى الرغبة في استحضار الاعمال الفنية القديمة التي ضاع جزء منها او سرق اوتم بيعها بدون الاحتفاظ بنسخ منها. ومن هنا أنصح الفنانين الجدد الى ضرورة توثيق أعمالهم الفنية لتسهيل عملية طباعتها لاحقا إذا لزم الأمر او لتذكرها.
ما أثر الأزمات الكبيرة التي حلت بالفلسطينين من النكبة لغاية يومنا هذا، على أعمالك الفنية؟
كان لها أثر كبير على السياق الشخصي وعلى الفنانين الآخرين والفن الفلسطيني بعمومه وتركز الأثر الأكبر على الفن في الثورات السياسية.
من أين تأتي فكرة الامل الظاهرة في أعمالك على الرغم من كم النكبات والنكسات التي عشتها كفلسطيني؟
تأتي فكرة الأمل من التاريخ فمن يقرأه يعلم اننا نمر في مرحلة لها نهاية حيث من الاستحالة بقاء الأحوال عما هي عليه هذا من جهة، ومن جهة اخرى ان الواقع الذي عشته والذي دفعني الى اعتبار الفن اداة للمقاومة والمحبة والارتباط في الأرض. كما أن فكرة الأمل هي ما دفعت الفلسطيني على الصمود والاستمرار لذا تجدينها حاضرة في أعمالي، وفقدان الأمل مستحيل على عكس ما يحاول الإستعمار فرضه من انهزامية وبؤس وشقاء، وانا دائما متمسك بالأمل ومؤمن بنهاية الاحتلال.
هل أثر الأعمال الفنية يكمن في قوتها ام قيمتها لدى المتلقي؟
الأعمال الفنية ليست مجرد قيمة هي رسالة قوة للجمهور والعالم تبث العزيمة في نفس المتلقي والإيمان بغدٍ أفضل.
هل تأثرت اعمالك بالسياق المحيط وهل أثرت فيه؟
نعم أثرت في السياق المحيط بي وأنا تأثرت بهذا المحيط خاصة السياسي والفني، فعندما عرفت واشتهرت لوحة جبل المحامل واللوحات المشابهة لها بقيت خائف من الخروج من هذا الجو لغاية الـ 1987 خائف من التغير في فني خائف من رفض الناس ل أعمالي وذلك قيد من حريتي في أعمالي بشكل كبير، في الانتفاضة الأولى أصبحت أشعر بحرية أكبر وشعرت بالأهمية الكبيرة، مع انني لم اكن رأس الحربة، لكن مشهد أطفال الحجارة والمسيرات والشهداء عزز لدي الرغبة بالثورة على طريقتي من خلال أعمالي الفنية.
هل واجهت اعتراض أو مضايقات نظراً للحضور المكثف للمرأة في أعمالك الفنية؟
المرأة بالنسبة لي رمز للقوة والصمود ومن خلالها حاولت إيصال رسائل متعددة متنوعة منها أن استمراريتنا وعطائنا باقٍ وشامخ وقوي وجميل وجميع هذه المعاني اختزلتها من خلال المرأة، ولم يؤثر المحيط في طريقة طرحي، كان لدي رسالة اردت ايصالها من خلال شموخ وعطاء المرأة الفلسطينية، وفعلت.
هل شعرت أن انجازك الفني يزداد في فترات راحتك ام في فترات الحزن والصراع؟
يعتمد انتاجي الفني على الفكرة اذا كان لدي فكرة استمر في المحاولة لحين تنفيذها بدون ان تؤثر علي الأوضاع حيث ان ميلاد الفكرة لدي اقوى من طبيعة المرحلة الجمعية التي اعيشها وسط مجتمعي. ويشير سليمان بقوله “تأثر انجازي الفني بعد مرضي كأنما جفت الينابيع”، لكن ما زلت احاول ومؤمن بأن العطاء لا ينقطع لنهاية العمر”.
