شغلتُ بدور الصحافة في خدمة الأدب الفلسطيني وأنا أعد رسالة الماجستير عن القصة القصيرة في مناطق الاحتلال الثاني من 1967 حتى 1981. كان علي أن أقرأ الكثير من القصص القصيرة في الصحف والمجلات إذ إن كثيراً من الكتاب تركوا ما نشروا فيها على صفحاتها، قبل أن يجمعوه لاحقاً، وبعد إنجاز دراستي، في مجموعات قصصية. أول صحيفة صدرت في القدس بعد 1967 هي صحيفة «القدس» تلتها صحف أخرى أهمها «الغجر» و«الشعب» و«الطليعة».
لا أرمي هنا إلى كتابة توثيقية فقد أنجزت كتابة مثل هذه في الفصل الأول من دراستي «القصة القصيرة في الضفة الغربية وقطاع غزة بين 1967 و1981». ما أود كتابته يركز على الصحف والمجلات التي كان لها دور فاعل وملاحظ ومستمر إلى حد ما. أول هذه الصحف صحيفة «القدس» التي على خلاف بقية الصحف والمجلات ما زالت تصدر وما زالت تخصص صفحة أسبوعية للأدب.
لا ينكر أي متابع دور هذه الصحيفة في رعاية الكتابة الأدبية، ومع ذلك يمكن القول إن أبرز أدباء الضفة والقطاع لم ينشروا فيها باستمرار، إذ فضلوا عليها الجرائد التي كانت تتبنى خط منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينيات القرن العشرين، وتحديداً صحيفة «الفجر» وصحيفة «الشعب» وصحيفة «الطليعة»، وعلى صفحات هذه نشر الأدباء الفلسطينيون الفاعلون الذين كان لهم دور بارز في الحركة الأدبية، ولم يأخذ بعض هؤلاء ينشر في صحيفة «القدس» إلا بعد توقف الصحف الثلاث عن الصدور في التسعينيات. وهنا أذكر الشاعر المرحوم علي الخليلي الذي كان يحرر الملحق الأدبي في جريدة «الفجر» حتى توقفها. لقد أخذ علي ينشر في صحيفة «القدس» ويكتب زاوية أسبوعية فيها.
فيما يخص المجلات يمكن الإشارة إلى ثلاث مجلات كان لها دور فاعل وملاحظ ومستمر في دعم الحركة الأدبية. أولى هذه المجلات مجلة «البيادر»، 1975. لقد كان لهذه المجلة دور ريادي في نشر الأدب، فعدا أنها أول مجلة أدبية فقد نشر على صفحاتها أبرز الشعراء والقصاصين، كما أنها أسهمت في تشجيع الأقلام النقدية التي رعت الأصوات الشابة التي صار لها مكانها في عالم الأدب.
على صفحات «البيادر» نشر الشاعر عبد اللطيف عقل والشاعر وليد الهليس والقصاصون محمد أيوب وزكي العيلة وغريب عسقلاني وجمال بنورة والناقد صبحي شحروري. ولم يضعف دور هذه المجلة إلا بعد أن أخذت تزاحمها مجلات أخرى مثل مجلة «الكاتب».
استقطبت «الكاتب» منذ صدورها أبرز الأسماء الأدبية، فقد أصدرها الشاعر أسعد الأسعد الذي أشرف لفترة على تحرير «البيادر» ثم تركها، وظلت «الكاتب» تصدر حتى منتصف التسعينيات ثم توقفت عن الصدور.
في بداية التسعينيات صدرت مجلة «كنعان» بثوب تراثي واختلفت عن المجلتين السابقتين في أنها في بداية مسيرتها أخذت تدفع مكافآت للكتاب، وهذا ما تعهده الحركة الأدبية في فلسطين المحتلة عام 1967- صدرت «كنعان» ابتداء في فلسطين المحتلة 1948 ثم أخذت تصدر في رام الله وما زال عادل سمارة يصدرها ولكن توزيعها منذ بداية انتفاضة الأقصى محدود جداً وهذا ما قلل من فاعلية دورها.
طبعاً لا ينسى المرء مجلات أخرى كـ «الشراع» التي سرعان ما توقفت ومجلة «التراث والمجتمع» التي اختصت بالأدب الشعبي وصدرت بانتظام لفترة طويلة.
مع مجيء السلطة الفلسطينية في 1994 واصلت جريدة «القدس» صدورها وتوقفت جريدتا «الفجر» و«الشعب» فيم واصلت «الطليعة» مسيرتها لسنوات قبل أن تتوقف. في عهد السلطة الفلسطينية صدرت جريدتا «الأيام» و«الحياة الجديدة» وصحف أخرى، وكان للجريدتين المذكورتين دور ريادي في نشر الأدب الفلسطيني والعربي وقد صدر الملحق الأدبي لهما بأربع صفحات أسبوعية، وأخذتا تدفعان مكافآت للكتاب. واستمر دورهما الفاعل حتى بداية انتفاضة الأقصى إذ حوصرت الضفة وقطعت أوصالها، ما أثّر على الصحف وجعلها، بسبب أزمة الورق وقلة التوزيع، تخفض صفحات الأدب من أربع إلى صفحة واحدة.
على صفحات هاتين الجريدتين نشر الأدباء المقيمون والأدباء العائدون ونشطت حركة أدبية فلسطينية لم نعهد مثلها من 1967 حتى 1994، في المجالات الأدبية المختلفة؛ شعراً وقصة قصيرة ونقداً ومراجعات أدبية ومقابلات وتغطية للندوات والمؤتمرات.
فيما يخص المجلات لا يستطيع المتابع أن يغض الطرف عن «دفاتر ثقافية» التي أصدرتها وزارة الثقافة، وإلى جانبها مجلة اتحاد الكتاب الفلسطينيين «الكلمة»، فلقد كان لهما دور مهم في نشر الأدب، ولكن أهم مجلتين صدرتا في هذه الأثناء هما مجلة «الكرمل» ومجلة «الشعراء».
في العام 1997 واصل محمود درويش إصدار مجلة «الكرمل» التي صدر عددها الأول في العام 1980 في بيروت وواصلت صدورها بعد 1982 من قبرص. ومع أن بعض الكتاب الفلسطينيين رأوا فيها مجلة نخبة النخبة، إلا أن المرء لا يستطيع إغفال فضائلها العديدة والكثيرة، ما دفعني مرة لكتابة مقالة نشرتها في جريدة «الأيام» الفلسطينية تحت عنوان “فضائل مجلة الكرمل“.
على صفحات هذه المجلة قرأنا لأدباء فلسطينيين وعرب وعالميين، وهم كثر. وقد توقفت المجلة مع موت محمود درويش، وقام حسن خضر بإعادة إصدارها من جديد لكنه لم ينجح في المواصلة لعدم توفر الدعم المادي.
مجلة «الشعراء» التي أصدرها بيت الشعر الفلسطيني الذي أسسه الشاعر المتوكل طه كان لها أيضا دور بارز ولافت في تنشيط الحركة الأدبية. ويمكن القول إنها أخذت تنافس مجلة «الكرمل» وتزاحمها وقد صدرت لسنوات عديدة طويلة إلى أن توقفت. وقد تفاعلت هذه المجلة مع الحركة الأدبية العربية، ومثل «الكرمل»، عرّفت القارئ الفلسطيني بالحركة الأدبية العربية، وإن اختلفت عن «الكرمل» في أنها لم تركز على الأدب العالمي تركيز «الكرمل» عليه.
من المؤكد أن هناك مجلات أدبية أخرى صدرت ورفدت الحركة الأدبية مثل مجلة «عشتار» في غزة وكذلك مجلة «رؤية»، وأظن أن تتبع الموضوع تتبعاً أكاديمياً يبدو مجدياً. وفي الأخير لا بد من الإشارة إلى مجلات الجامعات الفلسطينية، فعلى صفحات هذه نشرت عشرات الدراسات الأدبية وكانت هذه الدراسات ترعى الأعمال الأدبية.
هذه نظرة سريعة على الصحافة الأدبية في فلسطين المحتلة في العام 1967 وهي لم تأت على الصحافة الأدبية الإلكترونية التي، للأسف، لم أتابعها جيداً.