بعيداً عن المجزرة
قريباً من الشظية
هكذا يُفَسَّر الوقوف في الشارع المهدد بالإخلاء!
أثناء موسم العودة إلى المدارس في عوالمٍ موازية
تحتار أمي كيف تعبئ البيت في حقيبة مدرسية!
يأخذها الأمر ساعات طوال، دون أن تضع شيئاً واحداً بعينه!
تقول، أحضروا الفراش… الحقيبة ضيقة لا تتسع!
أحضروا الجدار والنافذة وأوراق الليمون، فتتمزق الحقيبة!
وتحتار مرة أخرى، كيف تحمل البيت في حقيبة!
ثم تتنهد وهي تنزح للمرة الرابعة: ” والله اشي بِبَكِي…”
وتترك الحقيبة، ثم مجبرةً تأخذ الخيمة!
يقول المستعمر: ” إلى كل المتواجدين في بلوكات 2232… من أجل أمنكم انتقلوا فوراً إلى المنطقة الآمنة”
ثم يَقصِف النازحين في شارع صلاح الدين وفي مهزلة المنطقة الآمنة!
ينتظر تجمعنا في مكان، كي يقصفنا مجدداً ويرقص في غرفة التحكم عن بعد خاصته!
الأمر بمثابة لهو لهم!
الطريق إلى جامعة الأقصى- خانيونس، كان دافئاً
الآن، هو طريق طويل للنزوح
وللبحر المتراص أمامنا كعناق خجول
هل عسانا بعد الإبادة، أن نذهب للبحر دون ندب الخيمة والأشلاء؟!
يقول أحد الأصدقاء النازحين: ” لا مناص من البحر، ولا فراق بعد الآن.”
هل يتسع البحر لخيامنا؟ لألمنا ولدمنا المتناثر بلا حساب؟!
هل للبحر أن يرسل صدانا للمحيطات المجاورة،
عَلَّ حوتاً عملاقاً يضرب قاعدة” زيكيم” العسكرية!
في عالم ليس لنا،
هل لنا أن نبتدع أبجدية جديدة للخوف وللألم والبيت والشارع؟!
في عالم ليس لنا،
أصبح النزوح رفاهيةً لمن يملك خيمة؟ أو أقارب لا زال بيتهم قائماً…
في عالم يفرضه المستعمر علينا، ونقارعه بخيمة!
هل لنا أن نرتب البيت مرة أخيرة، قبل أن ننزح؟!
هل لنا أن نصوره للذكرى، ونخزن كل ضحكاتنا وبكائنا وصراخنا
وأيام العيد وأول يوم في الجامعة ونتائج الثانوية العامة وفرح الإخوة
ثم ننزح؟!
هل ثمة طريقة مثلى للنزوح،
دون أن يتشظى القلب ويترجف الصوت؟
أيا حرباً تحارب نعشنا المكتمل،
أما آن لك أن تصمتي؟!
لنحسن الوداع، ونُعَمِّر قلوبنا بالبلاد مرة أخرى؟!
أما آن لك أن تتوقفي
وتبتلعي المُستَعمِر، لا نحن؟!
فمسافة الموت، أقرب من شاهد قبر مكتوب بفحم بيت محترق إثر حزامٍ ناري!