قبل نفوق الديكتاتور حافظ الأسد، كان عزرائيل عليه السلام قد أتاح له فرصة لتهيئة ابنه الثاني الطويل ليخلفه بعد نفوق ابنه البكر العقيد الركن المهندس المظلي الشبيبي العالمي باسل “شهيداً” بحسب شهادة المفتي الحسون باصطدام سيارته بحاجز بيتوني عند مدخل مطار دمشق الدولي بسبب سرعته الزائدة وسكره الشديد.
لم يكن الطويل مهيئاً ليكون رئيساً، فبدأ الإعلام بتجهيزه وتلميع جلدة وجهه، وكان التركيز على أن هذا الشاب طبيب عيون، مثقف، يتقن اللغة الإنكليزية! والأهم من كل ذلك أنه يتقن المعلوماتية، وسوف ينقل سوريا من عصر “التنكة أم سلك نحاسي” إلى عصر المعلومات، وسيفتح للسوريين أبواب التقدم والحضارة والتكنولوجيا على مصراعيها! لا تغرّنّكم البلاهة التي يوحي بها شكله وضحكته.
هو نفسه استهوته فكرة أنه مثقف متنوّر، وتباهى بأن لديه أصدقاء في جميع مجالات الأدب والفكر والفن، واستطالت رقبته وكبر رأسه بالفكرة، فوعد بأن شعوب دول الخليج العربي سيتمنون لو أنهم كانوا سوريين، ولهذا تأسست في سوريا بإشرافه “جمعية المعلوماتية” التي اتضح أنها مجرد معاهد لتعليم كيفية تشغيل الحاسوب وإغلاقه، عملياً لم تنتقل سوريا وظل حتى الهاتف الأرضي حلماً صعب المنال، ربما إلى هذه الساعة. كان إنجازه العظيم في هذا المجال هو “سيرياتل” للهاتف النقال وتوكيل ابن خاله رامي مخلوف ليشرف على نهب السوريين الذين لعنوا الساعة التي دخل فيها هذه التكنولوجيا لتمتص دماءهم.
طرح نفسه في البداية كمثقف منفتح حضاري داعم للعلم والفنون، ولكنه من حيث المحصلة أطلق كلابه المسعورة على نخبة المجتمع السوري، الذين لم يستطع شراء ذممهم، فعاد عن ربيعه واعتقل أغلب المفكرين السوريين، ووصل الأمر لاحقاً إلى تكسير يديّ الفنانين (علي فرزات مثلاً) تماماً بطريقة ديكتاتور تشيلي بينوشيه الذي قطع أصابع المغني الثائر فيكتور جارا ليمنعه من العزف على جيتاره.
طال إجرام النظام كل من رفض فكرة “الأسد أو نحرق البلد” من أطياف الشعب السوري، ولكن أمراً ربما لا يعرفه الكثيرون أن أكثر ما استفزه هو الفنانون والمثقفون وأكثر منهم أولئك المتخصصين في مجال المعلوماتية، لماذا؟
بعيداً عن كونه نظاماً يعرف خطورة هؤلاء الذين أعطوا زخماً كبيراً للثورة السورية بانحيازهم إليها، فهو يريدها ثورة جاهلة، ولهذا السبب كانت حربه ضد المتعلّمين لا هوادة فيها، ومن المعلوم أيضاً أنه عفا عن الكثير من المسلحين عن طريق التسويات، لكن السبب الشخصي لذلك غير معلوم، إنه شخصية حقودة، يُستفز بأن يعرف أن على الضفة الثانية خبيراً في مجال فشل هو فيه، هذا هو الحال، وواقع الحال أن هذه العائلة لا تمتلك أسباب التميّز في مجال العلم، فأبوه كان طالباً محدود القدرات والدليل على ذلك تطوعه في الجيش الذي لا يحتاج إلى درجة عالية، وكذلك ابنه حافظ الثاني الذي تسبب في خسارة سوريا في دورة الأولمبياد العلمي في البرازيل، حيث حصل على ترتيب 680 من أصل 700. ولا أشك في أن العائلة الأسدية مقتنعة أن اللجنة المُحَكّمة في البرازيل “تحطّطَت” على حافظ الصغير، وتآمرت مع المسلحين لإخراجه من المسابقة!
ورث هذا الحقد من أبيه، فمما يحكيه السوريون أن الديكتاتور الأكبر حافظ الأسد عندما استولى على السلطة قام باعتقال جميع زملائه الذين تفوقوا عليه في الكلية الحربية، وتركهم في السجن حتى ماتوا، ولعل هذا ما يفسر اعتماده في الحكم على “أراكوزات” من أمثال مصطفى “سكانيا” طلاس وخدام ومحمود الزعبي وقدورة وغيرهم.
إذاً هو الحقد الأسدي على المتميزين، هو السبب في قتل كل عبقري طالته يده الملوثة، فلا حاجة له بمثل هؤلاء حتى إلى جانبه لأنهم يذكرونه بعقدته وفشله المتوارث في عائلته، هو بحاجة إلى “مفكرين” من أمثال “النمر الوردي” في أحسن الحالات، ليقتل بدون تفكير وبدون أدنى شعور بالذنب.
اعتُقِل باسل خرطبيل في 10/3/2012 بتهمة مشاركته بالحراك الشعبي السلمي ضد النظام الأسدي، وأكادُ أُقسم على أن بشار الأسد وقع أمر إعدامه وهو يبتسم ابتسامته البلهاء، وهو يردد في نفسه: لماذا لم تخترني المجلة أنا لأكون من بين المئة الأوائل؟ ليس هذا فقط!! فباسل فلسطيني أيضاً! كان يتشفى بإعدامه، فعلاً كيف لا يختارونه هو؟!
في أكتوبر 2015 نُقِل المهندس باسل خرطبيل من سجن عدرا إلى جهة مجهولة، وأُعدِم هناك على أيدي الهمج الذين لا يعرفون القراءة والكتابة.