اتخذ المخرج الشاب”عمر الجباعي” من ستيشن بيروت فضاءً مسرحياً لتقديم عرضه الحركي “دوشكا” الذي تم عرضه من 13 إلى 18 تشرين الأول. شارك في البحث أثناء العمل بشار فرحات، حسب ما كُتب على بروشور المسرحية، واقتُبس المقطع/المزج الأول من قصيدة “كلمات سبارتاكوس الأخيرة” للشاعر المصري “أمل دنقل”. ولكن إلى أي بحث يشير البروشور؟
يبدو أن العرض مبني بالدرجة الأولى على قصيدة كلمات سبارتاكوس الأخيرة، فهذه القصيدة تقول ما يريد أن يقوله العرض بطريقة أخرى، إذ يكفي أن تُقرأ مرة واحدة ليتم اكتشاف الصيغة التبسيطية التي تم العمل عليها في المسرحية.
يبدأ “دوشكا” قبل فتح الستارة بدعوة الجمهور للوقوف من قبل الممثلتين المحنيتين بوضعية القردة، للتصفيق والتهليل للممثلة/ القيصر التي ستنزل من أقصى الصالة من الوراء وتمشي في موكبها مخترقة صفوف الجمهور. تنفتح الستارة على جثة مشنوقة على الطاولة الموضوعة في منتصف مكان الفرجة، يتبين فيما بعد أنها جثة ثائر مقتول. كأننا نقف أمام سبارتاكوس وهو يقول: “معلق أنا على مشانق الصباح وجبهتي بالموت محنية لأنني لم أحنها حية.. يا إخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين منحدرين في نهاية المساء في شارع الاسكندر الأكبر لا تخجلوا ولترفعوا عيونكم إلي لأنكم معلقون جانبي على مشانق القيصر”.
ينتهي العرض كما يبدأ بمشهد الثائر المقتول والقيصر المنتصر، الفرق الوحيد بين المشهدين (الأول والأخير)، أن الأخير يجري على وقع موسيقا مسجّلة غابت عن بقية المشاهد التي غرقت في سكونٍ أثقل الإيقاع. يذهب العرض في مشاهده الأخرى إلى تجسيد أحداث بسيطة من الحياة اليومية، فنشاهد فتيات يغزلن ويصنعن لفافات الحشيش ويلعبن الورق دون الاهتمام بالجثة المرافقة لهن في المشهد، والتي ستذكّر الأخريات بنفسها كأنها تعترض على عدم اكتراث الأحياء بموتها، عبر ضرب يدها على الطاولة مقاطعة مشهد لعبة الورق.
أين المتعة في عرض يتطرق إلى موضوع إشكالي شديد الحساسية والراهنية كموضوع الصراع على السلطة، بهذه الصيغة التبسيطية المباشرة، دون أن يبنى بإتقان ودون أن يحقق أبسط شروط التأثير الفني؟
تمتثل الفتيات/الشعب لأوامر القيصر، يقتلن بعضهن بعضاً مستخدمات الدوشكا في إحدى مشاهد العرض، يثرن على القيصر ويتصارعن على السلطة، يسقط القيصر ويعاود الظهور بعد كل ثورة، يتجدد شخصه وتتجدد معه أشكال وآليات العنف التي تستخدم بالدرجة الأولى لحماية قادة السلطة الحاكمة وقمع معارضيها والثائرين عليها، تتوالى ثنائية الثائر المهزوم والقيصر المنتصر عبر مشاهد العرض، كأننا نستمع إلى كلمات سبارتاكوس في القصيدة وهو يقول: “لا تحلموا بعالم سعيد فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد وخلف كل ثائر يموت أحزان بلا جدوى ودمعة سدى”.
استمر العرض لمدة ثلاثين دقيقة بإيقاع بطيء، وقُسّم إلى ثمانية مشاهد تخللتها لحظات صمت ثقيلة الوقع على النفس، مما جعل المدة الزمنية للعرض تبدو كأنها أكثر من نصف ساعة. دعي المشاهدون إلى التفاعل مع الممثلات في المشهد الأخير كما حدث في المشهد الأول، عبر الوقوف والتصفيق للقيصر وحاشيته، لكنه كان تفاعلاً خجولاً، وهذا ما جعل الجانب التفاعلي في المسرحية (وهو أحد أساساتها المفترضة) ضعيفاً وبحاجة إلى حضور قوي وبداهة عالية من قبل الممثلات.
قامت بتأدية الأدوار في المسرحية خمس فتيات من الهواة، يرتدين لباساً أسود، موحداً، يؤدين حركاتهن دون انسجام في اللحظات التي يفترض أن تكون فيها حركة الممثلات موحدة ومضبوطة بإيقاع واحد. حتى اللحظات التي تفصل المشاهد عن بعضها تمت ببطء، وجرى خلالها تغيير أماكن قطع الديكور، المكون من طاولة وأربعة مقاعد. تملّك الخجل بعض ممثلات المسرحية، فجعل من أنظار المشاهدين حملاً ثقيلاً لا قدرة لهن على احتماله، وبدت بعض لحظات الصمت كأنها تعلن انتهاء العرض قبل انتهائه.
استغرق الجباعي مدة شهرين في العمل، ليقدم لنا عرضا ضعيفاً على المستوى التقني والفني، وتبسيطياً مباشراً في طرحه الفكري، كأننا أمام عمل يستخف بذائقة المشاهدين، أو كأننا أمام باطل يراد به حق. لذا لنا أن نسأل أخيراً، أين المتعة في عرض يتطرق إلى موضوع إشكالي شديد الحساسية والراهنية كموضوع الصراع على السلطة، بهذه الصيغة التبسيطية المباشرة، دون أن يبنى بإتقان ودون أن يحقق أبسط شروط التأثير الفني؟
بطاقة العرض:
بحث: بشار فرحات
إخراج: عمر الجباعي
أداء: ساندي طعمة – لارا إيلو – مروى المصري – هديل السهلي – هنادي الشبطة
المكان: ستيشن بيروت