ألان رينيه: سينما الحب والذكريات وسؤال الماضي

نور الملاح

كاتب من الاسكندرية

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

07/09/2016

تصوير: اسماء الغول

نور الملاح

كاتب من الاسكندرية

نور الملاح

كيف يرى رينيه الحياة؟ أو كيف يرى انعكاسها على السينما؟ هذا التساؤل الذي أثار فرانسوا تروفو عن علاقة الحياة بالسينما وعلاقة السينما بالحياة وأيهما أهم السينما أم الحياة؟ هو سؤال مفصلي في العلاقة مع سينما رينيه، انعكاس الحياة على سينما رينيه كان له صدى صادقاً وخيالياً وقاسياً أيضاً وطالما كان فيها اختبار لمشاعر مثالية ومضطربة.

في أفلامه الأولى التسجيلية، بالأخص فيلم “ليل وضباب” في 1955 الذي تم وصفه بأنه أهم فيلم قصير في تاريخ السينما، كان رينيه يعبّر بكل صدق وشاعرية عن الجرائم التي كانت تحدث في المعسكرات النازية، والراوي جان كايرول كان شاهداً على هذه الجرائم وظهرَ بنبرة صوته في شريط صوت الفيلم بمصاحبة أوركسترا جورج ديليرو وموسيقى أصلية لهانز ايسلر، فمشهد النهاية في هذا الفيلم هو من أكثر المشاهد شاعرية في تاريخ السينما العالمية، ترجع الكاميرا إلى الوراء منسحبة من الخراب في إدانة واضحة وصريحة على السكوت تجاه ضعف وبكاء الإنسانية المستمر. نحن في هذا الفيلم وأفلام أخرى تسجيلية لرينيه نجد هذا التناغم بين الموسيقى مع طريقة سرد الراوي بتداخل رومانسي نادر قلّما نجدها إلا في أفلام رينيه.

يستمر حلم رينيه وسينماه في فيلم “حبيبتي هيروشيما” في 1959 وهو أول أعماله الروائية الطويلة وقد شارك في مهرجان كان في العام نفسه وفاز فيلم تروفو “أربعمئة ضربة” بالسعفة الذهبية وقتها، لكن حاز فيلم رينيه على جائزة النقاد وجائزة كتاب السينما والتلفزيون، لا توجد مقارنة بالطبع فكان رينيه مخرجاً له اسمه وأعماله في وقت كان تروفو مايزال شابا يُخرج أول أفلامه بشكل وأسلوب جديدين وقتها، فلم يكن رينيه محسوباً على الموجة الفرنسية الجديدة، كان يغرد في فضاء خاص به، بعيداً عن أولاد أندرية بازان.

فالحرية وسؤال الماضي والذكريات وسياقاتهما هما سمة أفلام رينيه الأخيرة التي انتصرت وسجلت لحظات سعيدة وأخرى حزينة للحب والحياة والذكريات ولحظات الفرح والتوتر

في فيلمه “حبيبتي هيروشيما” استعاد رينيه أكثر الأشكال كلاسيكية في التعبير السينمائي ليُخرج تحفة فنية تدين الحرب وتمجد الحب في سياقات مختلفة من المشاعر المضطربة عن آلام الفقدان وذكريات الحرب، واستعان بمشاهد تسجيلية من مصادر مختلفة لآثار الدمار النووي على مدينة هيروشيما، ليذكرنا مرة أخرى بمخاوفه وآلامه من ذكرى الحروب والدمار والضرر النفسي والجسدي الذي يلحق بطلة الفيلم، ويستمر رينيه في استخدام أسلوب السرد باختيار واعي لكلمات لها وقع رومانسي في “هيروشيما حبيبتي”، لنقفز سنوات إلى الأمام، وآخر أفلام رينيه قبل أن يرحل عن عالمنا أول مارس 2014 ليلة سبت، نجد أن أسلوب رينيه لم يتغير في أفلامه الأخيرة، بل أصبح أكثر انفتاحاً وأكثر جمالاً، نجده يجيب عن سؤال الحرية في أبهى صوره، حيث أعطى لممثليه مساحات كبيرة من الحرية في الأداء، وجعلهم أكثر حركة وحيوية، وأبسط في التعبير، ومع عدم إهمال الجانب الأدبي والمسرحي المغلفة به أفلامه، ففي أحيان كثيرة كان يعتمد على الجانب المسرحي في حركة الممثلين والطابع الأدبي الحزين في طريقة سرد الأحداث وتطورها، ونجد الشكل الأدبي حاضراً بقوة في فيلم “تدخين/ ممنوع التدخين” في 1993، في تناول رواية الان ايكبورن ” تبادلات ودية”، وأيضاً نلاحظ سياقات حركية مسرحية في الفيلم مع إعطاء مساحات أكبر من مساحة المسرح، مع ملاحظة أن الفيلم يحكي قصصاً مختلفة بشخصيات مختلفة لكن الممثلين اثنان فقط، يتقمصون كل تلك الشخصيات، لتشعر بعد نهاية الفيلم أنه كان ثرياً وغنياً بالمشاعر وتنسى أنهم اثنان فقط، وهنا تظهر براعة رينية في اختياراته ووصوله لفهم ووعي في التمثيل لدرجة أنه سيحكي كل شيء يريده بشخصين فقط ولا تفقد الحكاية عنصر المتعة، وهذا ما نراه لاحقاً بذكاء في أفلام المخرجة الفرنسية الموهوبة فاليري دونزيلي.

وبالرجوع لمنطقة شخصيات ألان رينيه نجدها دائما شخصيات مركبة لكن بدون تعقيد، تتعامل مع الموقف الحياتي بمنتهى البساطة والصدق، نجدهم يتحركون ويعبّرون عن مشاعرهم بدون أي فلسفة ولا نجد أي تعقيد في أن تعبّر الشخصيات عن نفسها ومشاعرها بالأغاني، فكانت أفلامه الغنائية ممتعة، وعكست كثيراً من روح رينيه وتعامله مع الواقع، نجد مثلاً في فيلمه الغنائي الأشهر والأجمل الذي حقق مبيعات ضخمة في السينمات الفرنسية، “نفس الأغنية القديمة” في 1997 أنه كان يرى الواقع بشكل ممتع وساخر وبسيط، فظروف مقابلة شخصيات الفيلم لبعضها، وأسلوب الإخراج (الميزانسين)، وطريقة السرد الغنائية، بأغاني فرنسية قديمة شهيرة قد وضعتنا أمام فيلم مذهل وبسيط يحتوي على عناصر السينما الممتعة، نجده أيضاً قد استقر على سابين أزيما كممثلة في كل أفلامه الأخيرة وهي زوجته أيضاً، والممثل العظيم بيير ارديتي أيضاً. فقد وجد رينيه فيه ضالته السينمائية، فكان يتعامل معه على أنه انعكاس لنفسه في السينما.

رينيه عكس لنا أقوى وأجمل لحظات السينما في كل الأوقات في كل أفلامه،  فالحرية وسؤال الماضي والذكريات وسياقاتهما هما سمة أفلام رينيه الأخيرة التي انتصرت وسجلت لحظات سعيدة وأخرى حزينة للحب والحياة والذكريات ولحظات الفرح والتوتر، وخلقت حالة وشكلاً لسينما مذهلة تضعنا أمام حقيقة أن رينيه من القلائل الذين أجابوا على ثنائية الحياة والسينما بمنتهى الصدق.

الكاتب: نور الملاح

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع