ما فعلته صفحة ”الزخم الفلسطيني“ أظن أن فصائل طويلة عريضة قد عجزت عنه، لقد جمعت عدداً لا يستهان به من الفلسطينيين في كل مكان، في حركة تفاعلية تشبه تلك الحركة في شارع صفد أو شارع لوبية في مخيم اليرموك، فأنت ترى الجميع ولكنك لا ترى أحداً في الحقيقة، ولن تستطيع في حال من الأحوال أن تُلِم بما يجري من حولك، مع أنك جزء منه، هنا اجتمعوا على غير ميعاد، وهنا التقوا ببعضهم من جديد، وهنا تفاجؤوا بأخبار لم يعرفوها من قبل، وهنا كان الملتقى الذي وجدوا فيه أشخاصاً لا يعرفون أين صاروا، وهنا تعرّف ذلك الشاب على تلك الصبية ليخرجا من الصفحة ويكتفيا باللقاء سراً على صفحتيهما ليبدأا قصة حب ربما افتراضية أيضاً.
مديرو الصفحة أنفسهم لم يكونوا ليتوقعوا أنه سيكون لها هذا الأثر، فهم مجموعة من الشباب الذين انشقوا عن صفحة قبلها هي صفحة ”فلسطين البلد“ بسبب ما قالوا إنه رقابة وتحكم لا يناسبهم، فقرروا كنَوع من العناد أن يؤسسوا مجموعتهم الخاصة، تحت اسم من عمق بيئة مخيم اليرموك، ليُفاجَؤوا أن العدد يتزايد بشكل كبير خلال الأيام الأولى لإطلاق المجموعة، صحيح أن تزايد العدد ليس مقياساً لأن الأمر يتم في هذا النوع من الصفحات بضم الأشخاص دون الحاجة إلى موافقتهم، ولكن حجم التفاعل كان كبيراً أيضاً.
حالة لطيفة جداً خلقتها هذه المجموعة، ففيها شعرت أنني في شارع لوبية أيام ما قبل العيد، ترى في الشارع الأزعر والمؤدب والصبية الحلوة والشاب الذي جاء ليصيد فتاة ويوقعها في حبائل حسْنه، وفيها تجد من تشتاق إليه ومن تشيح بوجهك عنه داعياً لله ألا يراك، باختصار أحسّها أهل المخيم بديلاً افتراضياً عن مخيمهم المفقود، والحقيقة أن المخيم هو المكان الذي جمع كل هذه التناقضات وفيه تعايشت.
لا أشك في أن المجموعة ستغضب الكثيرين، لا أقصد الأشخاص بل الجهات، تلك الجهات التي افترضت أن تشتيت الفلسطينيين في بقاع الأرض وضع حداً لاحتمالات أن يقوموا يوماً ما بفعل تصعب السيطرة عليه، وكانت صفحات البعض من المشرفين عليها هدفاً للمهكار القابع بالمرصاد في هذا العالم الإلكتروني، أضف إلى ذلك الغمزَ واللمزَ حولها وفي أنها موجهة من جهات معينة! وهذا طبيعي، اعتدنا عليه بمعنى أننا لا نترك أمراً نبيلاً واحداً يمضي بلا إثارة الشكوك حوله.
المهم أن مثل هذه المجموعات تخلق إمكانية جديدة لِلَم شمل هذا الشتات من جديد، خصوصاً أن أعضاء المجموعة بدؤوا يطرحون مبادرات من شأنها أن تؤسس لعمل يشترك فيه الفلسطينيون في كافة مواقعهم، فهي ساحة دعوية واسعة، وهذا الشعب مبدع حتى في التحايل على المأساة مأساة التشرد.
أمر واحد شبه غائب عن الصفحة وهو الفترة من 2012 إلى الآن، وكأن الجميع يحاولون التهرب منها وتجنبها، لأنها الفترة التي انقسم فيها شعبنا الفلسطيني في سوريا ما بين مؤيد ومعارض، ولا رغبة لأحد بإثارة هذا الموضوع، وكأنهم يقولون: عفا الله عما مضى فنحن أولاد اليوم.
يرى البعض أنها مجرد فورة ولن تستمر طويلاً وسرعان ما سيعود كل واحد من روادها إلى مواقعه الخاصة في زرقة عالمه.
أما البعض الآخر فيرى أنها فضاء حر وفي الفضاء الحر لن تجد كل ما فيه مناسباً لك أو مطابقاً لميولك، فتجد فيها من منشورات التذكير بشهداء المخيم إلى المنشورات السخيفة من نوع ”انشرها ولك الأجر“، الملاحظات كثيرة على الصفحة بداية بكمية المنشورات الرديئة وليس انتهاء بالتركيز على مبادرات المشرفين، وربما عليهم هنا أن ينتبهوا إلى أن الإثارة التي حققتها الصفحة ستنقضي، وسوف يملّ روادها بعد فترة طويلة كانت أم قصيرة، هم بادروا بإطلاقها ولكن هذا لا يعني أنهم قادرون بالضرورة على استمرار تطويرها، وعليهم أن يحددوا ما يريدونه منها بالضبط وعلى أساسه يصوغون مبادراتهم ومبادرات الآخرين بعيداً عن النرجسية والانتقائية، فعمل المدير هو الإشراف والتنظيم والتحفيز.
في جميع الأحوال استطاعت الصفحة أن تبني مخيماً افتراضياً، لا أعرف إن كان المشرفون عليها قادرون على أن يحافظوا عليه لفترة طويلة، فالأمر ليس سهلاً ويعتمد على حسن الإدارة لا ”الشطارة“.