بورتريه لنساء جيل الـ”بيت”

ويليام بوروز

مازن معروف

كاتب وصحافي فلسطيني آيسلندي

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

12/03/2017

تصوير: اسماء الغول

مازن معروف

كاتب وصحافي فلسطيني آيسلندي

مازن معروف

مواليد بيروت 1978

في مقدمته لكتاب “المدمن” لويليام بوروز، يتحدث آلن غينسبرغ عن علاقته ببوروز. تعارفهما بداية في ليلة الميلاد عام 1944، ثم تبادلهما الرسائل لسنوات في الخمسينات قبل أن يقوم الأخير بإتلاف معظمها “على نحو معيب” ولسبب غير مفهوم. غينسبرغ، يستعرض تطور مخطوطة “المدمن” التي كان آنذاك وكيلها، وكيف حولها بوروز من مجرد أطراف مكتوبة كيوميات، إلى رواية ذات وحدة مترابطة. مع ذلك، فإن عدداً من الناشرين تردّد حيالها، باعتبارها تارة “غير أدبية”، وطوراً بسبب اسم مؤلفها (فضّل بعضهم لو كان تشرشل مؤلفها). فالرواية تدور في عالم الهيرويين، وتنقّب وبدون أي تكلف، في العوالم السفلية للمخدرات، والجريمة، كالقتل والسرقة. فكتّاب البيت، لم يركنوا مثلاً إلى الخيال إحتجاجاً على واقعية الأدب ضمن أطر لا تستفز مجسات مجتمع أميركا التقليدي، بل آثروا أن يدلّوا القراء على واقعية موازية، أندرغراوند، أكثر صدامية وإشكالية وصخباً. وبالتالي، أداروا ظهورهم لما اعتبروه قضايا مترفة أو نخبوية، محققين القطيعة المطلوبة، الإحتجاجية بخطابها مع عالم أميركا فوق الأرضي. حد أن غينسبرغ يجد أن لا بد، في مقدمته، من الإشارة إلى العلاقة الفاسدة بين رجال مكتب مكافحة المخدرات في أميركا والعصابات المروجة لها، بدافع الجشع والابتزاز. 

إلا أن مقدمة غينسبرغ، أتت فاقدة فصلاً هو الأكثر حيوية ومأسوية في حياة جيل البيت (Beat Generation). إذ أغفلت ذكر الحدث الذي سيكلل حياة الصديقين بوروز وغينسبرغ بمرارة مكبوتة، ويخلف أثراً نفسياً صعباً لدى شاعر “عواء” لفترة من الزمن. وأتحدث هنا عن قتل وليام بوروز للشاعرة الأميركية جوان فولمر، حبيبته آنذاك، بإطلاق النار عليها من مسدسه، في شقتهما. وهي الجريمة التي لا يأتي النقاد على ذكرها إلا عرضاً، ولا تفرد لها أية مساحة في كتب السيرة الذاتية لبوروز، أكثر من بضعة أسطر في أفضل الأحوال. بل غالباً ما تتم الإشارة إليها على سبيل التندر والإستغراب، لا الإدانة، بوصفها سلوكاً “متوقعاً” تبرّره غرائبية بوروز. الأمر الذي لا يمكن أن يكون إلا مقيتاً ووحشياً في عالم الأدب، وعالم جيل البيت بشكل خاص، وانتهاكاً متواصلاً يطوي أسماء باحثين ونقاد وصحافيين شغلهم التأثير الأدبي لهذه الحركة السفلية من حول العالم.

كان غينسبرغ، ومعه كيرواك، من شجعا بوروز على التعرف بجوان فولمر. وذلك في منتصف الأربعينات. ففولمر التي لا يذكرها التاريخ، كانت دينامو جيل البيت في مرحلة الأربعينات. عرفت بثقافتها وحماستها كما شخصيتها القوية وتمتعها بحس رؤيوي فيما يتعلق بالأدب الجديد. وبعد طلاقها من زوجها الأول، لإدمانها الأمفيتامين وانضوائها في عالم سفلي ضم أسماء لافتة في الأدب، تقاسمت السكن أولاً مع إدي باركر (التي ستصبح لاحقاً زوجة جاك كيرواك)، وسرعان ما تحولت شقتهما (فولمر وباركر) إلى الصالون الأدبي رسمياً لجيل البيت الذي سيكون من أبرز وجوهه ألن غينسبرغ، جاك كرواك ولوسيان كار إضافة إلى الأب الروحي ويليام بوروز.

