القلق الجنسي.. عند هيمنجواي وفيتزجيرالد (ترجمة)

الروائي الأميركي إرنست هيمنجواي

محمود حسني

كاتب ومترجم من مصر

...للكاتب/ة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

الأكثر قراءة

الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله
أين نحن في السير قدما...
عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

02/06/2017

تصوير: اسماء الغول

محمود حسني

كاتب ومترجم من مصر

محمود حسني

مهتم بالأدب المقارن والدراسات الثقافية.

يميل التاريخ إلى المقارنة بين إرنست هيمنجواي وسكوت فيتزجيرال، ولم لا؟ كمعاصرين لبعضهما ومتنافسين، كان طبيعيًا أن يحدث ذلك. يجسد هيمنجواي نموذج الذكورة المثالي؛ فهو يقدم نفسه كصياد، ملاكم، محارب قديم، ورجل تحبه النساء؛ وظهر هذا في أسلوب كتابته المتقشف المقتصد، وفي موضوعاته التي كان أغلبها عن الحرب والعزلة والمغامرة. 

على الناحية الأخرى كان فيتزجيرالد مناضلًا اجتماعيًا. شخص يفخر بنخبويته وبتعليمه (غير المكتمل) في جامعة برينستون، هو الذي عُرف بمحفظته المربعة التي لا تغادر يده، وشعره المسدل على الجانبين بفرق من النصف. كتب عن الحالة الاقتصادية الاجتماعية في نثر لا يقل عن جودة كتابة هيمنجواي، حتى أنه أحيانا يكون غنائياً على نحو أجمل. وأغلب المهتمين يتفقون على أنه كان الأكثر إيحاءً بالأنوثة بين كليهما. لكن الهوية الجنسية لكلا الرجلين، تشكّلت عبر طفولة غريبة، وجيل ضائع من الفنانين أحاطوا بهم، لم يكونوا كما يتخيل القراء الحاليين.

ثمّة حكاية كلاسيكية عن انجذاب جنسي مثليّ ظهر على السطح بين هيمنجواي وفيتزجيرالد. حدث الأمر في غرفة الرجال، بمطعم ميشو، في حي باسيري الراقي بباريس. كما ادعى هيمنجواي في كتابه “وليمة متنقلة”، ادعى هي كلمة مهمة، لأن قلاقل هيمنجواي الجنسية كانت تميل لإظهار فيتزجيرالد كضعيف جنسيًا على نحو غير عادل.

قال فيتزجيرالد: “زيلدا قالت إن الطريقة التي أبني بها علاقتي بها لا يمكن أن تجعل أي امرأة سعيدة، وهي بالتأكيد محبطة. لم أشعر بالأمر نفسه إلا حين أخبرتني وعلي أن أعرف الحقيقة.”

“تعال إلى المكتب،” قلت.

“أين المكتب؟”

“لو ووتر،” قلت.

عدنا إلى الغرفة وجلسنا إلى الطاولة.

“أنت بالتأكيد بخير،” قلت. “ليس هناك شيء خطأ بك. أنت فقط تنظر لنفسك من أعلى، فتبدو ضئيلًا. اذهب إلى اللوفر وانظر إلى التماثيل، ثم عد إلى المنزل وانظر لنفسك في المرآة.

“هذه التماثيل ربما لا تكون دقيقة.”

“هي جيدة جدًا. وأغلب الناس ستكون سعيدة بها.”

بتنحية حس الفكاهة المضمر في استخدام تماثيل اللوفر ليقيس المرء رجولته، يدّعي هيمنجواي أنه نظر لعضو فيتزجيرالد في “لو ووتر”، بغرفة الرجال، وهو الأمر الذي يبدو غريبًا نظرًا لحميمية الفعل. كما أن الحكاية تُحدِث شرخًا في صورة هيمنجواي المعتادة، كما لو أنها نوع من إفشاء لحدث خاص مخالف لصورته التي دأب على تكريسها.

تبعًا لهؤلاء الذين يعرفونه، فإن ممارسات هيمنجواي من مصارعة الثيران، والملاكمة وسلسلة زوجاته تخبرنا عن كيف كان يريد أن يخلق صورة لنفسه عند الآخرين. السيرة التي كتبها كينيث س. لين عن مقتطفات من حياة السيدة إيمرالد كونراد، أمريكية المولد، وعضو بارز في المجتمع، قضت أغلب حياتها في لندن؛ عندما قابلت هيمنجواي للمرة الأولى، أخبرت الناقد الأدبي سيريل كونولي، “كنت مندهشة… لم يكن يشبه بأي حال ما توقعته. قد تظن أن هذا غريب مني، لكنه ضربني بطريقة أنثوية، واضحة للغاية.”

زيلدا فيتزجيرالد، التي بالتأكيد في بعض الأحيان كانت عرضة لحالات من المبالغة في تقدير الأمور، أخبرت سكوت في مساء ما أن هيمنجواي أكثر قليلًا من أن يكون مجرد “مثلي ذو شعر صدر”، في السيرة  التي كتبتها نانسي ميلفورد عن زيلدا. تبعا لـ و. ج. روجرز في كتابه “عندما تذكّرني ما رأيته”، قال هيمنجواي عن جيرتيرد شتين شخصيًا، “اعتادت أن تتحدث معي عن المثلية الجنسية وكم هو أمر لطيف للنساء وليس جيدًا للرجال. اعتدت أن أنصت. أردت دائمًا أن أنام معها، وهي علمت ذلك وقد كان شعورًا صحيًا، ويبدو الأمر في رأيي أفضل من مجرد الجلوس والنقاش.”

لكن المثال الأكثر إثارة بخصوص الميول الجنسية المائعة لهيمنجواي جاء في في روايته “حديقة عدن”، والتي كان قد عمل عليها عام 1946، لكن لم تر النشر حتى عام 1986، أي بعد 25 سنة من قتله لنفسه. تُسرد الرواية على لسان رجل يدعى جيمس ميلو، وتعالج أفكارًا تدور بشكل رئيس حول “التحول الجنسي”. تتبع الرواية حياة زوجين حديثين، ديفيد وكاثرين بورن، في شهر العسل خاصتهم في الريفيرا الفرنسية، حيث يقابلان امرأة تدعى ماريتا ويقع كلاهما في حبها. 

تقنع كاثرين زوجها بأن يصبغ شعره بنفس لون شعرها، وكما يكتب ميلو، “كانا توأمين، بشرتهما لوّحتها شمس الصيف، وبدا كلاهما ثنائي الجنس.”تعرض الرواية الميل الخفي  للمثلية، والميل الأوضح للرجل ذو الملامح الأنثوية ودور التحول الجنسي. وكما كتب جيمس تيتليتون في “ذا نيو كريتريون”، “الميول الجنسية التي أظهرتها حديقة عدن دمّرت ما تبقى من أسطورة هيمنجواي كرجل حرب مخضرم، وملاكم وصياد وزير نساء.”

لكن السيرة التي كتبتها لين تقول أن هذا التأرجح في الميول الجنسية في موضوعات هيمنجواي لم يكن جديدًا. فالتحول الجنسي وزنا المحارم مواضيع حاضرة في أعمال سابقة له، وأتت من علاقة مضطربة مع والدته، جريس، التي وصفتها لينبأنها “الملكة الشريرة في عالم هيمنجواي.” ألبست جريس ابنها في الكثير من الأحيان ملابس أخته الأكبر مارسيلين، كأنهما من نفس الجنس. في صورة هيمنجواي وهو عمره سنتان فقط، يبدو وكأنه طفلة. في الوقت نفسه، شجعت أمه على ألا يكون ذا حضور قوي كرجل، وهو ما جعله يميل لاتجاه عكسي. واقعًا بين رغبة الأم في إخفاء ذكورته، وميله للمناقض لهذا الأمر. تكتب لين، “هل هناك الآن أي اندهاش حول قلقه وافتقاده للأمان الجنسي؟”

على الناحية الأخرى، لم يستخدم فيتزجيرالد كتاباته ليخفي قلقه الجنسي مثلما فعل هيمنجواي. لكنه افتقد التحكم في علاقته الزوجية مع زيلدا، وكتابته، ومشاعره على اضطراباتها، فلم يقف الأمر عند قلقه من التعبير في كتابته عن الميول الأنثوية والمثلية. لكن القلق حول ما كان يراه كهوية عاطفية يتردد صداها داخله.

