ضمن اتفاق البلدات الأربع يتم التحضير هذه الأيام لخروج مقاتلي جبهة النصرة من مخيم اليرموك جنوب دمشق، أو لنقل من المنطقة التي تسيطر عليها النصرة من المخيم، وهي بالتحديد المنطقة التي تشمل ساحة الريجة ومنطقة المشروع (جامع الوسيم) وشارع حيفا، تاركة الجزء المتبقي من المخيم لتنظيم داعش.
عدد المقرر خروجهم لا يتجاوز 200 فرداً، ما بين المقاتلين وعائلاتهم، ومن بين هؤلاء لا يتجاوز عدد الفلسطينيين 25 مقاتلاً، والبقية هم من أبناء البلدات القريبة من المخيم )بيت سحم ويلدا وببيلا والقدم).
أما عن عدد المدنيين في منطقة سيطرة النصرة فهو لا يتجاوز 40 شخصاً، وقد رفضوا الخروج مع النصرة.
وينص الاتفاق على تسليم هذه المناطق لحزب الله والفصائل الفلسطينية التي تحاصر المخيم، ولا علاقة لمنظمة التحرير الفلسطينية بهذا الاتفاق، بالطبع هنا لا يحتاج الأمر إلى نباهة لإدراك أن القيادة ستكون لحزب الله.
ليست هذه المرة الأولى التي تنسحب فيها الجبهة في المنطقة الجنوبية، فقد انسحبوا أول الأمر في 2013 من حجيرة معقلهم الأول الذي حصنوه تحصيناً لا يمكن اختراقه كما كان يُشاع وقتها، وهي المنطقة المحاذية لمنطقة السيدة زينب الشيعية، وكانوا هناك يقاتلون عدوهم اللدود وهو الشيعة، وجدير بالذكر أن متعتهم الكبرى كانت في مقارعة الشيعة الذين يسمونهم بـ “الروافض” كما إن متعة الشيعة في قتل السنة ثأراً للحسين!!
يومها قالوا إنهم تعرضوا للخيانة من بقية الفصائل، خاصة “لواء شام الرسول” الذي انسحب من مواقعه وسلمهما للشيعة دون أن تعلم جبهة النصرة مما عرضهم لخطر المحاصرة، قصص الخيانات طويلة وقد بدأت مع بداية الثورة، وخيانة شام الرسول صحيحة، لكنها ليست مبرراً كافياً لترك أرض من أراضي المسلمين (كما يقولون هم أنفسهم!!!).
هذا ما كانوا يقولونه أيضاً عن أرض مخيم اليرموك، وقد كفَّروا كل من سعى إلى الهدنة مع النظام من خلال مبادرة تحييد المخيم التي أطلقها الناشطون المدنيون في المخيم (وأنا واحد منهم) في العام 2013، ثم تبناها أبو هاشم الزغموت قائد لواء العهدة العمرية المرتبط بلواء “أبابيل حوران أبو توفيق”، وقد دفع أبو هاشم حياته ثمناً عندما شعرت النصرة أنه أصبح يشكل خطراً وأنه يتصرف بعيداً عن مشورتهم، ببساطة اعتقل أبو هاشم على مرأى من عناصره الذين لجؤوا إلى المربع الأمني لأبو هاني الشموط في منطقة المشروع، وعلى مرأى من كتائب “أكناف بيت المقدس” أيضاً، اعتقله المجرم أبو علي الصعيدي بالرغم من أنه كان على تنسيق دائم مع الأكناف من خلال أبو همام نضال أبو العلا أحد قادة الأكناف، وحين اعتقل كان عند الأكناف وتم تسليمه للنصرة بحجة التحقيق فقط، ربما كان خطأ أبو هاشم في أنه تجاوز الحالة المدنية التي تمثلها المؤسسات المدنية العاملة في مخيم اليرموك، كنا قد شكلنا ما عرف وقتها بـ “تجمع أبناء اليرموك” لمكون من الفصائل العسكرية والمؤسسات العاملة في مخيم اليرموك، وتشكل من خلال التجمع وفد تفاوضي مع النظام السوري كنت عضواً فيه، كنا نجتمع ونتفق على شيء ولكنه يتصرف بشكل مختلف للمتفق عليه، إلا أنه كان يسعى إلى تحييد المخيم في جميع الأحوال. ثم توالت عمليات الاغتيالات للناشطين المدنيين، ابتداء من اغتيال ذياب مهنا مروراً بأبو العبد شمدين ثم أبو حمزة بهاء صقر وأبو أحمد طيراوية وأبو معاذ الشرعان وأبو العبد عريشة وأبو صهيب حوراني وعلي الحجي أبو حمزة، وأبو عاصف نمر الحسين، ولا ننسى أبو خطاب الذي قاد حراكاً شعبياً دعا إلى خروج المسلحين كافة من المخيم، اعتقلته النصرة أيضاً وقامت بتصفيته، ولكن خطيئته أنه كان ينسق لصالح النظام بشكل مباشر تحديداً مع فرع فلسطين عن طريق الشيخ العمري.
المتهم المباشر في جميع هذه الاغتيالات هو أميرهم المقبور بلال أبو خضر، وهو ذاته الذي غدر بالأكناف وساعد داعش لاقتحام المخيم والسيطرة عليه بعد طرد الأكناف ثم تنقلب داعش على النصرة، فينشق عن النصرة مشكلاً عصابة جديدة تبايع داعش وهي “عصبة الأنصار” ثم يُقتل في إحدى اشتباكاته مع النصرة.
وصلنا إلى عدد من الاتفاقات بخصوص تحييد المخيم ولكن النصرة كانت دائماً تقوم بعرقلة الاتفاقات وتخريبها بالتناوب مع “القيادة العامة” والنظام.
كل هؤلاء الذين قتلتهم جبهة النصرة لم يصل أيُّ واحد منهم إلى حد تسليم المخيم إلى النظام، وجميعهم سعوا إلى الحفاظ على المخيم وعودة أهله النازحين عنه.
كان هذا كل ذنبهم الذي دفع النصرة لتكفيرهم وللحكم عليهم بالموت وتصفيتهم.