تضيق ذرعا بالرسائل التي تأتي إليك :من الذي يرسلها؟ هل تذكر دفتر رسائله/ا؟أهي رسائل امرأة أم رسائل ذكر يمثل دور امرأة؟
ستكتب رداً نصه: “لا بأس… لا بد من صنعا وإن طال السفر.
كنت أردد عنوان رواية غابرييل غارسيا ماركيز “ليس لدى الكولونيل من يراسله” فوجدت من… أنا لست من أتباع جميل بثينة… أعجب بعمر فهو براغماتي… تصبح.. بن… على…”.
منذ عدت من عمان، في آذار، والرسائل تأتي. تأتي على فترات، في عمان تلقيت رسالة منها ترحب بك، وبعد أن عدت، ويبدو أنها تعرف جيداً ما فعلته لابنتك، ووقوفك إلى جانبها، وتسهيل أمورها.
ستكتب إليك في نيسان “عندما يملكون شخصاً بنصف روعتك سيدركون سر خوفي من خسارتك… مساؤك سعيد”.
وفي العيد تكتب إليك. تكتب إليك تهنيك بالعيد. تكتب “هناك أرواح راقية تخجلني عظمتها تجبرني أن أحبها لأنها لا تستخق إلا الاحترام، إلا الحب… كل عام وأنتم بخير”.
ولا تهمك، من رسائل العيد التي وصلت إليك، أية رسالة. تجيبها: “وأنت بألف خير… هو أنت ثانية؟ كان يفترض أن أكتب مقالي الأحد عن رسائلك… لولا… لولا رسائل امرأة مجهولة: اشتيفان زفايج… لاحقاً.”
وما إن وصلها ردك حتى توالت رسائلها “مسا الفل وكلمة هلا. مساء الورد وعظيم الود، مسا الشوق يا كل الذوق… والله وحشتنا”.
من هي التي وحشتها؟ أتكون… وتضرب أخماساً في أسداس.
بعد يومين، وأنت جالس في حديقة المنزل وحيداً، يرن الجوال. ثمة رسالة تهنئة بالعيد، فالعيد لما ينته. هي هي. هي ثانية. تتذكر قصيدة محمود درويش “في القدس”: قلت قتلتني ونسيت مثلك أن أموت “. “مسا الهدوء والسكون بأطياف زهرة الغصون، وحس مرهف الحنون، لمن سكن بالعيون… مساء الورد”.
هل كنت تبحث عن معطف للحنان. لطالما أسرتك قصيدة محمود درويش: “مقعد في قطار” من ديوان “ورد أقل” أو “حصار لمدائح البحر”. لم تعد تذكر ولا ترغب في التأكد. “مناديل ليست لنا. قلب يفتش عن معطف للحنان. “كأنها هي تراقبك، وتعرف أنك وحيد. ولا ترد.
في منتصف شهر آب تأتيك رسالتان”
“هي أقدارنا هدايا مغلقة لا ندري ما محتواها، ومعرفتك أجمل هدية القدر أهداها… مساؤك سعيد”، وأنت، أنت لا تعرفها، لأنك لا تعرف من الذي يرسل الرسائل، ولأنك تعرف المئات، بل والآلاف. فمن تكون هذه؟
“عندما يأتي الليل تأكد بأنني لا أملك نصف قدرتك على النعاس، فهناك سر يبقيني على يقظة تامة… سامحني”.
وأنت، أنت منذ سنوات لم تعد تنام جيداً. ذهبت تلك الليالي التي ما إن كنت فيها تضع رأسك على المخدة حتى تغفو، ولا تصحو إلا بعد سبع ساعات. ذهبت تلك الليالي إلى غير رجعة.
ومنذ سنوات لم تعد تنام جيداً. حين ترتفع نسبة السكر في دمك، وهذا قليل، تشعر بالنعاس، فتذهب إلى الفراش، وحين تصحو تظن أنك نمت أربع خمس ساعات، وأحياناً لا يكون مر على نومك ساعة.
يمر يومان لا ترد خلالهما على رسالتها. وهي لا تمل أبداً. تأتيك رسالة جديدة منها: “يا من يشتاق القلب لتقبيل أجفانهم قبل أن يغلقوها… فعسى من نشتاق إليهم يشعرون ببريق شغفنا بهم، وبكل شوق نبجلهم… اشتقت لك. “كأنها… هل هي؟
الرسالة التي كتبتها أنت رداً على رسالة سابقة منها لم تتسلمها هي في الحين. الجوال قال لك أن الرسالة لم ترسل. خطأ ما أدى إلى عدم إرسالها وضياعها، ولكنك بعد يومين ستجدها في جوالك قيد الإرسال.