وكشخص ينتمي للطبقة المتوسطة البرجوازية، ولد ونشأ في ضاحية سانت بول الثرية، كان لدى فيتزجيرالد توق دائم للثروة والجمال، لكن كما أدرك بعد ذلك، فقد كان كلاهما السبب في تدميره. كان فيتزجيرالد مصرًا على البحث عن حياة باذخة الثراء: أغدق المجوهرات على زيلدا، أقام لأوقات طويلة في فنادق بلازا وريتز. رغم إدراكه في بعض الأوقات أن المال والجمال يمكن لها أن يكونا مدخلًا لكل ما هو سيّء، لم يستطع أن يتخلى عن شخصية الفتى الذي تعلم في برينستون!

كان لدى فيتزجيرالد صديقين مقربين هما جيرالد وسارة ميرفي. تزوجا وعاشا معًا، وكانا مثالًا للثروة والجمال. وما جذب فيتزجيرالد إليهما أكثر هو معرفته أن جيرالد مثلي. في عام 1931 كتب ميرفي خطاباً لصديق له أخبره فيه أن حياته في مرحلة ما بعد الطفولة كانت محاولة دائمة لإخفاء هويته الجنسية الحقيقية، كما ذكر مؤرخ الفن جون ريتشاردسون.

استخدم فيتزجيرالد بعد ذلك شخصية جيرالد في روايته “Tender Is the Night”، مازجًا إياها بشخصيته هو ذاته، راسمًا له ملامح ديك ديفر، بطل عمله، الطبيب صاحب الكاريزما الذي تعلم في أوكسفورد ويجذب النساء أينما حل. وهو -كما في كل أعمال فيتزجيرالد- يبدو بأنه يحاول أن يجمع بين الشباب والثروة والمرأة الجميلة. 

لكن واحدة من أكبر النقاط التي تناولها النقد بخصوص الرواية هي -وعكس هيمنجواي- أن شخصية ديك ديفر كانت مفككة، وكان هذا نتيجة المزيج الذي خلقه بين شخصيته هو -فيتزجيرالد- وميرفي. لكن بالرجوع لظروف كتابة العمل، فقد عمل فيتزجيرالد على الرواية في وقت كان يعاني عاطفيًا بشدة، ويشرب كميات هائلة من الكحول، ويحاول أن يساعد زيلدا على تخطي سلسلة متاعبها ومرضها العقلي.

ومع هذا كله، ربما سيطر كل من هيمنجواي وفيتزجيرالد على الصورة التي أرادا أن تكون لهما في أوقاتهما. لكن الأكيد أن الأمر في هذه اللحظة أصبح خارج سيطرتهما.

المقالة لكودي س. دليستراتي: كاتب ومؤرخ مقيم في باريس. النص الأصلي نُشر في مجلة باريس ريفيو

الكاتب: محمود حسني

هوامش

موضوعات

الأكثر قراءة

عشرة أفلام عظيمة عن المافيا (ترجمة)
10 أفلام تشويق إيروتيكية رائعة (ترجمة)
أين نحن في السير قدما...
الصحافة الثقافية وما نناضل من أجله

GOOGLE AD

نكـتـب لفلسطين

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع

اختيارات المحرر

من أجل صحافة ثقافية فلسطينية متخصصة ومستقلة

اشتراكك بنشرتنا البريدية سيحمل جديدنا إليك كل أسبوع