يفتتح غاليري زاوية في رام الله يوم الثلاثاء المقبل 30 تموز/يوليو الساعة السابعة مساءً معرضاً للفنان الفلسطيني محمود الحاج تحت عنوان “تشريح السيطرة”. يتناول المعرض، الذي تقيّمه رنا عناني، عنف المستعمر وآليات الهيمنة على الجغرافيا الفلسطينية بعين فنان ولد وعاش في غزة.
يستكشف الحاج في أعماله الفنية الأساليب والبنى القمعية المستخدمة على مر السنين لإخضاع الفلسطينيين، والتي بلغت ذروتها في الإبادة الجماعية المستمرة والفظائع التي ترتكب في قطاع غزة، حيث تضخم العنف وأدوات السيطرة بشكل يفوق الخيال. يوظف الحاج في أعماله الفنية وسائط رقمية متعددة منها الكولاج والصور الفوتوغرافية والطباعة مستخدما أسلوبا متفردا يظهر براعة ودقة عالية في توظيف الأرشيف الرقمي والتعامل مع التفاصيل.
ويتألف المعرض من مجموعة من المشاريع انجزها الفنان في الفترة القريبة الماضية، منها: “عنف على مدار الساعة”، و”٤٠٢ من الرمادي”، و”هش”* معتمدا على صور “تعكس التدفق الجنوني للأحداث العنيفة” من حوله كفنان، فينتقي صوراً “فقدت بريقها في عيون المشاهدين وتلاشت عبر الأبواب الخلفية لمحركات البحث على الانترنت”، وصورا “لها تداعيات على نفسه وعلى من هم في محيطه”، يعالجها ويقدمها في سردية فنية معاصرة.
يقول الحاج عن بناء سرديته الفنية: أعتمد على تشريح الصور ذات الجودة المنخفضة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والعنف والاستراتيجيات الاستعمارية بصريًا ومفاهيميًا. ثم إعادة بنائها من خلال عملية رقمية مكثفة، مما يضمن إنشاء عمل رقمي جديد يقدم نتائج غير متوقعة، مفتوح لتفسيرات متنوعة. يتضمن ذلك دمجها مع صور/مواد من مصادر أخرى، مثل خرائط جوجل، ولقطات الاستطلاع الجوي، وأشرطة الأدوية الفارغة.
ولد محمود الحاج في عام 1990، وحصل على درجة البكالوريوس في الصحافة وعمل مدرسًا للفنون التشكيلية في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني منذ عام 2017. أنتج الحاج 6 مشاريع بين التصوير الفوتوغرافي والفن الرقمي والفيديو، عرضت على نطاق واسع في فلسطين وأوروبا والولايات المتحدة. وفي عام 2022 عرض فيلمه التجريبي القصير «الحق في النظر» في مهرجان الفيديو Les Instants الخامس والثلاثين في مرسيليا، وفي عام 2021 شارك الفيلم في مهرجان القاهرة للفيديو بالتزامن مع معرض ثنائي بنفس الاسم في استوديو Plaatsmaken- في هولندا بالتعاون مع روب فورمان.
نظم الحاج معرضه الفردي الأول (402 من الرمادي) في غزة، ومعرضه الفردي (عنف على مدار الساعة) في غاليري Uxval Gochez في برشلونة في عام 2024، كما شارك في عدد من المعارض الجماعية مثل (Fenced Off) في اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2022، و(ART NOW) في جاليري ون في عام 2021، و(Art in isolation) في معهد الشرق الأوسط في واشنطن في عام 2020، و (Contemplative Contrasts) في مؤسسة عبد المحسن القطان و (Orient 2.0) في استوديو بولكري في هولندا في عام 2017، ومعرض شخصي بعنوان “عنف على مدار الساعة” في غاليري Uxval Gochez في برشلونة في عام 2024.
أنهى في عام 2021 إقامتين فنيتين في الأكاديمية الملكية الإسبانية في روما والأكاديمية الملكية للفنون في لاهاي. وأنهى مؤخرًا إقامته في المدينة الدولية للفنون في باريس.
يستكشف محمود الحاج في هذا المعرض العنف الاستعماري وآليات الهيمنة الكولونيالية على الجغرافيا الفلسطينية قبل أن تبلغ ذروتها مؤخرًا متمثلة في الإبادة الجماعية المستمرة والفظائع التي يرتكبها المستعمر في قطاع غزة، حيث تضاعف العنف وازدادت أدوات السيطرة إلى حد يفوق الخيال.
