صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب “قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة”، وهو ترجمة لكتاب Palestine Matters of Truth and Justice، من تأليف الدكتور عزمي بشارة. ويشتمل هذا الكتاب على مقدمة وقسمين وسبعة فصول وملحق، تركز كلّها على بحث واقع قضية فلسطين ومستقبلها في ضوء تجارب المؤلف الطويلة والأحداث الجسام لهذه القضية، مبتغيًا الموضوعية العلمية والنقدية، وليس الحياد الذي يساوي بين الظالم والمظلوم، والمحتل والرازح تحت احتلاله. ويضمّ الكتاب 393 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.
تسبّب الرواج الواسع للكتاب الصادر باللغة الإنكليزية (دار نشر هيرست، لندن، 2022) في الأوساط العامة والأكاديمية، في طلب متزايد لترجمته إلى اللغة العربية (ترجمه الدكتور باسم سرحان). ولا عجبَ من الطلب الكبير على مادة كتاب “قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة” في وقتٍ يشهد العالم فيه على استمرار النكبة والمقاومة في غزة، وخصوصًا أن بشارة أراد لكتابه أن يكون مراجعةً لتاريخ القضية الفلسطينية من منظور نقدي هو منظور الحقيقة والعدالة.
أولًا: مراحل الكتاب
كانت فكرة الكتاب قد انعقدت في ذهن الباحث بشارة بعد أن لقي كتيِّبُ صفقة القرن، في محاضرة له، ترحيبًا واسعًا، وقد ألحّ كثيرون على نشره باللغة الإنكليزية، فترجمه إلى هذه اللغة، مضيفًا مقدارًا من خلفية القضية الفلسطينية وتحليلها، واستنتاجات من دراسات سابقة، ومقالات باللغات العربية والعبرية والإنكليزية على مدى عقود ثلاثة، فكانت الحصيلة كتاب Palestine Matters of Truth and Justice.
يبدأ الكتاب بالنكبة الفلسطينية، متوقفًا عند المراحل الرئيسة لتطور الحركة الوطنية الفلسطينية والاستعمار الاستيطاني، وصولًا إلى “صفقة ترامب – نتنياهو” التي سُمّيت “صفقة القرن”، منتقلًا إلى تحليل بنية نظام السيطرة في فلسطين وطبيعته، ثم طارحًا الخيارات المختلفة في المستقبل. ويتخلل ذلك كله عرضٌ للمراحل الرئيسة في تاريخ القضية الفلسطينية، ومعالجةٌ لتداخلها مع المسألة اليهودية، ومع “المسألة العربية”، كما سمّاها، وتأثيرهما فيها.
والجدير بالذكر أن الباحث يقارب القضية الفلسطينية بصفته شخصًا عايشها يوميًّا سنوات طوالًا، كما أنه يعرف إسرائيل؛ ذلك أنه عاش في فلسطين، داخل حدود 1948، حتى قَسْرِه على الخروج منها، خائضًا الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية الإسرائيلية، ومتآلفًا مع حياة الفلسطينيين في الداخل والمنافي. وهو يعترف بأنه ليس محايدًا في كتاباته. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يكتب بأكبر مقدار ممكن من الموضوعية النقدية والعلمية، على غرار موضوعية النظر إلى المشروع الصهيوني في فلسطين بوصفه استعمارًا استيطانيًّا، فالموضوعية منهجٌ علمي لا يسمح للانتقائية وللأحكام القيمية والأيديولوجية بالتأثير في التفكير المنطقي والاستقراء والاستدلال. ثمّ إنه يُجيد التمييز بين الوهم والخيال في تفسير الحقائق. أما الحياد الذي يعلن المؤلف أنه لا يدّعيه، فهو في نظره موقف سلبي لاأخلاقي؛ إذ لا يقوم على التحيز والاصطفاف، كالنأي بالنفس والحياد بين الظالم والمظلوم، والمحتل والرازح تحت احتلاله؛ ولذلك لم يكن مصادفةً افتتاحُه الكتاب في فصله الأول، “حول السرديات والأساطير والدعاية الكاذبة”، بـــالنكبة وهي بحسب تعبيره “سلب الوطن الفلسطيني من أجل تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948 ” وذلك لإظهار أن القضية الفلسطينية ليست وليدةَ عام 1967، وليست رهينةَ حصْرِ السياسة الدولية إياها في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلين، بل إنها قضية ظُلم تُحَلُّ من خلال تطبيق العدالة فحسب، وليس وفق الكليشيهات الرائجة ضمن المساومة على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية (22 في المئة من أراضي فلسطين التاريخية)، كما لا يجب أن يختلّ فيها التوازن الدقيق بين متغيِّرَي الحرية والمساواة، مع الحذر الدائم من تجدد جوهر المشكلة كما يرى بشارة، وهو الاستعمار الاستيطاني المتبوع باحتلال وتطهير إثني وتهجير للسكان وإقامة دولة للأقلية مكان الأغلبية.