كان بوروز يزيد كلاً من آلن غينسبرغ وجاك كرواك سناً، وسرعان ما أصبح الأب الروحي للجيل الأكثر جدلاً في تاريخ الأدب الأميركي، علماً أن الثلاثة نشروا أكثر كتبهم إثارة للإهتمام والجدل خلال فترة لا تتجاوز الثلاث سنوات (“عواء” لغينسبرغ 1956، “على الطريق” لكرواك 1957، و”غداء عاري” لبوروز 1959). وكونه معروفاً بأهوائه وسماته التي استفزت المجتمع الاميركي من حوله، فذلك لأنه جاهر برغبات وسلوكيات تجنبها فنّانون وكتاب آخرون، أو حاولوا إخفاءها، كميوله المثلية، إدمانه المخدرات والكحول، وشغفه بالأسلحة، من المسدسات إلى البنادق والسكاكين والخناجر والسيوف والعصا التي تصير سيخاً، كشغفه بالدفاع عن النفس، قدر هوسه بعوالم البشر السفلية بما في ذلك الموت. إلا أن جريمة قتله فولمر ظلت أمراً رفض التطرق إليه في الغالب وتجاهله غينسبرغ. يروي أحد عشاقه وكان لايزال فتى في تلك المرحلة، بأنهما عندما كانا ينامان معاً، كان يشعر بالمسدس المحشو تحت الوسادة. وفي إحدى المرات سأله “ويليام، هل هذا المسدس محشو”، فأجاب “نعم، إنه كذلك”. “ولماذا هو محشو؟”،”لأنك بهذه الطريقة لن يكون عليك أن تقلق ما إذا كان المسدس محشواً أم لا!”. ظل بوروز يضع مسدساً كبيراً على خصره. إلا عندما يذهب إلى الحلاق أو الطبيب، فيستبدله بواحد أصغر حجماً منعاً لإرباك أحد. كان شغوفاً بالتصويب على الأهداف، ومنها القمصان. وفي إحدى مقابلاته، يقول إنه لا يرغب بالعيش في مجتمع يسمح فقط لرجال الشرطة والجيش بحمل الأسلحة. 

لكن بوروز، عرّاب جيل البيت، يبقى نموذجاً لكاتب وفرت له خلفيته الاجتماعية امتيازات، صنعت منه نسخة لفاسد سلطوي. إذ انتمى إلى عائلة تمتعت بنفوذ إلى حد تمكينه من ارتكاب جريمة قتل دون أن يلاحق فعلياً من أية سلطة قضائية أو بوليسية. خلال الحرب العالمية الثانية مثلاً، وبعد أن علم بأنه لن يكون ضابطاً في الجيش، بل مجرد جندي، أصيب باكتئاب حاد، ما دفع والدته إلى التحرك لتجنيبه التجنيد بدعوى (مزورة طبعاً) عدم أهليته ذهنياً لحمل السلاح. كما أن جريمته، التي ارتكبها في نيو مكسيكو، لم تفضِ إلا إلى احتجازه بضعة أيام، أفلت بعدها من السلطات المكسيكية برشاو دفعها شقيقه الذي قدم من أميركا لحسم “المشكلة”، فأقفِلَ الملف وتمكن بوروز من العودة إلى الولايات المتحدة من دون أن يُواجَه بأية دعوى قضائية.

الأكثر مأسوية من مسألة موت فولمر، ليس إلقاء جثتها في سلة مهملات الـ”بيت” الذكورية، بل إلقاء اللوم عليها حتى في حادثة مصرعها. هذا ما يخلص إليه نقاد وباحثون. وربما استندوا في ذلك على حجج لفقها بعض ممن كانوا شهوداً على واقعة القتل التي حدثت في شقة بوروز وفولمر خلال إحدى السهرات. فبعد أن ثملا، أمر بوروز فولمر أن تقف إلى الحائط لتمثيل مشهد القوس والتفاحة الشهير في حكاية “ويليام تل”. نفذت فولمر أوامره، واستندت إلى الحائط وعلى رأسها كوب ماء بدلاً من التفاحة، غير أنها استدارت جانبياً لخشيتها النظر إلى بوروز وهو يطلق النار عليها. تناول بوروز مسدسه وأطلق رصاصة واحدة، ليخطئ الهدف وتستقر الرصاصة فوق عين فولمر. إدعى بوروز لاحقاً أن الرصاصة انطلقت عن طريق الخطأ بعد أن وقع المسدس من يده. 

لكن رغم رفض السلطات الدينية والسياسية لجيل البيت، أو تحفظها إزاءه، إلا أن هذه الحركة الأدبية تمكنت من تأسيس برستيج لها أنقذ بوروز من الكرسي الكهربائي. ذلك أن المكانة التي حظي بها ثقافياً وإعلامياً ونخبوياً، حتى وفاته عام 1997، أمدته بحصانة ضد القانون. لكن جوان فولمر، ليست سوى إحدى نساء جيل البيت المفقودات. ويمكن للقارئ أن يضيف إليها أسماء نسائية لعبت دوراً حاسماً في هذه الحركة، كما جاء في كتاب برندا نايت “نساء جيل البيت” (1998). نساء نسيهن عالم الأدب والفن،وبعضهن توفين في ظروف قاسية، فقيرات أو مشردات، دون أن تحظى أعمالهن بأي اهتمام أو أنها لقيت أهتماماً خجولاً في أحسن الأحوال. جويس جونسون، دينيس ليفرتوف، إليز كوين (انتحرت قفزاً من نافذتها عام 1962)، بربارا غست، ديان ديبريما، جان كيرواك، آن والدمان، كارولين كاسادي، ماري فابيلي وهيلين آدم وغيرهن. إنهن ما أطلقت عليهن الشاعرة جويس جونسون لقب “الإنتقاليات”، إذ عملن بقوة على هدم الإعتبارات التقليدية المترسبة في العائلة إلى النظام التعليمي. لكنهن بلا شك، خضن معركة إضافية، لم يضطر ذكور البيت لخوضها، معركة ضد نظام أدبي ذكوري نجح حتى هذه اللحظة في تغييبهن. 

الكاتب: مازن معروف

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع