صدرت رواية الروائي عباد يحيى “جريمة في رام الله ” في العام الماضي، ولم تثر الرواية أية ضجة حتى أعلن عن إلغاء اجتماع مناقشتها في مكتبة بلدية نابلس العامة، في موعد قرر في 2017/2/18.
وقبل أن يعلن عن إلغاء موعد النقاش الذي تم بناء على اتصال من إذاعة ما في رام الله، ببلدية نابلس، كان أحد أصحاب مكتبة في المدينة قرأ الرواية واتصل بموزعها طالباً منه أن يأتي ليأخذ نسخها من مكتبته.
يسرد الرواية غير سارد، وهي تتكون من ثلاثة أقسام رئيسية هي: رؤوف، ويسرد من الصفحة 13 حتى 77، ونور، ويسرد من الصفحة 83 حتى 160، ووسام، ويتعدد الساردون هنا، ويعود نور ورؤوف لمتابعة السرد أيضاً.
ورؤوف ونور أقاما معاً في شقة في رام الله، بعد أن قدما إلى المدينة ليدرسا في جامعة بير زيت. وقد تباطآ في إكمال دراستهما إذ انقطعا عنها لفترة، فضلا خلالها العمل في مطعم/ بار، ورغبا في أن يكتشفا الحياة وأن يستقلا عن العائلة. إن الأصول الاجتماعية لكليهما مختلفة على أية حال، فقد انحدر أحدهما من أسرة ريفية متدينة وهي أسرة تؤيد حركة حماس.
تقوم بين رؤوف ونور، واسم الأخير صهيب وقد آثر رؤوف تسميته نور، تقوم علاقة جنسية مثلية، وتنتهي بمغادرة رؤوف رام الله وعودته إلى بلدته، فيما يستمر نور في عمله في مطعم أبي وليم/ لوتس، ويشاهد فيه ما يشاهده، ويقوم على خدمة الزبون، ومن بينهم وسام وصديقته ربا الفتاة القادمة من غزة، وقد استقرت في رام الله، وأخذت تعمل في روضة أطفال، وأقامت علاقة جنسية مع وسام، في مدينة كثرت فيها عيادات رقع غشاء البكارة.
ذات ليلة، وبينما يغادر وسام وصديقته ربا البار يتذكر وسام أنه نسي هاتفه الخلوي، وهنا يطلب من ربا أن تنتظره حتى يعود إلى البار القريب ليستعيد جهازه. في هذه الأثناء يقدم مجهول على قتل ربا بسكين، ويبصره وسام ولكنه لا يلاحقه.
يستدعى الساقي نور للتحقيق معه، ويحتجز لأيام في مركز الشرطة، ويعاني من الإذلال والشتم والاحتقار، ويتمنى لو أنه يقوى على مجابهة الشرطة والصراخ في وجههم بأن قياداتهم جواسيس.
تبدو رام الله في الرواية مجسدة في بار يقدم المشروبات الروحية يلتقي فيه العشاق، وفي شقة يقطنها شابان منحرفان يمارسان الشذوذ، كما لو أن نور يغدو زوجة رؤوف، مع أنهما يتبادلان الحركات نفسها، وإن كان رؤوف هو من أطلق على صهيب اسم نور الذي يطلق على الجنسين.
لا تخلو الرواية من مشاهد جنسية تقترب من أفلام البورنو، ولا تخلو أيضاً من التعرض لبعض الرموز الفلسطينية بخاصة أبو عمار الذي يصور بما لا يروق لمحبيه. وكانت صورة أبي عمار في الرواية من المواطن التي تم الاعتراض عليها. وقد بدت في الصفحات 92 و93 و94 وقد صورها المستاؤون من الرواية وأدرجوها على صفحات التواصل الاجتماعي.
وفي ظني أن هناك مواطن أخرى عديدة تدفع الفلسطينيين للاعتراض على الرواية منها أنها تخوض في أحد المحرمات وهو الجنس، وتركز على المثلية الجنسية بشكل قلما حضر في الأدبيات العربية حتى في سيرة محمد شكري “الخبز الحافي”. ومن المواطن التي قد يتم الاعتراض عليها الصورة التي تقدم لمراكز الشرطة الفلسطينية، حيث تمارس الشرطة الفلسطينية القسوة مع المحتجزين وتنعتهم بألفاظ بذيئة جداً. بل وتصور الرواية أحد أفراد الشرطة وهو يتحرش، في شوارع رام الله، بفتاة تسير مع صاحبها.. وفوق كل ما ذكر، ما أشرت إليه من قبل من أن إحدى شخصيات الرواية -نور- ترى في قيادات رام الله جواسيس.