حين طلبت منك أن تسامحها قلت مخاطباً نفسك: سأتلاعب باللغة. بمفردة/جملة: “سامحني”.
“طلبت أن أسامحك… كتبت لم: أسامحـ… ـك. لكن.. كذوب.. كذوب.. لعوب.. ثمة بيان ساحر وبيان كاذب.. أنت كذبة، دمية لا أكثر”.
ما الذي ذكّرك بالبيان؟
حين نشرت مقالك “رسائل امرأة مجهولة ” وصلتك منها الرسالة التالية: “أنا بيان، سنة ثالثة بجامعة بير زيت… بعرف إني دايقتك (ضايقتك) كثير لكن صدقني غصب عني وهلا بوعدك إذا بدك ياني روح… راح أروح وما أرجع. بيان”، وأنت… أنت لا تعرف فتاة من جامعة بير زيت اسمها بيان… بيان التي تعرفها تروي رواية لصالحك، فأنت لم تتحدث معها حين جلست إلى جانبك في الحافلة. روايتها تختلف عن رواية (رورو).
للحقيقة وجهان والثلج أسود في نابلس. و… و… وستروى أساطير عني. كتب محمود درويش. هل ينطبق ما قاله على حالتك؟ ربما. ربما ستروى أساطير عنك. بل هي تروى. رويت وما زالت تروى.
في السادسة إلا ربعاً، مساء، وأنت جالس في شقتك، تأتيك منها رسالة “أحسد اللي جالس وياك يشوفك ويتكلم معاك… مساؤك سعيد”.
هل يعرف أخوك الذي يجلس معك هويتها؟ هل ثمة تنسيق بين جهة ما؟ ما الذي يجري؟
حين تكون وحيداً تخاطبك وكأنها تعرف أنك وحيد وحين يكون ثمة شخص يجلس معك تخاطبك بصيغة العارف بالأمر.
في اليوم التالي تأتيك رسالتان: “سألني بعضهم إلى أي مدى نحب من نشتاق إليهم؟ فأجبت: إلى الحد الذي يجعلني أهديهم إحدى عيني معتذراً عن الأخرى حتى أراهم بها… بتمنى (مسج) منك”، أي رسالة.
حتى اللحظة أنت لست بحاجة إلى من يهديك عينه، فعيناك بحالة جيدة، على الرغم من أن السكري بدأ يفتك بهما.”من أنت؟” تكتب إليها وتضيف “أحياناً لا أكون ذكياً. لا أفكر في اللي ناسيني ولا في اللي فاكرني أيضا. سلام”
من قرأ الرسالة؟
لقد ذهب ذهن الآخرين بعيداً. سلام دال منفتح على معان ومدلولات كثيرة.
سلام سليم أرق من النسيم. وسلام وحرب. وسلام أيضاً، ويا سلام سلم… الخ.. الخ.. ولا يحضر في أذهان الآخرين إلا أنثى محددة. لقد أفرجها الله. تأتيك منها رسالة مقتضبة: “في مجال نحكي؟” ولا تتلاعب بالعبارة. لا تكتب كتابة ماكرة: في مجال نحكيـ.. ـي. تكتب إليها: “احكي ” ولا تحكي. لا تتكلم.
في العشرين من شهر آب تأتيك منها 3 رسائل تتلوها رابعة. لا تروق لها ردودك. “كلما أشتاق لمن أحب أقول لقلبي: اخفق برفق، فإن أحبتي سكنوا فيك. بيان”. وترد عليها: “إن من البيان… لكنك كذوب”. “معقول هذا كلامك. ليش. ليش؟! احترامي لك” ويبدو أن الرسالة التي كانت قيد الإرسال وصلت إليها. يبدو أنها استلمتها فكتبت رسالتها السابقة وألحقتها بهذه “المرة هذه انت غلطة -تقصد غلطت- بحقي، والله ما حبيتها منك… أشكرك… سلامات”.
ستكتب إليها: “دائما سأغلط ما دام كل شيء غلط. فكرك أبو مازن ما غلط لما اختار رئيس وزراء. كما قال محمود درويش: “يجب الدفاع عن الغلط”.
ولا تروق الكتابة لها. تكتب بإيجاز: “عن جد يا خسارة” فترد أنت: “لا خسارة ولا ربح.. لا جد ولا مزح. كله بامية على ملوخية على تمر هندي.. اسألـ…ـي ..ج..ج..”.
ستكتب إليك إحدى قارئات مقالاتك: “مساء الخير. قرأت مقالك بعد يومين بسبب انقطاع الشبكة ليومين.. رسائل هذه الفتاة لك في الغالب جاهزة ومتناقلة لذلك لا أجدها معبرة بصدق”.