هل استجاب سليمان للعرض والطلب في سوق الفن؟ كغيره من الفنانين؟
لم اتماهى مع حاجة السوق وبقيت في ذات النهج الذي أشعر فيه، فمثلا في بداية الانتفاضة الاولى جميع الفنانين كانوا يعكسون أطفال الحجارة أمام عنف المستعمر هذا المشهد كان دارجاً وقتذاك وعليه إقبال، والجميع يبيع منه لكن انا لم اعكس هذا المشهد، بل توجهت الى الأعمال التجريدية بالطين ودائماً احاول ان ابتعد عن كل ما يطلبه السوق.
هل تشعر أن طلب السوق يحد ابداعك ويجعلك تنساق مع الجمع؟
انا انتج ما احب من الأعمال الفنية وليس المطلوب لان لكل منتج زبائنه وانا اجد انتاجاتي مطلوبة أكثر من انتاجات غيري من الفنانين لذا لا أخاف من هذه الناحية.
دائما تجر الماضي في اعمالك الفنية ونلاحظ أنه لا بتر بين الماضي والحاضر لديك مع أن الواقع يشهد على تبدل الحال؟
في احدى المرات قرأت مقولة للراحل أحمد دحبور يقول فيها بما معناه ( بعد مراجعة كل اعمالي أكتشفت ان ما قمت به وانجزته ليس سوى الحنين) وفعلا غالبية الفلسطينيين في جوهر أعمالهم يظهر الحنين واسترجاع الماضي بطريقة او بأخرى وانا دائماً في حنين مستمر لفترات زمنية كان فيها الواقع أفضل مما هو عليه. كما انني أأخذ الحنين بجد لأنني عشت فترة ذهبية في الخمسينات وتشربت منها وعندما احن اليها احن بصدق.
ما هي أكبر العقبات التي واجهتك في مسيرتك الفنية؟
المشاكل والصراعات بين الفنانين على الرابطة الفنية وتدخل الأحزاب السياسية للسيطرة على روح أعمالنا الفنية.
هل للأحزاب السياسية أثر على مسيرتك الفنية؟
دائماً كنت احاول ان اكون بعيداً عن الأحزاب وأطرها، وهذا كان أحد أسباب محاولات اقصائي عن الساحة الفنية من خلال إطلاق الشائعات اللاخلاقية عني بسبب رفضي الانسياق من خلال أعمالي الفنية وراء هذه الأحزاب ورسائلها.
هل حققت هدفك في مسيرتك الفنية؟
لا لم يتحقق بعد لان هدفي كان وما زال أن تحظى فلسطيني بالإعتراف الكامل من كافة شعوب العالم أسوة بغيرها، وانا احاول التأكيد على ذلك من خلال استحضار رموز الشعب الفلسطيني وهويته أمام ناظر العالم. وهدف الفنان مستمر حتى التحرير من خلال تمرير رسائل للعالم أن الفلسطيني لا يقل عن غيره من شعوب العالم، وايصال هذه الرسالة يحتاج لطرق متنوعة منها الإبداع الفني العلمي لذا المسؤولية ازدادت لأن اساليب الحرب اختلفت فعلى الفنان التنويع في ادواته واساليبه لتتناسب مع تطور وتغير العالم.
ما هو النموذج الفني الذي أثر في سليمان منصور منذ بداياته؟
الفنان الفلسطيني إسماعيل شموط، والفنان المكسيكي دييغو ريفيرا وتأثرت في أعمالهما وكانت مرجعية بالنسبة لي.
أثر القراءة والمعرفة على الفنان؟
في الحقيقة القراءة والمعرفة ضرورية ولها أثر كبير على الفنان وقد كنت الاحظ ان الفنان متعدد اللغات أو القارئ تظهر أعماله الفنية بشكل افضل واعمق نتيجة اطلاعه العميق.
هل تشعر أن فنانين اليوم ينتجون عن معرفة وثقافة وهل يشعرون بقيمتها في مسيرتهم الفنية؟
البعض منهم يعي جيداً قيمة المعرفة لكن البعض منهم يرى أن الفن الحديث هو الفن غير المفهوم وهذا تصور خاطئ لأن الفنان يتغذى من جمهوره وإذا لم يفهم جمهوره بعض من مغزى ما يطرح لن يكون لأعماله معنى.
ما الشيء الذي يجب أن يستمر في الاعمال الفنية الى ما لانهاية؟
الانتماء الى الوطن بعيداً عن الحزبية ومن دونه يضيع الفنان.
هل يستطيع الفن أن يعزز قيم الحرية من خلال ما يعرضه من متخيل؟
الفن لا يحرر بل يؤجج الرغبة بالحرية اذا كان يحمل بعد نقدي بعد تحفيزي تفكيكي ورسائل واضحة للمتلقين، لذا تجد هناك مقاومة للفن نظراً لمعرفة المستعمر مدى تأثيره في المجتمع، حيث في بداية أعمالنا كان الإسرائيليون يدخلون المعارض ويصادرون أعمالنا كما كانوا يصادرون البوسترات بتنوعها وتم منعنا من الرسم بألوان العلم، حيث أن الفن كان يعتبر بالنسبة للمستعمر اداة تحريض.
ما شكل المضايقات التي تعرضت لها أعمالك الفنية معارضك من قبل المحتل؟
في العام 1980 قمت بعمل معرض شخصي في رام الله في جاليري 79 افتتح المعرض الساعة الثانية ظهراً وفي الساعة السادسة مساءاً حضرت قوات الاحتلال وأغلقوا الجاليري وأخذوا مفاتيحه وذهبوا، بعد شهر طلبوا مقابلتي أنا، و تيسير بركات، و نبيل عناني وسلمونا مفاتيح المعرض وعندما توجهنا للمعرض وجدنا أربع لوحات فقط من أصل 40 لوحة في المعرض.
تدور أعمال سليمان منصور حول أهم الرموز الفلسطينية مثل: الزيتون، الأرض، المرأة، الثوب الفلسطيني، العلم الفلسطيني، والكثير من الألوان لعكس فلسطين الماضي الحاضر المستمر في أعمال منصور وذلك بحضور كامل المشهد الفلسطيني بأوج نهضته، هذا الحضور يجعل من أعمال سليمان الاكثر حضوراً الى حد ما في الوسط الفني. وقد ظهرت الأعمال في معرضه نسخة محدودة تحمل هذه الرموز وجاءت مصورة وليست نسخ اصليه في معظمها وذلك ما خلق حالة من الجدل في أوساط النقاد والفنانين، مثل ما جدوى اعادة استحضار الأعمال الفنية من خلال نسخ مصورة عنها؟ وهل في ذلك زيادة قيمة أم تشويه للعمل الفني الأصلي ذاته؟ وهل زيادة الطلب من الجمهور على الأعمال الفنية يعد مبرر كافي لاستحضار نسخ مصورة منها؟ وهل سوق الفن هو الذي يحفز هذه الظاهرة؟ وهل هذا الاستحضار يأتي كجزء من تقدير الفنان ومسيرته الفنية؟ وهل هذه المحاولة تعد اشارة لكل فنان بضرورة توثيق وحفظ أعماله الفنية بالطريقة المثلى على امتداد تاريخه الفني لإعادة استحضارها لاحقاً؟ كل هذه التساؤلات وغيرها لا تستطيع ان تواري حقيقة مسيرة سليمان الفنية الطويلة التي نلمس فيها عمق علاقة سليمان مع الارض وحب الأرض التي دفعته دائماً إلى الثورة من خلال أعماله الفنية والتي يعنونها بالأمل المتوج بالانتصار والذي يظهر من خلال متخيله للماضي الذي لا يريد خلاصاً آخر سوى هذه النظرة الملونة المفعمة بالأمل و التي تلده من جديد، ليظهر هنا لدى منصور ان الماضي ليس ذكرى لما مضى وإنما حاضر خصب لما يرفض المضي بنظره الذي يسقطه على كل فلسطيني، بغض النظر ان تنافر أو توأم مع الواقع.