وتعد هذه الرواية، كما أرى، جزءاً متمماً لرواية الكاتب الأولى “رام الله الشقراء”، ففيها يواصل الكاتب الكتابة عن رام الله ويرصد التحولات التي طرأت عليها منذ قيام السلطة الفلسطينية. لقد غدت المدينة مدينة فساد وبغاء وملتقى جواسيس أجانب، وهنا مدينة بارات ولهو ومجون وشذوذ جنسي.
كما لو أن عباد يحيى، من خلال شخوص روايته، يريد القول: هذا هو ما انتهت إليه الثورة الفلسطينية، وهذا هو ما انتهى إليه الشعب الفلسطيني. وحماس نفسها سيكون لها نصيب في الرواية. إن بعض شخوص الرواية الشاذين ينحدرون من أسر دينية متشددة تؤيد حركة حماس، ويكشف هؤلاء صورة سلبية لنساء الحركة، فهن يشغلن أنفسهن بزوجات الشهداء من حماس ليزوجوهن لرجال من الحركة. ويقدم الأمر بطريقة مضحكة.
وعموماً فإن الرواية تذكر القارئ بنصوص أدبية عالمية وعربية. تذكره بـ “مدار الجدي” للأميركي هنري ميللر وبـ “أنا وهو” للايطالي البرتو مورافيا، وفي كتابي ميللر ومورافيا وصف إباحي، وفي كتاب مورافيا يحاور البطل صغيره، وهو ما يفعله نور في رواية عباد يحيى، وهو ما وظفته فنياً في روايتي “الوطن عندما يخون” (1996)- أحياناً أرى في كتابات عباد يحيى تكراراً أو تشابهاً.
وأما الروايات العربية التي يتذكرها قارئ رواية الكاتب عباد يحيى فعديدة وكثيرة، وهي منتشرة ومكتوبة من كتاب وكاتبات على مستوى الوطن العربي من محيطه إلى خليجه. وهذا ما سأتوقف أمامه، وإن بإيجاز.
كثيرة هي الروايات العربية التي خاضت في المحرمات التي جعلها بو علي ياسين عنواناً لكتابه “الثالوث المحرم”، وتعد رواية الكاتب السوداني الطيب صالح أولاها. وقد صدرت في العام 1966، وفيها وظف الكاتب الجنس بين مصطفى سعيد وعشيقاته ليعبر عن العلاقة بين عالمي الشرق والغرب.
كانت مقاربة هذه الرواية في فترة من الفترات شبه محرمة، بخاصة في المدارس والجامعات، وأما اليوم وأمام العديد من الروايات الجديدة فإن موسم الهجرة إلى الشمال تبدو رواية عادية.
ويستطيع المرء أن يشير إلى أعمال نسوية لكاتبات عربيات عديدات خضن في المحرمات بما يجعل المرء يكرر المثل الشعبي “المرأة لما بتطل بتسبق الكل” ويمكن ذكر الروايات التالية على سبيل المثال: “صمت الفراشات” للكويتية ليلى العثمان و”الأوبة” للسعودية وردة عبد الملك و”ياسلام” للبنانية نجوى بركات و”برهان العسل” للسورية سلوى النعيمي و”بوح” للفلسطينية منتهى حوراني و”الآخرون” للسعودية صبا الحرز.
ويستطيع المرء أن يقتبس فقرات من هذه الروايات ليدلل على ما فيها من انتهاك للمحرمات. وتعد رواية صبا الحرز “الآخرون” نموذجاً جيداً لمقارنته برواية عباد يحيى “جريمة في رام الله”.
وإذا كان يحيى يقارب المثلية الجنسية فإن صبا الحرز تقارب السحاق في المجتمع السعودي، بل وتأتي على محرم آخر هو الطائفية (شيعة/سنة) وما دمت أتحدث عن الرواية السعودية فإن وردة عبد الملك في رواية “الأوبة ” تخوض في ممارسة المتدينين الجنس وتلاوة آيات قرآنية كأنما تناسب حالة الممارسة الجنسية، وهو ما يبدو في الصفحات 49 وما بعدها.
ما الجديد في رواية عباد “جريمة في رام الله”؟
كانت الروايات النسوية المشار إليها آنفاً صادمة ومفاجئة ثم خف بريقها وانطفأ كتابها ونادراً ما يسمع القراء بالروايات ومؤلفيها. أظن أن بعض الكتاب الفلسطينيين أخذ يكتب وعينه تتجه نحو قارئ غربي وجائزة غربية. أظن ذلك ورواية عباد يحيى لا تبعد عن ظني.