كان لتوقيع اتفاقية “كامب ديفد” بين مصر وإسرائيل عام 1978 أثر حاسم على الخطاب السياسي المصري، فأزيحت في مصر القضية الفلسطينية عن مركزها وتم تهميشها في ظل سياسات التطبيع، وامتد هذا الأثر إلى المجال الفني فغاب عن مجمل الأعمال السينمائية المصرية ذكر القضية الفلسطينية لأكثر من عشر سنوات، إلى أن عُرض عام 1991 فيلم بعنوان ناجي العلي، إخراج: عاطف الطيب، تأليف: بشير الديك، وبطولة نور الشريف.
كان العرض الأول للفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي حينها، و”يذكر أن القائد الفلسطيني ياسر عرفات اتصل آنذاك بالرئيس المصري حسني مبارك ليحاول منع عرض الفيلم”، ولكن المحاولة باءت بالفشل، إلا أن الجدل الذي أثاره الفيلم في الأوساط المصرية، خصوصا في الصحافة كان كبيرا ووصل إلى حدود الأذيّة. لأن الفيلم يتكلم عن حياة رسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي، وهو فنان تمسّك بحرية الإنسان وكرامته وظل طوال حياته متحرراً من عبء الانتماء إلى تنظيم سياسي. تعرّض طاقم الفيلم لهجوم عنيف من قبل “كلاب حراسة” السلطة المصرية، التي كانت من بين السلطات التي طالها نقد ناجي العلي في رسوماته.
عن هذه الوثيقة السينمائية، تم تخصيص حلقة من حلقات برنامج “خارج النص” التوثيقي، الذي يعرض على قناة الجزيرة.
استعرض البرنامج الحملة الصحفية التي تم شنها على الفيلم والصراع الثقافي والسياسي الذي دار حوله ووصل بالبعض إلى المطالبة بسحب الجنسية المصرية من المشاركين في الفيلم. استمرت الحلقة لمدة خمس وعشرين دقيقة، عرضت خلالها عدة لقطات من فيلم ناجي العلي، وسجّلت عدة آراء حوله، ابتداء من منتج الفيلم والكاتب والممثل محمود الجندي الذي أدى شخصية شاب مصري في الفيلم، وانتهاء بآراء صحفيين ونقاد سينمائيين، ذهب جزء منهم إلى التأكيد على أهمية الفيلم وانتقاد الحملة التي شنت عليه، فيما ذهب الجزء الآخر إلى إظهار مثالب الفيلم.
ميّز كاتب الفيلم بشير الديك في حديثه بين العداء لمصر والعداء لسياسة حكومتها، فالحملة الصحفية المعادية للفيلم حاولت تشويه صورة ناجي العلي واتهامه بذم مصر وتاريخها، في الوقت الذي أكد فيه الكاتب أنه يشارك ناجي العلي رأيه حول سياسة مصر ورفضه لكامب ديفيد وتبعاتها فيقول: “ناجي لم يكن يكره مصر، بل هو ضد سياسة مصر وكامب ديفد تماماً مثلنا، فنحن أيضا ضد هذه السياسة وضد كامب ديفيد”.
ميّز كاتب الفيلم بشير الديك في حديثه بين العداء لمصر والعداء لسياسة حكومتها، فالحملة الصحفية المعادية للفيلم حاولت تشويه صورة ناجي العلي واتهامه بذم مصر وتاريخها، في الوقت الذي أكد فيه الكاتب أنه يشارك ناجي العلي رأيه حول سياسة مصر ورفضه لكامب ديفيد وتبعاتها فيقول: “ناجي لم يكن يكره مصر، بل هو ضد سياسة مصر وكامب ديفد تماماً مثلنا، فنحن أيضا ضد هذه السياسة وضد كامب ديفيد”. وذكر أنه كان يريد كتابة عمل يتناول القضية الفلسطينية فكان ناجي العلي خير وسيلة لذلك، فحياته ورسوماته تعتبر إلى حد الآن صوت ضمير إنساني واعٍ في وجه السلطات الحاكمة وهذا ما أودى إلى اغتياله عام 1987 في لندن.
ضمن حملة التخوين والذم التي واجهها الفيلم، تم الترويج إلى أن الرئيس الليبي السابق معمر القذافي هو من موّل الفيلم، إلا أن المنتج “وليد الحسيني” أكد أن له علاقات قوية مع معمر القذافي لكنه لم يدفع دولاراً واحداً ولم يمول الفيلم، وذهب الحسيني إلى تحمل تبعات موقف الفيلم السياسي فكتب في شارة الفيلم “الإشراف السياسي: وليد الحسيني” كي يخفف العبء عن نور الشريف الذي توجس من تقديم وقائع سياسية بعينها كما هي، فاعتبرت إشارة الإشراف السياسي هذه من مثالب الفيلم، إذ لم يحمل فيلم ما فيما سبق إشارة كهذه وتم اعتبار الفيلم موجهاً سياسياً ومعمولاً بقصد الإساءة إلى مصر وتاريخها.
يطرح في نهاية البرنامج سؤال حول إذا كان الفيلم غير محظوظ بتوقيت عرضه، فالحملة عليه انتهت وشهدت الصحافة عملية كتابة معكوسة تجاه الفيلم، أعادت له حقه بعد الإجحاف الكبير الذي تعرض له، وبات من الممكن إعادة قراءته من منظور جديد، خصوصا في وقتنا الراهن. يأتي كلام الصحافي عبد الله السناوي في آخر الحلقة ليؤكد على أهمية الفيلم إذ يقول: إن مشكلة الفيلم كانت في التوقيت، وإن كل من شاركوا في ذلك السجال لو كتبوا اليوم ستختلف شهاداتهم بصورة قاطعة. لينتهي إلى القول: إن غالبية من كانوا طرفاً في الشد والجذب في تلك المرحلة رحلوا وبقي الفيلم وثيقة هامة على مرحلة مهمة لا يمكن أن يطويها أي إنكار.