ثانيًا: ظروف نشر الكتاب ونتائجها
يظهر كتاب بشارة “قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة” في أحلك الظروف والأوقات التي تمر بها القضية الفلسطينية، فهي تتعرض لتهميش شديد، ثمّ إنّ دولًا عربية كثيرة طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، وبات انحيازها إليها أعمى وغيرَ مشروط؛ ما فرض على الفلسطينيين واقعًا من التوترات الدائمة والمعاناة اليومية. فهل فتَّ ذلك كلّه في عَضُد الفلسطينيين؟ إن الواقع يشهد بتشديد الفلسطينيين أكثر فأكثر على النضال من أجل العدالة في فلسطين، فقد توارثت أجيالهم المتعاقبة القضية التي لا تنبع من كونها عربية فحسب، بل من كونها كفاحًا ضد استعمار استيطاني متواصل في قلب العالم العربي جعل المحنة الفلسطينية رمزًا لمكافحة الظلم وسببًا للانتفاضات الشعبية في عامَي 2011 و2019؛ إذ إن الأحداث الفلسطينية التي بدأت في عام 2021 مع اقتحام جنود الاحتلال المسجد الأقصى في عملية “حارس الأسوار”، بالتزامن مع طرد عائلات مقدسية من منازلها في الشيخ جراح وسلوان وأحياء أخرى لإحلال يهود مكانها، ثم تفجُّر موجات احتجاج جماهيري دفاعًا عن الأقصى والعائلات، وإعلان حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عملية “سيف القدس” وقصفها غلاف غزة بالصواريخ … إلخ، كلها أحداث نسفت مقوله دونالد ترامب المتمثلة في زعمه أنه قادر على نقل سفارة بلاده إلى القدس من دون أي مضاعفات.
أما هرولة الدول العربية للتطبيع (أو إعلان التطبيع، على نحو أصح) والتحالف مع إسرائيل، بدعوى الحفاظ على استقرارها وحماية نفسها من إمكانية تخلي الولايات المتحدة الأميركية عنها كما حصل مع حلفاء مقرّبين لها في أثناء الثورات العربية، فيرى بشارة أنه يجب الكشف في هذا المضمار عن حقيقة أن التحالفات بين دول خليجية وإسرائيل كانت قد سبقت التطبيع؛ إذ إنها أُقيمت بعد انتفاضات 2011، وقبلها أيضًا، وكان ما يجمع الطرفين خشية إسرائيل من الانتقال الديمقراطي في العالم العربي أولًا، وخشية العرب من إيران التي تقوم سياساتها على أسوأ استغلال للتنوع الطائفي في البلدان العربية وتفتيت مكوناتها المجتمعية ثانيًا.
ثالثًا: الرهان الإسرائيلي وفشله الحتمي والحلّ
يرى بشارة أن القضية الفلسطينية هي آخر حالة كفاحٍ ضد استعمار استيطاني في العالم يراهن القيِّمون الإسرائيليون عليه على تلاشي القضية الفلسطينية بمحافظتهم على وضع السلام والتطبيع القائمَين مع الدول العربية، وتحويل أصحاب الأرض إلى “شعوب أصلانية” (نموذجَا أستراليا وأميركا مثلًا) أو “محليين”، وهي محاولات لا تبدو مُجدِية في فلسطين. وبحسب بشارة، يَحُول عاملان أساسيّان دون ذلك، هما:
- طابع الفصل العنصري للمشروع الاستعماري نتيجة رفض إسرائيل تقسيم فلسطين إلى دولتين وفق قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1947، وتكريسها نظام فصلٍ إثني في فلسطين التاريخية يعيش في ظله شعبان تحت حكم دولة واحدة ونظام اقتصادي واحد، ولكنْ بنظام قانوني يفرِّق بين الحقوق المدنية والإنسانية للمحتلين والخاضعين لهم. وبناءً عليه، فإنه لا يمكن أن يكرّس الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي نفسه مهما طال الزمن، بل عليه الاعتراف بالظلم التاريخي الذي ألحقه بنصف سكان فلسطين التاريخية وتقويمه، بدلًا من أن يصر على قوانين تتبنى يهودية الدولة كقيمة عليا، وتحتكر العنف لضمان التفوق الديني – الإثني، وتعتنق أيديولوجيا قومية ذات طابع ديني؛ فإسرائيل بوضعها الراهن لم تتطور إلى دولة لكل مواطنيها ولن تتطور إلى ذلك أيضًا.
- امتلاك الفلسطينيين وعيًا قوميًّا وتطلعات وطنية وحسًّا بهوية وتاريخ وطنيَّين، وكذا اعتبارهم أنفسهم جزءًا من جماعة عربية أوسع؛ ولذلك استمرّوا، على الرغم من جميع محاولات طمس كيانهم السياسي والاجتماعي، في التطلّع إلى استعادة حقوقهم المشروعة وتحقيق مطالبهم الوطنية. أما الحركة الصهيونية، فما كانت لتنجح في خلق شعب لو لم تنجح في احتلال فلسطين؛ إذ زرعت الحس بالهوية القومية اليهودية من خلال عملها على إقامة مؤسسات وبناء اقتصاد ولغة وجيش ووعي بحقوق جماعية وفردية في إطار كيان سياسي.
وفي هذا المجال، في الإمكان إضافة عامل ثالث هو البيئة الشعبية الإقليمية المعادية لإسرائيل، والتي يشكل توق شعوبها إلى الحرية والعدالة داخل بلدانها ذاتها مصدر خوف إسرائيلي.
رابعًا: المسألتان اليهودية و”العربية” مصدرَين لتعقيد الصراع
إن ما زاد المسألة الفلسطينية تعقيدًا وعرقل تحرر الفلسطينيين هو تداخل ما سماه بشارة بـ “المسألة العربية” (يُنظر كتابه بهذا العنوان ” المسألة العربية مقدمة لبيان ديمقراطي عربي منذ عام 2007)، وما يشار إليه في أوروبا منذ القرن التاسع عشر بالمسألة اليهودية وتقاطع موقع فلسطين الاستثنائي عند هاتين المسألتين. ويناقش الكتاب أبعاد هذا التعقيد، والمسارات الثنائية بين بعض الدول العربية وإسرائيل، التي “تَوَّجت” مسارًا طويلًا لحركة التحرير الوطني الفلسطينية من التكوين إلى الكفاح المسلح بفخّ السلام مع إسرائيل، الذي ترك المسائل الأساسية من دون حلٍّ، ولم يُكسب الفلسطينيين سوى اعتراف بمنظمة التحرير فحسب، بعد أن حولت القضية من أولى توحِّد العرب إلى نزاع إسرائيلي – فلسطيني حصرًا، وسلطة من دون سيادة ولا دولة، ومراوحة قاتلة في إيجاد حل للصراع، إضافة إلى تحرير إسرائيل من أعباء إدارة المناطق المحتلة، والأهم والأخطر إقامةُ نظام تنسيق أمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وانشقاق داخلي فلسطيني في إثر التخلي عن النضال، والاكتفاء بسلطة تبدو كمن يعمل لدى الاحتلال. ويناقش بشارة، أيضًا، نتائج إسقاط “الغرب” المسألة اليهودية على المنطقة العربية والفلسطينيين، وإسهام المسألتين في تعقيد قضية فلسطين ونشوئها في المرحلة نفسها التي تحررت فيها شعوب العالم الثالث من الاستعمار.