يغوص الحاج في موضوع تكنولوجيا صناعة العنف، والتي تبدو له وكأنها ورشة مستمرة ينظمها المستعمر خلف الكواليس لاختراع وتطوير الأساليب الأعنف والأقسى ولاختبار تطبيقاتها لإخضاع الفلسطيني. ويحاول في مشاريعه الفنية في هذا المعرض الإجابة عن سؤال: كيف يمكن تقديم سردٍ فنيٍّ لصور العنف تلك؟ فيقدم أعمالًا فنية متعددة الطبقات، تتماهى ما بين الواقع والخيال، لتؤكد على التشويه غير المرئي الذي يحدثه عنف المستعمر على مر السنين وتأثيره في وعي الفلسطيني.
يتألف المعرض من مجموعة من المشاريع أنجزها الفنان خلال السنوات الأخيرة، منها: “عنف على مدار الساعة”، و”٤٠٢ من الرمادي”، و”هش”* معتمدًا على صور “تعكس التدفق الجنوني للأحداث العنيفة” من حوله كفنان. فقد انتقى صورًا في أعماله “فقدت بريقها في عيون المشاهدين وتلاشت عبر الأبواب الخلفية لمحركات البحث على الإنترنت”، وصورًا أخرى كان “لها تداعيات على نفسه وعلى من هم في محيطه”، عالجها وقدَّمها في سردية فنية معاصرة.
يركب الحاج طبقات من الصور التقطت على مَر السنوات ويقارن بينها لاكتشاف التغييرات عبر الزمن، وكأنه محقق استقصائي في مهمة تحري بالغة الدقة، يجمع ما تتركه السياسة الكولونيالية من آثار بما فيها تشويه المشهد ورسم معالم التحكم والسيطرة ويجد الدلائل في أماكن مختلفة منها الجدار ومكبات الصرف الصحي والثكنات العسكرية وأبراج المراقبة، والشوارع والدواوير والحدود وغيرها. في مشروعه “٤٠٢ من الرمادي” يُخضع الحاج جدار الفصل العنصري للتشريح ويدمجه ويقارنه بصريًا بالحصار “الرمادي” المفروض على غزة لسنوات طويلة. يقول “لم أعرف ماذا يعني أن أكون محاطًا بكل ذلك الرمادي الذي أصبح جزءًا من كل شيء، فالجدار رمادي، الحصار رمادي، القصف رمادي، الأبنية رمادية، الناس رمادية، السياسة رمادية، والنقود رمادية. كل شيء رمادي.”
أنجز الحاج مشروعه “هش” بوحي من حالة الحجر الصحي إثر انتشار “كوفيد-١٩”. وكان لسان حاله، أنه في الوقت الذي دخل فيه العالم مرغمًا إلى حالة من الحجر الصحي، كانت غزة قد مرت بسنوات طويلة من الحجر الكولونيالي، أو ما اصطلح على تسميته بـ “الحصار” دون أن يحرك أحد ساكنًا. استخدم الحاج شرائط حبوب الأدوية الفارغة التي بدت وكأنها أبنية شاهقة بشبابيك صغيرة ليعبر عن حالة التخدير التي يعيشها العالم إزاء غزة وأنه بحاجة ماسة إلى شفاء عقلي وجسدي إثر الابتعاد عن إنسانيته وضميره الحي. وفي الوقت ذاته، فقد خلقت العزلة عن العالم في غزة حاجة الناس للهروب من الواقع وخلق عوالم بديلة باللجوء الى الأدوية.
ويحاكي مشروعه “عنف على مدار الساعة” الأرشيف الذي عمل الحاج إلى تفكيك وإعادة بناء أجزاء محددة منه وتحديدًا أرشيف العنف الخاص بالحاكم العسكري، على امتداد الفترة ما بين 1987إلى 2023، وإخضاع هذه الصور والمواد لعملية معالجة رقمية دقيقة.
تكمن قوة مشاريع الحاج من استشرافه لمستقبل تكنولوجيا العنف وتتبعه لها بتفاصيلها، وهي قضية تزداد أهمية في السياق الفلسطيني مع تصاعد الإبادة الجماعية في غزة باستخدام هذه التقنيات. كما تستمد بريقها من اهتمامه بالتفاصيل وقدرته على تخطي محددات التقنيات الرقمية وعدم الاستسلام السهل لسحرها، بل يتخذ الطريق الأصعب في محاولته المستمرة لتطويعها لخدمته. فهو لا يدعها تقوده، بل يقودها لتنفيذ رؤيته وأفكاره بالدقة والشكل الذي يريد.