في إحدى المقابلات التي أجريت مع الروائي إلياس خوري قال: أنا لا أكتب فلسفة، ولا أكتب فكراً مجرداً. أنا تلميذ صغير في مدرسة إدوارد سعيد. (حوار نادية عصام حرحش).
وفي مقال لإلياس عنوانه “إدوارد سعيد: المثقف اليهودي الأخير” يأتي على أطروحات إدوارد عن القضية الفلسطينية، فالأفق الوحيد للحل، وفق إدوارد، هو في دولة ثنائية القومية.
يتأمل إلياس كلام إدوارد في “لحظة السقوط المروعة للحركة الوطنية الفلسطينية، وفي زمن الانهيار العربي الراهن. يتأمل كلامه كي يتمسك بالمبنى الأخلاقي الذي يجعل من قضية فلسطين “قضيتنا السياسية والفكرية والثقافية والأخلاقية، رغم كل ما يجري حولنا.”
ولا تخلو مقابلات أخرى، مثل المقابلة التي أجراها سليم البيك مع إلياس .ونشرها مؤخراً في “رمان” من ذكر إدوارد، على لسان السائل والمسؤول معاً.
يرى إلياس خوري أن قارئ الأدبين الفلسطيني والإسرائيلي يجد تفوقاً أخلاقياً في الأدب الفلسطيني، وهذا هو الذي جعل إدوارد يقول: إن المثقفين الإسرائيليين هم مجرد مثقفي ضواحي. والعبارة أوردها إلياس في مقاله “إدوارد سعيد : المثقف اليهودي الأخير “.
وإذا كانت مقالات إلياس ومقابلاته لا تخلو من ذكر إدوارد، فإن رواياته أيضا لا تخلو من هذا الجانب، سواء على لسانه أو على لسان شخوصه.
في التمهيد الذي كتبه إلياس لرواية “أولاد الغيتو.. اسمي آدم” (٢٠١٦)، يأتي على ذكر إدوارد سعيد، ويورد ما كان إدوارد يقوله حول شخصية تعرّف إلياس إليها، وحذرته من إقامة علاقات مع طالبات جامعيات، حتى لا يدمر مستقبله الأكاديمي. كان إدوارد يصف ذلك الرجل بأنه ملك السكس.
يتأمل إلياس كلام إدوارد في “لحظة السقوط المروعة للحركة الوطنية الفلسطينية، وفي زمن الانهيار العربي الراهن. يتأمل كلامه كي يتمسك بالمبنى الأخلاقي الذي يجعل من قضية فلسطين “قضيتنا السياسية والفكرية والثقافية والأخلاقية، رغم كل ما يجري حولنا.”
في رواية خوري “باب الشمس” (١٩٩٨) يرد اسم إدوارد سعيد على لسان بعض الشخصيات (ص ٣٧٣)، حين يأتي السارد على استقباله كاترين الفرنسية التي جاءت لتمثل نصاً مسرحياً كتبه جان جينيه، وتسأل هذا السارد: لماذا يكره الناس الفلسطينيين؟ يجيب: احترت ماذا أقول لها. أأخبرها عن تمزق الحرب الأهلية، أم أقول لها ما قالته نهيلة للضابط الإسرائيلي: نحن يهود اليهود.
إن عبارة “الفلسطينيون هم يهود اليهود” عبارة كان إدوارد يعلمها لطلابه، ويقولها على مسامع أصدقائه، وهو ما يرد في قصيدة محمود درويش “طباق” (٢٠٠٥).
في “أولاد الغيتو” يقول آدم: لن ألوم أبي، فهو لم يكن سوى ضحية تستحق الشفقة. ويبدو أنني لا أستطيع أن ألوم مولا ورجاله، لأنه قيل لي إنني يجب ألا ألوم اليهود لأنهم ضحايا. أنا لست ضحية واحدة كما علّمنا إدوارد سعيد، بل ضحية ضحيتين (ص ٢٧١).
وهكذا فإن عبارة آدم التي تعلمها من إدوارد هي العبارة نفسها التي نطقت بها نهيلة في “باب الشمس”، ولا أظن أن كتابات إلياس تخلو منها.
في “أولاد الغيتو”، يبدو إدوارد سعيد ذا هالة، وشخصية مؤثرة حتى على الأطباء، فالدكتور ميخائيل الذي شهد مجازر اللد في العام ١٩٤٨، يزور بيروت في صيف ١٩٨٢بطلب من إدوارد سعيد “الذي لا يستطيع أحد أن يرفض له طلباً، لما يتمتع به صاحب الاستشراق من هالة علمية وأخلاقية” (ص ٢٠٥).
حين يصغي آدم، المؤلف الضمني لرواية “أولاد الغيتو”، إلى د. مأمون الأعمى الذي التقطه من تحت شجرة الزيتون، من صدر أمه، في ١٩٤٨، و د. مأمون يلقي محاضرة في نيويورك عن شعر محمود درويش، يقول آدم عن لغة د. مأمون: “كانت لغته ساحرة وقدرته على القفز بين اللغتين العربية والإنكليزية تثير الدهشة، اقترب من المنصة بخطى مترددة، لكن ما إن وقف بنظارتيه السوداوين حتى صار مزيجا من طه حسين وإدوارد سعيد…” (ص١١٤).
هل رأي آدم يختلف عن رأي إلياس؟
هناك مناهج نقدية، مثل منهج “هيوبوليت تين” -المنهج الوضعي- تقول بوحدة العمل ومؤلفه، وإذا ما أخذنا بها، فإن كل ما ورد عن إدوارد سعيد في روايتي إلياس هو صادر عن إلياس خوري نفسه.