خامسًا: صفقة القرن: غياب المدبِّر وبقاء الروح
ربما تكون صفقة ترامب – نتنياهو في عام 2020 متوقفة المفاعيل في المشهد السياسي، إلا أن العقلية التي خطَّتها مستمرة حتى اليوم؛ فمن جهة، يستمر السياسيون الإسرائيليون في التفكير بعقلية الصفقة (الحوافز الاقتصادية) بدلًا من العدالة. ومن جهة أخرى، تلقي بعض الدول العربية اللوم على الضحية (الشعب الفلسطيني) لتبرير تحالفاتها مع إسرائيل، وهو تقليد، ونوع من التفكير الاستراتيجي يرجع إلى النكبة، ويتضمن المتاجرة بالقضية الفلسطينية لكسب نفوذ في الغرب. ومن جهة ثالثة، لا يزال اعتناق الخطاب القومي للصهيونية الدينية في الإدارة الأميركية مستمرًّا كما كان في إدارة ترامب.
سادسًا: النظام القائم في فلسطين ومستقبله
في تحليل الكاتب طبيعة النظام القائم في فلسطين في بداية العقد الثاني من القرن العشرين، يتناول مصطلحَي “الاستعمار الاستيطاني” و”الفصل العنصري” من أجل اكتساب فهمٍ أوضح للواقع الحالي، ويُقرّ بأن اختيار برنامج سياسي يحتاج إلى ما هو أبعد من التحليل، وأنه يتوقف على وجود الفاعل السياسي التاريخي، طارحًا أسئلة، من بينها ما يلي: أينبغي تركيز النضال الجمعي على محاربة الفصل العنصري والكفاح من أجل حقوق متساوية في دولة واحدة، أم ينبغي السعي لإقامة دولة فلسطينية منفصلة؟ هل أنّ طبيعة نظام القوة والسيطرة في فلسطين حاليًّا هي المقرر لحل الدولة الواحدة أو الدولتين؟ ثم إنه يجيب بأن تحليل الاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري الإسرائيليين قد يساعد في تقرير أشكال المقاومة المتبنّاة، لكن الأمر غير حاسمٍ في اختيار الحل أو البرنامج السياسي؛ فنتيجة الحلول المتفاوض عليها تتعلق بهيكل نظام السيطرة، وأشكال المقاومة وكفاءتها وتماسكها، وإجراءات الفاعلين السياسيين وتماسك حركة التحرر، وطبيعة النظام الدولي، والوضع الجيوستراتيجي، وعوامل أخرى أيضًا.
يناقش الكتاب استراتيجيات النضال الفلسطيني الأنجع، انطلاقًا من دراسة أكاديمية لاقتراح استراتيجية نظرية للمقاومة، وينظر في أنماط التنظيم والفاعلين من البشر والظروف المحيطة بالمقاومة ومكانها وزمانها، ويحاول الإلمام بجوانب رئيسة من القضية الفلسطينية، ويطرح أفكارًا غير مألوفة في فهم تاريخها؛ تكثيفًا لعقود من تجارب مؤلفه الشخصية، وقراءاته، وتأملاته، وكتاباته في هذه المسألة أو حولها أيضًا.
كتاب “الطوفان الحرب على فلسطين في غزة”
صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أيضًا كتاب الطوفان الحرب على فلسطين في غزة. ويضمّ هذا الكتاب، الذي يقع في 184 صفحة شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا، مقدمةً وأربعة فصول. ويركّز أول هذه الفصول في توسُّعٍ – وهو أطولها – على تقييم حرب إسرائيلية مجرمة لا تزال تجري في غزة، في إثر عملية “طوفان الأقصى”، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ويركّز كذلك على خلفية هذه الحرب ودوافعها، وأسباب استمرار إسرائيل فيها، وإخفائها مخططات ما تسميه “اليوم التالي”، على الرغم من الخسائر التي تلحق بها. ويكشف الفصل عن حجم جريمة ما ترتكبه إسرائيل من أعمال إبادة الجماعية وضد الإنسانية. أما الفصول الثلاثة الأخرى، فهي مقالات ومحاضرات مبنيّة على وقائع الحرب وتأثيرها ألقاها المؤلف بعد انطلاقتها، وقد جاءت مكمّلةً للفصل الأول.
يناقش بشارة في هذا الكتاب، كما يقول، حدثًا لمّا يزل كاتبه وقراؤه يعيشونه، ويبحث في موضوع كبير وممتد لمّا تُعرف خواتيمه بعد، ويصعب الإلمام بجميع مكوناته وآثاره. ويضيف قائلًا: “صحيح أن الكتابة عن بعض جوانب ظاهرة اجتماعية ما من مسافة زمنية أبعد تكون أيسرَ، وأكثرَ إفهامًا للتفاصيل والوقائع، وأشدَّ أهميةً في التحليل الشامل، كما أنها مدعاةٌ لإلمامٍ أكبر بحقائق لا تُرى قبل انجلاء الغبار عنها، إلّا أن للقرب الزمني من الحدث ومعايشتِه فضائلَ أيضًا على الرغم من صعوبات الكتابة بأسلوب علمي مع استمرار الحرب”.
وقد صدر هذا الكتاب بالتوازي مع إصدار الترجمة العربية لكتاب بشارة “قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة”، في خضمّ أُتون الحرب المجرمة التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، والتي اكتسبت صفتَي “حربالإبادة الجماعية” Genocide؛ فبعد أن حسم الباحث أمره بشأن عدم جواز تجاهل أيّ إصدار جديد حربًا شاملة كالتي تُخاض ضد الشعب الفلسطيني، حتى لو كان ترجمةً لكتاب صدر قبل نشوبها، واجه حيرةً بين خيارات ثلاثة:
يتمثّل الخيار الأول في إضافة مادةً إلى كتاب “قضية فلسطين” المترجَم لم تكن من صلبه، وتكون متعلقة بحرب غزة التي ما زالت تجري حتى اليوم، وبخاصة لأن الأحداث العظمى التي نشهدها حاليًّا بدأت تشكّل منعطفًا في تاريخنا.
أما الخيار الثاني، فهو يتمثّل في إضافة فصل في نهاية الكتاب المترجَم عن حرب غزة، ولكن سرعان ما تبين للباحث أن هذا الخيار، قبل اتضاح نتائج الحرب، موسوم بـ “محدودية الضمان”، وقد يورط الكتاب كله بهذا الوَسْم. ولذلك، لجأ إلى خيار ثالث هو أن يكون هذا “الفصلُ” المقترحَةُ زيادتُه خارجَ الكتاب، على شكل كتاب أصغر يُرفق به؛ ومن ثمّ تكون قراءته منفردًا أمرًا ممكنًا. وهكذا، كان كتاب “الطوفان الحرب على فلسطين في غزة”، الذي كان الفصلُ المطلوب أولَ فصوله الأربعة (عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة) وأطولها (71 صفحة)، في حين مثّلت الفصول الثلاثة الأخرى ثلاثة نصوص متفاوتة الحجم نشرها الكاتب في أثناء الحرب، وهي:
- الفصل الثاني “قضايا أخلاقية في أزمنة صعبة” (دراسة نُشرت في دورية تبيُّن، العدد 47، شباط/ فبراير 2024).
- الفصل الثالث “الحرب على غزة: السياسة والأخلاق والقانون الدولي” (محاضرة ألقاها بشارة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – الدوحة، في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023).
- الفصل الرابع “الحرب على غزة وأسئلة المرحلة” (المحاضرة الافتتاحية لأعمال الدورة الثانية للمنتدى السنوي لفلسطين التي قدمها بشارة يوم 10 شباط/ فبراير 2024 في الدوحة، والتي نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية).
وقد جاءت فصول الكتاب الثلاثة، الثاني والثالث والرابع، مكمِّلةً للفصل الأول في معالجة قضايا لم يتوسع في تناولها. وقد يتفق القارئ مع الكاتب على أن قراءة “الطوفان” الأحداثَ الجارية تؤكد صحة تحليلات سلفه باللغة الإنكليزية، ثم كتابه بالعربية “قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة” واستنتاجاته؛ ذلك أنّ الهدف من إخراج هذا السِّفر الصغير هو فهْمُ ما يجري، والحفاظ على ذاكرة الضحايا المظلومين، عسى ألّا تذهب دماؤهم ومعاناة من بقي منهم حيًّا هباءً، وليس البحثَ في تاريخ منفصل لقطاع غزة والقضية الفلسطينية؛ فهو قد وُضع ليكمِّل الكتابَ المترجَم الذي يُمكن الرجوع إليه لفهم العديد من الخلفيات على نحو خاصّ.